تحليل إستراتيجي: أسباب الانسحاب الأمريكي وفوائد عودتها إلى مناطق النفط والغاز في شمال وشرق سوريا

komari
0


تحليل إستراتيجي لـ: إبراهيم كابان 
خاص/ الجيوستراتيجي للدراسات

ينتابنا جميعاً السؤال الموضوعي، مالذي دفع بالإدارة الأمريكية للعودة إلى سوريا ثانية؟، رغم إن الرئيس دونالد ترامب تحرك بإتجاه إنهاء هذا الملف كلياً بعد إقرار الانسحاب وتسليم ملف الحدود للروس والأتراك، ونفذ أنسحاباً لمعظم الجنود، وتَركَ مصير الكُرد بين فكي الغزو التركي وعودة النظام السوري برعاية روسيا. إلا أن هذا السيناريو لم يكن برضى المؤسسة العسكرية الأمريكية والكونغرس وتيارات واسعة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأدى ذلك إلى تشكيل لوبي مناهض لخطط ترامب، ومما لا شك فيه إن مستقبله سوف يكون على المحك، وقد تؤدي به هذه السياسات السطحية في التعامل مع القضايا الإستراتيجية المتعلقة بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى خسارة الإنتخابات الرئاسية القادمة، وربما تعرضه للمحاكمة. ووفق رؤيتهم إن ما قام به ترامب عرضت المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى تهديدات كبيرة على المستوى التعامل مع الشركاء، بالإضافة إلى تقليص دورها العالمي، وإظهار الولايات المتحدة بمستوى رديء في السياسية الخارجية، تفتقر إلى فنون إدارة المصالح امام التصاعد الروسي الصيني.
ولعلّ الصراع الذي شهدته الادارة الأمريكية بجميع مؤسساته نتج عن إستراتيجية جديدة تتوافق بين مطالب البنتاغون وإدارة ترامب والمؤسسة العسكرية، وهو العودة إلى سوريا بشكل جديد يعطي المجال للعلاقة مع الحلفاء المحليين " الكرد " والتخلص من عبئ الضغوطات التركية في توجيههم نحو الروس، الذين بدورهم دخلوا في إشكالية قبول الاحتلال التركي للشمال السوري أو عدم قبوله، وسوف تكون لذلك تبعات، وبذلك يتبلور حالة إنفكاك بين العلاقات التركية – الروسية، التي بدورها صارعت إلى عقد إتفاق مع الطرف التركي لإرضائها من جانب، وتقليص وجودها إلى إتفاقية أضنا المبرمة بين الأتراك والنظام السوري عام 1998م، وتجديد التنسيق حول جميع القضايا الرئيسية في سوريا.

سياسة الإحراجات بين الأمريكيين والروس في مواجهة أو أستمالة الأتراك

من جانب يمكن فهم العلاقة الأمريكية الروسية تسير ضمن نسق متفق عليه في توزيع الأدوار داخل سوريا، إلا أن ترجمة السيناريوهات على الأرض تظهر الاختلاف الكبير في وجهات النظر والتخطيط، بحيث كلا الطرفين لا تريدان أن تخسرا الطرف التركي، وذلك لأهمية الجغرافية التركية!. بحكم إن الروس أستخدموا الأتراك في مسألة كسر حاجز الناتو الذي شاركت تركيا في سد التمدد الروسي جنوباً خلال العقود الماضية، وبهذه العملية يتم إبعاد الأتراك عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفك منظومة الحصار المشكل حول روسيا، إلى جانب الحضور الروسي في البحر المتوسط من البوابة التركية، ودفع تركيا إلى القضاء على المجموعات المعارضة في المناطق الداخلية السورية، مقابل السماح لها بإحتلال عفرين وتوجيه دفة المسلحين إلى محاربة الكرد في شرق الفرات بدلاً من النظام السوري، وبذلك تدفع بالعلاقة بين شركاء حلف الناتو " أمريكا وتركيا " إلى الطلاق السياسي إذا ما سمحت الولايات المتحدة للأتراك بغزو شرق الفرات، وجعل الأمريكيين بين نار المواجهة مع الأتراك، وهو ما سوف يكون كفيلاً بإبعاد الأتراك كلياً من الحاضنة الأمريكية الأوروبية، أو قيام الإدارة الأمريكية بالتنازل عن حلفائها المحليين " الكُرد – قوات سوريا الديمقراطية " وتنسحب من سوريا، وهذا يعني تخلص روسيا من الوجود الأمريكي في سوريا. وفي كلا السيناريويين ستكون الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في العملية، مقابل الترتيبات الروسية بوضع الأمريكيين في الفخ السوري وتقليص وجودهم في المنطقة، وتربح روسيا حليفاً جديداً " تركيا "، و "كرد سوريا" بعد أن يبتعدوا كلياً عن أمريكا التي تخلت عنهم بموجب " خيانة "، وبذلك يفتح الباب بمصراعيه أمام المصالح الروسية في الاستحواذ على المنطقة من البوابة السورية والبحر المتوسط، بالتزامن مع حلفائها المحليين في الشرق الأوسط " إيران " والتي بدورها تسيطر على العراق ولبنان وقطر.

