ألمانيا الأوروبية، والخيارات الصعبة في التعامل مع الملف التركي

آدمن الموقع
0
بقلم: إبراهيم م. كابان
لم تعد أوروبا قادرة على تحمل تصرفات النظام التركي في العديد من الملفات الشائكة، ومنها المتعلقة بأمن أوروبا ومصالحها الاستراتيجية، وإن كانت تركيا تستغل سياسة غض النظر والمرونة الألمانية حيال بعض القضاية، إلا أن التوظيف التركي لذلك لن يستمر، لان تعاضد المصالح لا تستمر بالمطلق دائماً، فالتحولات الدولية هي التي تغير السياسات الداخلية في أوروبا، وخاصة ألمانيا التي تملك قوة إقتصادية ضخمة، وبالتالي تملك الادوات المتعددة للحضور الدائم في القضايا الدولية، ويفرض ذلك على السياسة الألمانية أن تكون برغماتية في التعامل مع الأحداث ونتائجها العملية، إذ أن أستمرارية التعامل بنعومة مع السلوكيات النظام التركي سوف تجلب بطبيعة الحال أستهجاناً شعبياً وضغوطات داخلية وأوروبية، لأن النظام التركي لم يتوقف عند المساحة المتاحة لها من قبل أوروبا، وخاصة التغطية الألمانية.
أضرار المظلة الألمانية 
لا بد إن التوظيف التركي للهدوء الألماني اخلف الكثير من اللغط داخل الرأي العام، وهذا بطبيعتها أوجدت تصوراً حول هذه العلاقة، وخاصة إن السلوكيات النظام التركي حيال المصالح الاستراتيجية للإتحاد الأوروبي من البوابة القبرصية واليونانية وما تشكله تركيا من زعزعة للإستقرار في شرق المتوسط، ويضاف إلى ذلك التلويح التركي المستمر بعصا اللاجئين والتهديد بإغراق أوروبا بهم، شكلت معضلة معقدة إذا ما لم يتطور الموقف الألماني، وتوظفها وأستثماره في سلوكياتها وتصرفاتها إتجاه المنطقة، إلا ان البقاء الموقف الألماني بنفس الديباجة لن تجلب لها إستمرارية السيطرة على الخيوط السياسة الأوروبية. أوروبا اليوم ساخنة في موقفها، وتصرفات نظام أردوغان في المنطقة يثير الشارع الغربي ضد الحكومات، وبالتالي ألمانيا لن تكون بخير إن أستمرت بنفس الوتيرة في العلاقات مع تركيا، أي التستر على السلوكيات الدونكيشوتية للنظام التركي، الذي تحول من مرحلة العثمانية الراديكالية إلى السلوك الوحشي إتجاه الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، حتى ألمانيا التي تتحالف مع الانظمة التركية بكل مراحلها، بدأت بالانحياز إلى المزاج الأوروبي العام، لأنها إذا لم تميل إلى كفة التصور الأوروبي حول تركيا، لسوف تخسر الكثير من جمهورها وقدراتها. والألمان لن يقبلوا بعد كل تطورهم وسيطرتهم على الكثير من المنافذ والمخارج الأوروبية، التراجع عنها، لا سيما وبعض الاحزاب الألمانية بضغط شعبي ومزاج أوروبي باتوا أكثر حدة في ممارسة الضغوطات على الحكومة الألمانية بغية تحجيم التصرفات التركية في أوروبا، ومثال الحديث والنقاش حول تحجيم المنظمات التركية العنصرية والمتطرفة في المانيا تأتي بالتزامن مع هذه التحركات في فرنسا والنمسا والسويد، وقد تطال بلجيكا وهولندا والنرويج وغيرها. وإن كان المزاج السياسي الألماني لا يزال يتخبط في دائرة البقاء على العلاقات الاستراتيجية مع النظام التركي، والاستمرار في مد الجيش التركي بالاسلحة الألمانية التي تشكل تهديداً على أمن أوروبا في نقطة شرق المتوسط.
بأختصار: لم بعد الرأي العام الشعبي في ألمانيا قادر على تحمل كل هذا الكم من السلوكيات السيئة للنظام التركي، والضغوطات التي تتم ممارستها على الإئتلاف الحكومي، وقيام بعض الاحزاب الألمانية بفضح التعامل العسكري الألماني مع تركيا، والنقد اللاذق الذي تتلقاها الحكومة الألمانية بين فينة وأخرى، قد تكون نقاط ارتكازية في إيجاد معايير سياسية جديدة في المستقبل القريب للتعامل مع التصرفات التركية، إن استمرت في العبث بالمصالح الأوروبية. ولعلَّ التشبث الألماني بالعلاقة مع تركيا أصبحت تؤرق المزاج العام داخل الشارع الأوروبي، مقارنة بالمواقف الفرنسية والسويدية حيال تركيا، فإن سياسة عدم ردع التصرفات التركية سيشكل عبئاً على الخارجية الألمانية التي تسعى في التخفيف من وطأة التحركات الأوروبية حيال التصرفات التركية.
