مدخل إلى الشرق الأوسط

آدمن الموقع
0

لم تعد سياسة التدخل العسكري المباشر لتغيير الأنظمة بالقوة مسألة محببة لدى المؤسسات العسكرية والسياسية الأمريكية ، لاسيّما الإدارات الجديدة التي تلت جورج بوش الابن، حتى ان نفوذ المحافظين ودعاة خوض الحروب داخل الكونغرس والحزبيين " الديمقراطي والجمهوري " أصبح في تراجع كبير بعد حرب أفغانستان والعراق وما أخلفهما من مستنقع انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الأمريكي. 

لقد كانت تلك القرارات الحربية باهظة الثمن بالنسبة للسياسات الخارجية، وكلفت الولايات المتحدة أموال طائلة، وكبدتها خسائر فاضحة. 

إلا أن توفير البديل عن التدخل العسكري أنوجد كنتيجة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية على معظم الدول، وآلية مناسبة وناجعة في الحصول على أية تغييرات داخل البلدان دون التكاليف بالأموال والدماء. وهو ما تركز عليه إدارة الرئيس دونالد ترامب في الحصول على المكاسب دون خسائر، ويمكن رؤية ذلك بشكل واضح في السياسة الخارجية الأمريكية، ولعلَّ خطابات ترامب العلنية إتجاه معظم دول في شرق الأوسط تظهر هذه الحقيقة. وإن كانت هناك تدخلات عسكرية خفيفة لتدعيم مصالح محددة كما يحصل في سوريا، إلا أنها تأتي من قبيل الحفاظ على المصالح الاستراتيجية فقط، وليس خوض حرب كبيرة مشابه للتدخل العسكري في أفغانستان والعراق. كما أن القواعد العسكرية الأمريكية التي كانت جزء من المصالح الاستراتيجية تدفع تكالفيها، باتت اليوم تندرج في إطار " لولا هذه القواعد لكانت هذه الدول تتعرض إلى حروب مدمرة من دول أخرى "، وهنا مثال الخليج العربي والبعبع الإيراني الذي أصبح أكبر مساعد لتوفير التغطية على السياسات الأمريكية الجديدة، أي قواعد لتأمين الأمن والأمان إلا أنها ليست مجاناً، أي على الدول تقديم المال مقابل خدمات أمريكا في حمايتها. 

خلال حملته الرئاسية انتقد دونالد ترامب تورط الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط ، ومنذ توليه منصبه لم يغير من لهجته، وظل يكرر في كل مناسبة اختلاف سياساتها الخارجية عن سلفه "أوباما".

فعلياً لا مصلحة لإيران في نزاع واسع النطاق تدرك أنه لا يمكنها الفوز، وتشكيلها آلية الخوف على الدول العربية توفر للولايات المتحدة حاجة هذه الدول الدائمة إليها، كما أن إسرائيل راضية عن العمليات المعايرة في العراق ولبنان وسوريا وغزة لأن أذرعة إيران توفر لها بشكل دائم عملية التدخل العسكري متى تشاء في هذه البلدان والمناطق، وتبقى هذه الدول والمناطق تحت رحمة السياسات الخارجية الإسرائيلية، لكنها بنفس الوقت تخشى مواجهة أكبر قد تعرضها لآلاف الصواريخ الإيرانية إذا ما تم إخلال في هذه المنظومة المركبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. 

المملكة العربية السعودية مصممة على الدفع ضد إيران ولكن دون مواجهتها عسكرياً، بالرغم من عدم توفر أية آليات مفيدة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في خوض أية نزاعات عسكرية مباشرة مع إيران، فإن الظروف الملائمة لحرب شاملة في الشرق الأوسط هي أضيق من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة، والأمريكيين واعيين لمسألة خطورة أية حرب شاملة في المنطقة، حيث سيتعرض أمن إسرائيل إلى خطر كبير في الوقت الذي تتعرض المصالح الأمريكية الإستراتيجية إلى عبث لا مثيل له. ولماذا أساساً تتعرض؟ وما فائدة الحرب الشاملة التي سوف تتسبب بتدمير منشآت النفط والغاز ؟، لطالما إيران بتهديداتها المستمرة لا تخرج عن النطاق العربي، وتحركاتها تنتج حالة صدع مع العرب مقابل دفع المشهد العربي إلى التحالف مع إسرائيل، وبنفس الوقت تدفعهم إلى شراء الاسلحة الثقيلة باستمرار من المصانع الأمريكية والأوروبية التي تديرها شركات متعددة وضمنها إسرائيل، وبذلك توفر إيران الكثير من الخدمات لإسرائيل والغرب. ويمكن فهم مقبرة اليمن للأسلحة الخليجية خير شاهد على خدمات إيران للأمريكيين، حيث تنزف ترسانة الأسلحة الخليجية في الحرب مع الحوثيين الذين يتبعون لإيران على حساب تدمير اليمن ومستقبلها، وتدفع بالخليج إلى دفع الأموال الطائلة لشراء الأسلحة وبنفس الوقت الحاجة إلى الحماية الأمريكية التي أصبحت مقابل الأموال وليست بالمجان كما كانت في السابق.

أصبحت للسياسات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط هدف محدد، افتعال الأزمات، ضرب الأنظمة والقوى الصغيرة ببعضها بغية دفعها إلى الحاجة الدائمة لها، وتقديم الحماية لها تقابله الحصول على المال، ومحرك هذه الأزمات بالنسبة للدول العربية هو النظام الإيراني.

لتحميل الكتاب مجاناً من:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!