قطر .. بوابة الاشكاليات في الخليج العربي

komari
0

تتبنى قطر عملياً السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وتضمن بذلك التغطية الأمريكية على تصرفاتها السلبية تجاه دول الخليج، إلا أن العلاقات القطرية التركية تضمن للنظام التركي بعضاً من التغطية الاقتصادية والسياسية الدولية، لاسيّما سياسات الخارجية الأمريكية، وأن كان ذلك غير ثابت بسبب التغييرات الدائمة للإدارة الأمريكية، وبذلك تتطور سياساتها الخارجية ولا تبقى ثابقة حيال المنطقة. بينما الغاية التركية تتركز حول استخدام قطر في عدة قضايات تتعلق بالتمدد التركي نحو الدول العربية، تضعيف السعودية والإمارات وبالتالي مصر، أي بأمول قطرية تدعم تركيا المجموعات المتطرفة، وفوائد وجود هذه المجموعة تُعاد للخزنة التركية، كما هو الحال في ليبيا وسوريا، وطبيعة إدارة تركيا للمتطرفين والاستفادة منهم، وبنفس الوقت استمرار الولايات المتحدة في غض النظر عن التصرفات التركية، بالرغم من عداوة الدول الغربية والولايات المتحدة لمنظمة القاعدة، وشنت هذه الدول حروباً من أجل القضاء على المجموعات المتطرفة، إلا أنها مدعومة من تركيا في شمال غربي سوريا، ومع ذلك تغض الولايات المتحدة والدول الأوروبية النظر عن وجودها، وهذا يفسر لنا طبيعة التصرفات القطرية في دعم هذه المجموعات، والعلاقات الأمريكية القطرية التي أصبحت نقطة ارتكاز في الشرق الأوسط. 

حجم القطر البري لا تعطيه أية أهمية من الناحية الجغرافية، إلا أن وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في قطر تعطيها أهمية كبيرة، لأن تلعب دوراً تنافس فيه مصر والسعودية، وهذا مؤشر واضح لطبيعة الاشكاليات التي وقعت بين قطر ومعظم الدول العربية، بعد أن تحولت قطر إلى بوابة لزعزعة أمن الخليج والدول العربية، وتقربت من تركيا التي تقود بدورها المنافسة على زعامة الدول السنية. وتركيا بالعموم استفادت من التجربة القطرية في توجيه الإعلام نحو الشارع العربي، وإن كانت قطر بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية أسست شبكة الجزيرة فأن التجربة التركية تركزت على غزو إعلامي من نوع آخر، المسلسلات والبرامج الموجه للشارع العربي في تقليد المجتمع التركي، وحقيقة نجحت تركيا في ذلك كما نجحت قطر من خلال شبكة الجزيرة التأثير على الشريحة الواسعة داخل الشارع العربي، إلا أن التغطية الأمريكية خففت من قوة هذا التوجه حتى تخفف من قدرة قطر الإعلامية بعد التطورات الاقتصادية الكبيرة التي أوصلت بقطر إلى مستوى السعودية ومصر والإمارات، أي أن عامل التوازن الذي يتحكم به الأمريكيين لا يعطي لدولة محددة لعب دور شامل على حساب الأدوار الأخرى التي سوف تبحث عن خيارات وتجدد سياساتها الخارجية، ولربما تكون على حساب جزء من العلاقات مع أمريكا، وهذا واضح من التوجهات الخليجية الجديدة نحو بناء آفاق العلاقات مع الروس، بسبب تصرفات إدارة ترامب حيال هذه الدول، ويمكن فهم التقارب السعودي الروسي الجديد من هذه البوابة، وقد تشهد المنطقة علاقات خليجية صينية وهندية وروسية أو مصرية روسية أعمق في المرحلة القادمة، بينما كانت هذه العلاقات مجمدة لعقود طويلة بسبب التغطية الروسية على أفعال وتصرفات إيران في المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل.

البحث الروسي المستمر عن مناطق تجارية لبناء العلاقات، هو الخيار الأكثر وضوحاً للسياسة الخارجية الروسية، لاسيّما أن الإنتاج العسكري الروسي أكثر فعالية لدى الدول الشرق الأوسط التي تخوض صراعات عديدة قد تتسبب بمواجهات حربية سواء بشكل مباشر أو من خلال الأدوات المحلية، والمشهد اليمني والسوري والليبي نماذج عينية لما ستؤل إليه الظروف مستقبلاً في دول أخرى، والروس يدركون مدى استعداد هذه الدول في الحصول على الأسلحة الحديثة، لاسيّما وإن البعبع الإيراني يشكل خطراً فعلياً على الدول العربية السنية، وبنفس السياق تشكل تركيا خطراً كبيراً على الدول السنية نفسها، وتدرك روسيا أهمية الدول الخليج العربي، وكان العائق أمام تطور العلاقات معها هي إيران، لهذا ستركز روسيا على إجراء تقارب إيراني لهذه الدول، أو تخفيف تغطية البعبع الإيراني من أجل إعطاء المساحة للتواصل مع الدول العربية. 

دول الخليج العربي مجبرة على تطوير قواعدها الدفاعية دون الاعتماد الكامل على التغطية الأمريكية، لأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ركزت على مسألة تقديم الحماية مقابل المال، وبذلك ما فائدة المال دون وجود السلاح إن غابت التغطية الأمريكية؟، والأمريكيين استخدموا لضمان صيرورة هذه الاستراتيجية " التهديدات الإيرانية"، وربطوا وجودهم في حماية المنطقة بهذه التهديدات، لذا فإن الدول الخليج العربي باتوا يدركون خطورة هذه الاستراتيجية في ظل ممارسات إدارة الرئيس دونالد ترامب مع هذه الدول باستهتار وتهديدات وطلب المال علناً، بينما تجد هذه الدول أن بناء قوة عسكرية بمستوى القوة الإيرانية هو المهم، وروسيا تملك تلك الاستراتيجية أكثر من الأمريكيين بهذا الصدد، لهذا فأن استمرارية سياسات الخارجية الأمريكية بنفس السياق الذي وضعه دونالد ترامب سيكون له عواقب كارثية على هذه الدول وعلاقاتها بمصالح الولايات المتحدة، والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وإن لم تغير الولايات المتحدة الأمريكية طبيعة تعاملها مع ملفات المنطقة ستحجم بطبيعة الحال الكثير من استراتيجيتها مقابل المصالح الروسية التي تسير في نمو أكبر، لما يتكون من ثقة كبيرة بالروس أكثر من الأمريكيين، وكانت سلوكيات إدارة ترامب في التعامل مع الملف السوري وطبيعة انسحاباتها واستخداماتها للأطراف، وفتح المجال أمام الأتراك والإيرانيين في التوغل على حساب تحجيم الدور العربي، الدافع الكبير في إعادة الدول العربية من سياساتها حيال التصرفات الأمريكية.

أسم الكتاب: مسارات الأزمة السورية
المؤلف: إبراهيم مصطفى ( كابان )
جهة النشر الإلكتروني : شبكة الجيوستراتيجي للدراسات و دار المعرفيين الأحرار. 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!