السياسات الناعمة حيال التصرفات التركية، نعمة أم نقمة على الاتحاد الأوروبي؟
من المنطقي أن تتخذ الدول الأوروبية نمط سياسي معين في التعامل مع القضايا الخارجية، والتركيز على حل جميع الاشكاليات بالطرق الدبلوماسية، وسياسة الحوار والاقناع وتبادل المصالح، لا سيما وتشكل تركيا عصبة العلاقة بين الشرق والغرب وفق المعايير التي يقيم عليها حلف الناتو ميثاقها، بإعتبار تركيا أحد أبرز مكوناتها، ولعبت دوراً بارزاً خلال الفترة الماضية لخدمة متبدالة بين الدول الغربية ومصالحها في سد التمدد السوفيتي، مقابل المصالح التركية في تقديم دول الحلف إمكانيات متعددة، ولعل المساهمة في دعم الانظمة التركية حول الملف الكردي في الشرق الأوسط أعطت الأولوية للتفوق التركي الدائم على المقاومة الكردية، إلا أن في الحالة التركية الحالية، والتعاون التركي الواضح مع الروس في إختراق جدار حلف الناتو من البوابة التركية، وتبادل المصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط بالنسبة للنفوذ الغربية والاطماع التركية، كانت دوافع لأن تصل هذه العلاقة التاريخية إلى الصدام مع الواقع الجديد، لأن الصراعات تعددت وأتخذت مسارات جديدة، ومركزية تركيا الاستراتيجي في الشرق الأوسط لم تعد لها وجود حقيقي في معادلة المصالح الغربية ككل، بل تحول التحالف إلى قوة متصارعة على النفوذ، وصدام المصالح الفرنسية مع الاطماع التركية في الشمال السوري، نموذج لهذه المتغيرات. مقابل شدة التصرفات التركية حيال أوروبا في عدة ملفات حساسة " تهديد امن اليونان وقبرص ، والتدخل في ليبيا، تهديد المجتمع الأوروبي باللاجئين" والاستمرار في اخذ دور الشرطي داخل بحر المتوسط. طبيعة هذه التهديدات تتسبب في ارق أوروبي عميق، لا يمكن سده بالسياسات الناعمة التي لن تجني لأوروبا تراجعاً تركياً، فألية الضغط التي تمارسها تركيا بأستمرار تجني لها فوائد كثيرة على المستوى الاقتصادي. 
بين موقف البرلمان الأوروبي والحكومات
لابد إن المتتبع لشأن الاتحاد الأوروبي سيجد فجوة بين المزج العام الشعبي والحكومات، وخاصة الاحزاب الحاكمة التي تدير دفة السياسات الغربية، وفي القت الذي طالب فيه البرلمان عقوبات قاسية اتجاه تركيا، وجدنا اخفاق الحكومات في إقرار عقوبات مخففة، ولا ترقى إلى مستوى التصرفات التركية حيال تهديد امن أوروبا. هذه الفجوة سببها سياسة بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها طبيعة التعامل الألماني مع التصرفات التركية، إذ أن إتخاذ السلوك الناعم في وجه التهديدات المباشرة تسببت في إخفاق كافة المحاولات الأوروبية لإتخاذ قرار حاسم حيال النظام التركي.
ويمكن فهم هذه الفجوة بوضوح مع إقرار العقوبات الاقتصادية الأوروبية على تركيا بتاريخ 11.12.2020، وبتاريخ 17.12.2020 يدفع الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو إلى تركيا لمساعدة اللاجئين، مع العلم الاموال التي دفعها الاتحاد لتركيا سابقاً للنظام التركي حول ملف اللاجئين، لا يعرف أين تم صرفها!، 17.12.2020، وبذلك تحاولت الحكومات الأوروبية من دور المعاقب للنظام التركي وإرضاء الرأي العام الشعبي والبرلمان الأوروبي الذي صوت بتاريخ 26.11.2020 لفرض أشد العقوبات على تركيا، إلى منقذ للنظام التركي بعد بدفع 6 مليارات يورو له!. 
الإلتحاق بركب فرنسا 
لا بد إن المشهد في أوروبا يوحي بوجود خلافات جوهرية حول التعامل مع الملف التركي، وتبلور تيارين يختلفان في السياسة الخارجية. وإن كانت فرنسا تتخذ أشد المواقف بوجه السلوكيات التركية المشينة حيال التعامل مع الاتحاد الأوروبي، فإن الحكومة الألمانية لا زالت تتشبث بسياسات هادئة جداً في القضايا الذات الاشكالية مع الاتراك، وبالتالي تسبب في تخفيف هيبة أوروبا أمام الرأي العام والتصرع التركي المستمر، وهذا يعني إن ألمانيا تكاد تقع بين خيارين، وعليها أن تميل الكفة لأحدى المحورين، حتى تضمن قدرتها الدولية، وهيمنتها الأوروبية، وإلا فإن النظام التركي الذي يستغل تباطئ أوروبا في التعامل مع سلوكياتها المشينة، ستضعف من موقف المانيا وفاعليتها الأوروبية.
----------------------------------------------
- مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!