أفتقار ترامب إلى السياسة الخارجية وفنون إدارة القضايا الاستراتيجية 

كادت إدارة ترامب أن ترتكب اكبر خطأ في سوريا بعد إعلانه الانسحاب الكامل، وسياسة دفع الأتراك إلى الإصطدام مع الروس حول الغزو للمنطقة الكردية لم تكن ناجعة أمام الأفخاخ الروسية المتعددة للوجود الأمريكي في سوريا، لقد تسببت ضبابية الموقف الأمريكي وردائة سياساتها حيال سوريا وعدم وجود سياسة واستراتيجية واضحة المعالم، إلى التصرف بأستهتار وعدم المسؤولية في الملف السوري، ويظهر ذلك عدم فهم الرئيس ترامب لعواقب خسارة الولايات المتحدة للملف السوري، الذي هو بوابة لكثير من القضايا الحساسة في الشرق الأوسط، لا سيما المصالح الأمريكية الإستراتيجية في المنطقة والتطورات الروسية وأستخدامها للأتراك، والتصاعد الصيني في تغيير المعالم الجيوسياسية في الشرق الأوسط.. 
كما إن الإيقاع بالروس في مسألة الانسحاب من الحدود مع تركيا، وتسليم الملف إليها في مواجهة الغزو التركي أفضت إلى التصرف الروسي المباشر في التفاهم مع الأتراك الذين يخشون التهديدات والضغوط الروسية في سوريا أكثر من الأمريكي، وذلك لوضوح السياسات الروسية التي تجد من سوريا ملعباً لوجودها الدائم، ومن هنا كان الدافع وراء المؤسسات الأمريكية لرفض سياسة الانسحاب. 

كونغرس وأستخدام سياسة المغريات لإستمالة " ترامب "

مع إن القرار الاخير للرئيس دونالد ترامب في الإنسحاب أنهى التواجد الأمريكي في سوريا، إلا أن سياسة عرض المغريات من قبل الكونغرس والمؤسسة العسكرية غيرت من مجرى الأحداث، ودفعت بالرئيس الأمريكي إلى تغيير خططه، والعودة إلى سوريا من بوابة حماية النفط والاستحواذ عليها، بحيث قطع الطريق امام النظام السوري والشركات الروسية في الاستفادة منها، وكذلك تهدئة المؤسسات العسكرية والسياسية والكونغرس المتصاعدة ضد قرار الإنسحاب، وإعطاء الإشارة لحلفاء امريكا في المنطقة على إن الأمريكيين لا يتخلون عن حلفائهم في الشرق الأوسط، طبعاً تأتي هذه المحاولة من قبل الكونغرس والمؤسسة العسكرية للتغطية على إخفاقات سياسة ترامب.

فوائد العمق الإستراتيجي وشروط التفاوض لقوات سوريا الديمقراطية

ستكون لعودة القوات الأمريكية إلى شمال وشرق سوريا لا سيما منابع النفط والغاز وبشراكة مع الكرد والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، فوائد مهمة بالنسبة لشروط ومجريات الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، بحيث إن ورقة النفط والغاز محمية من قبل الأمريكيين الذين يتحالفون مع قوات سوريا الديمقراطية، وبذلك فإن أوراق الضغط الكردية ستكون جديرة إقتصادياً في تقليص شروط النظام السوري.
عسكرياً ستكون هناك عمق إستراتيجي لقوات سوريا الديمقراطية في تلك المنطقة، وبنفس الوقت إن هذه المنطقة لن يتم تسليمها إلى النظام السوري والروس على أساس عودة النظام إليها والسيطرة عليها وإعادة الظروف السياسية والأمنية إلى ما قبل 2011. وبناء على هذا التصور الجديد فإن قضية عودة سوريا إلى كيان ملحق بسياسات النظام القمعية أصبح أمراً غير ممكناً في مستقبل سوريا، وإن لم يتوجه النظام السوري إلى حلحلة الاشكاليات مع الكرد وتطمينهم والإعتراف ببعض حقوقهم المشروعة فإن المشهد السوري قابل للتقسيم، بحكم أمتلاك الكرد لورقة النفط والغاز التي لن يتنازلوا عنها حتى يجد الحوار مع النظام السوري طريقه إلى المسار الصحيح. 
وحقيقةً نحن أمام تطورات جديدة سوف تشهدها سوريا في المجال السياسي والعسكري، إلى جانب تقليص التمدد التركي في الشمال السوري، لأن الروس سوف يعملون على تطمين الجانب الكردي وكسبهم من خلال الضغط على النظام السوري وقبوله ببعض شروط الكرد، وبنفس الوقت سوف يكون المشهد اكثر سخونة في الجزء الشمالي الغربي من سوريا، بحيث يتطلب من الروس إعطاء الضمانات للطرف التركي بعدم إعادة قوات سوريا الديمقراطية إلى عفرين، وبنفس الوقت سيكون لقضية أستعادة عفرين إحدى الشروط الاساسية للتفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري برعاية روسية.
وفي المحصلة اعتقد إن عودة الأمريكيين سيكون له فوائد إستراتيجية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، وتحصين شروطهم وحقوقهم في أية مفاوضات وحوارات جدية مع النظام السوري.


تنويه: يسمح بنسخ ونشر المادة في حال تم ذكر المصدر ( الموقع الجيوستراتيجي للدراسات )

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!