نموذج للتبعية العميائية ومساراتها ( تركيا وقطر وإيران .. والشريحة المدفوعة في الشارع العربي والإسلامي )

komari 6:38:00 ص 3:34:42 م
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

السلوك السياسي لنظام ما غالباً يدل على بنيته التراتبية بشقيه الثقافي والإداري، وإن كان لغياب الديمقراطية والبرلمان وحقوق الإنسان في دويلة مثل قطر الأثر البليغ في تدمير الحياة الإدارية كمنظومة حديثة، إلا أنها على رأس القائمة التنافسية في الخليج العربي، وذلك أفقدها بطبيعة الحال التوازن والاحتكام للمنطق، بسبب ضلوعه في المشاريع الهلامية التي يقودها النظام التركي. هي عملية توريط السياسي لمشاريع خاصة ما، لاسيّما وأن المكاشفات التركية حول المشاريع الخاصة بها على حساب الدول العربية تفضح طبيعة الأهداف التركية الموجه لقضم أجزاء من الدول العربية، وهنا الفارق بين المشرع والخطط الاستراتيجية والمنفذ، والذي يدفع الفاتورة رغم أنه يدفع ذلك على حساب انتمائها الجغرافي والإقليمي والثقافي، بمعنى أدق يمكن فهم مشروع نظام الإسلام السياسي في تركيا موجه للتوغل داخل البلدان العربية لتفكيكها، والسؤال المحير: لماذا تساعد قطر في ذلك؟ 
ثبتت التوجهات التركية نحو التعمق في الأزمة السورية والعراقية؛ وكذلك التدخل في دعم المتطرفين في ليبيا وغزة، بالتزامن مع تكريسها الخلافات بين الدول العربية الخليجية وقطر، وإبعادها عن محيطها العربي، وتوجييها لخلق بلبلة مع مصر، وزعزعة الاستقرار داخل الجامعة العربية، خطورة التوجهات التركية في معاداة الشارع العربي وبغية تكريس الخلافات بين دولها، وعملياً تدرك قطر هذه الحقيقة، وبالرغم من ذلك تستمر في تنفيذ المخطط، مما أصبحت الرأس الحربة للمشاريع التركية، وتمويلها!.

أن استمرار الدعم القطري للجماعات المتطرفة " الإخوان المسلمين " في عدد من الدول العربية، والجماعات التابعة لـ " منظمة القاعدة " في سوريا وليبيا، أوجدت الأرضية المناسبة للأتراك في التوغل داخل الشارع العربي، والمستفيد الأول هو العامل التركي الطامح، وأمنه القومي على حساب الدول العربية وفي مقدمتها سوريا، حيث جعل النظام التركي من سوريا ملعباً عسكرياً لجماعاته المتطرفة في سبيل حماية الأمن القومي التركي وحدوده. بالإضافة إلى ذلك المساهمة القطرية الواضحة لإقامة الأتراك حزام أمني من المتطرفين بينها وبين العمق السوري، في الوقت الذي أفلتت تركيا يد الجماعات المتطرفة في الفتك بالجغرافية السورية وتدمير اقتصادها، عملت قطر على ترعرع هذه الجماعات لهذا الغرض. 
" بات يُفهم من السلوكيات القطرية وتصرفاتها العمل من أجل بناء حزام أمني تركي في العمق السوري على حساب العبث بالأمن القومي السوري، وبالتالي العربي ".
يمكن فهم المخططات التركية في استعادة أمجاد السلطنة العثمانية إلى المنطقة العربية، فالعقل الجمعي التركي لا يختلف في مسألة النظر إلى العرب والكرد وبقية الشعوب المنطقة على أنهم رعاة لدى السلطنة، ولم تتغير المخططات التركية للحظة حول أحقيتها في العودة إلى احتلال المنطقة بمسميات متعددة، ولكن مالذي يدفع قطر إلى الضلوع في هكذا مشروع لصالح الأتراك؟ وما هي الفائدة القطرية من ذلك؟ 

بالرغم من فشل معظم مشاريع الإسلام السياسي التي تلت ثورات الربيع العربي، وتحويل تلك الأحزاب إلى أدوات للقمع والتصفية وارتكاب الفواحش الأمنية بحق الخصوم، فأن سير قطر في خدمة السلطانية التركية المستحدثة أمر يبعث الاستغراب والتعجب. 
إن التصرفات القطرية وتحركاتها إنما تأتي من بوابة الصراع على تمثيلية شق الإسلام السياسي داخل الشارع العربي، وكأن المنافسة داخل الدول العربية بين تيارين " الإسلام السياسي – والقوى الديمقراطية "، وهو ما يتوافق مع طموحات النظام التركي الذي يحاول من خلال مجموعات الإسلام السياسي التدخل في الدول العربية، والتمكين في بلوغ السلطة، وهذا يوفر لها التبعية، وهو ما يسهل عملية استعادة السلطنة العثمانية المستحدثة.
- تباعدات وتقاربات
مؤسساتياً تُعتبر منظمة التعاون الإسلامي في مستوى أدنى مقارنة مع الجامعة العربية التي هي بدورها أقل تماسكاً من الاتحاد الأوروبي، رغم توفير الرابط الديني بين الدول المنظمة، والعامل الثقافي والانتماء الديني والقومي الذي تتمتع به الجامعة، وهذا ما لا يتوفر في الاتحاد الأوروبي والجامعة أيضاً أكثر اختلالاً من منظمة الدول الأمريكية وأقل فعالية من الاتحاد الإفريقي، كما إنه لا يوجد أي كيان سياسي أو اقتصادي إقليمي تنتمي إليه الدول العربية، بينما الجهات الأكثر فعالية في الشرق الأوسط هي ( إسرائيل – التي تلعب دوراً بارزاً في مجريات التباعدات والتقاربات) بينما فعالية (إيران وتركيا ) تكمن في طبيعة سياستهما التوسعية على حساب الدول العربية، رغم الامكانيات الاقتصادية والأحفورية التي تتمتع بها الدول العربية تفوق الدول الثلاث، إلا أن وجه الخلافات والنزاعات البينية كانت لها اليد الطول في تعطيل أي تطور للعلاقات العربية واقتصادها العام دون الخاص، وسبل التكافل بين أطرافها، تسبب ذلك في تشرذمها على نحو تستفيد القوى الثلاث المتربصة بها منها. 

" ومع ذلك هناك العديد من التباينات بين الأطراف، حيث يسير الشرق الأوسط كمساحة جغرافية موحدة من الأيديولوجيات والحركات المنتشرة عبر الحدود، في العقود الماضية كانت " العروبة والناصرية " تطغى على العقل الجمعي للشارع العربي، واليوم " الإسلام السياسي والجهادية"، بينما أصبحت حركة الإخوان المسلمين أكثر قدرة وانتشاراً، وأصبح لها فروع نشطة في مصر والعراق والأردن والأراضي الفلسطينية وسوريا وتركيا ودول الخليج وشمال إفريقيا، وخرجت منها حركات جهادية مثل "منظمة القاعدة ودولة داعش" تتبنى أجندة التطرف الديني وترفض الدولة القومية والحدود الوطنية تمامًا ".
يسيطر النظام الإيراني على أتباع المذهب الشيعي في إيران وداخل معظم الدول العربية من خلال الولاء الكبير من المنظمات السياسية الشيعية، بينما يجد النظام الإيراني الساحة العربية مرتعاً لدعم الميليشيات الشيعية المسلحة، وبناء منظومات عسكرية منفصلة عن الحكومات، كما الحال في لبنان والعراق واليمن وسوريا، مقابل ذلك سعت المملكة العربية السعودية إلى تصدير المذهب السلفي إلى دول المنطقة، ومولت السياسيين والحركات في جميع أنحاء المنطقة. ويكرس كل طرف الامكانيات المالية والإعلامية في مواجهة الطرف الآخر.

تتمتع وسائل الإعلام الموجهة من الطرفين قدراً كبيراً من الدعم، فيما تقود الدول السنية صراعاً بينياً يتمثل بالزعامة على العالم السني، وتقود شبكة الجزيرة حرباً مفتوحة ضد الدول العربية وتشويهها لصالح الأتراك، بينما الكثير من الوسائل الإعلامية الشعبية التركية والإيرانية تنظر إلى قطر باستخفاف. 
حقيقة أن القوى المحلية الفاعلة تعمل كوكلاء ولاعبين مستقلين عن الحكومات تجعل من الصعب إثبات المساءلة عن العنف أو ردعه في المقام الأول، وقد يدعي النظام الإيراني أنه غير معني بهجمات الجماعة الحوثية على المملكة العربية السعودية، أو هجوم المجموعات المتأسلمة الفلسطينية على إسرائيل ، أو تهديد الميليشيات الشيعية العراقية لأهدف أمريكية محتملة، وقد تلوم المملكة العربية السعودية إيران بقيادة حرب معها من خلال أدواتها " الجماعة الحوثية " في اليمن، في الوقت الذي تتهم فيه إيران السعودية بالوقوف وراء أية هجمات عنيفة تنفذها جهات منشقة داخل أراضيها. 

وبفعل هذا الصراع سيستمر النظام الإيراني بدفع حزب الله للسيطرة على القرار اللبناني، كما الحوثيين في تكوين جيب شيعي في الخاصرة الخليجية، بينما ستحرك تركيا أجندتها في استمرارية حركة حماس لخدمة إسرائيل ودفع المجموعات المعارضة السورية إلى التخلي عن أهداف الثورة السورية لصالح الأمن القومي التركي، إلا أن المنطقة برمتها مستقطبة ومتكاملة لصالح القوى الكبرى، وهؤلاء القوى المحليين هم مجرد أدوات وقتية لصالح المشاريع الكبرى حتماً، ومهمتهم محددة.

شارك المقال لتنفع به غيرك

komari

الكاتب komari

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/