تحليل لما ورد في توصيات ويليام روباك، المبعوث الأمريكي السابق إلى شمال شرقي سوريا بين 2018 و2020

آدمن الموقع
0

قراءة إستراتيجية لفريق " شبكة الجيوستراتيجي للدراسات "، لما ورد في توصيات المبعوث الأمريكي السابق إلى شمال وشرقي سوريا " ويليام روباك" لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2021. 


عملياً ما طرحه ويليام روباك مجرد نظرة سياسية عامة حول المشهد، وليس نتاج استراتيجية اتخذتها ادارة بايدن في التعامل مع الوضع السوري والوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا، وبالتالي لايمكن الأخذ بتصورات روباك على إنها ستكون جزء من السياسات الأمريكية القادمة، ولكن يمكن تحليل تصوارته من قبيل إن كل رأي صادر عن الدبلوماسيين الأمريكيين القريبين من مراكز القرار، قد تكون مفيدة أو على الأقل يظهر لنا بعض الأوجه السياسية للنظرة الأمريكية العامة حيال المسألة السورية.

تفسير ما ورد على لسان روباك

" أميركا ليست في عجلة من أمرها بالوضع الراهن في سوريا، وهناك «فرصة» أمام إدارة الرئيس جو بايدن، لمراجعة السياسة الأميركية في سوريا والإجابة عن أربعة أسئلة تخص ذلك، هي: «هل سوريا أولوية؟ ما هي الأهداف الأميركية؟ ما هي الأدوات المتوفرة لتحقيق هذه الأهداف؟ ما هي التكلفة الإنسانية على الشعب السوري؟" 

هذا طبيعي جداً أن تكون للإدارة الجديدة مراجعة دقيقة لسياسات الإدارة السابقة "إدارة ترامب" حول الوضع السوري، لأن الرئيس الجديد تحدث عن الكثير من التغييرات في التعامل مع الأزمة السورية والتواجد الأمريكي في المنطقة، وكان دائماً ينتقد سياسات ترامب وتعامله مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وخاصة سوريا، وبالتالي إن ما قاله روباك ليس بجديد لأنه كرر ما يقوله الجميع.

- تفنيد بروبغندا النظامين التركي والسوري حول "إن الكرد الانفصاليين يريدون إقامة دولة كردية في شمال وشرق سوريا"

" إن الأوضاع في شمال وشرقي سوريا تختلف عن إقليم كردستان العراق، و«ما قلناه وفعلنا وعلاقتنا مع قوات سوريا الديمقراطية، كان واضحاً: أننا لا ندعم قيام دولة كردية هناك ولا نعتقد أن (العمل على قيامها) سيكون مقاربة بناءة. التحالف جاء لهزيمة داعش، وقسد تقوم بذلك بكفاءة. قدمنا بعض المساعدات لدعم حياة السوريين هناك، وساعدنا المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية لتحسين عملها، وقدمنا مساعدات (عسكرية) لتعزيز دور قسد ضد داعش، وليس للسيطرة على شمال شرقي سوريا.

لم تتحدث الادارة الذاتية منذ تأسيسها عن قيام دولة كردية، وليس هناك مشروع قوموي لدى هذه الادارة، وإنما أقصى طرح لحل القضية الكردية وفق تصورات الادارة الذاتية ضمن العقد الاجتماعي المقرر، والمبادئ الاساسية لمجلس سوريا الديمقراطية التي تشارك فيها جميع المكونات، هو حل القضية الكردية ضمن حل الديمقراطية في جميع سوريا، وإن سوريا أرض لجميع السوريين، ويرفض قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية وكذلك الادارة الذاتية أي شكل من أشكال تقسم سوريا، بل وحاربت هذه القوات وهذه الادارة كل انواع التقسيم الذي فرضته منظمة الداعش والمجموعات المتطرفة التابعة للاحتلال التركي.
وتشكل قوات سوريا الديمقراطية من المكونين الكردي والعربي وبقية الاقليات الصغيرة، وإن المناطق الرقة وكامل شمال وشرق دير الزور ومنبج والطبقة، مناطق عربية، وهي تشكل أكثر من نصف منطقة الادارة، وبالتالي فإن وجودهم ضمن الادارة والقوات يفند اي حديث حول اتهام هذه الادارة وقواتها بانها تعمل على تكوين دولة كردية.
ما تحدث به روباك حول طبيعة العلاقة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية في عهد إدارة ترامب، واضحة للجميع، محاربة الداعش، دعم مجالس الادارة في تقوية بنيتها التحتية، وبذلك تقديم المساعدات للسوريين في هذا الجزء، لأن السوريين في هذه المنطقة يزيدون نسبته عن 4 مليون، وما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات الانسانية أو دعم محاربة الداعش كان واضحاً وعلنياً. ولم تدافع الولايات المتحدة عن هذه المنطقة عسكرياً ضد اي هجوم تركي، مقابل منع الجيش الأمريكي لقوات نظام الاسد في الاقتراب من هذه المنطقة.

وحول الانخراط المشروط والشفاف مع دمشق، كان روباك صريحاً حول مسألة الحوار بين الادارة الذاتية والنظام السوري، بحكم إن مشروع الادارة الذاتية لكافة سوريا، وبالتالي لا يمكن أن يكون لمنطقة محددة، وأفضل طريقة لحلحلة اية إشكالية بين الادارة الذاتية والنظام السوري هو الحوار الشفاف والوصول إلى حلول مرضية.
التعبير الدقيق الذي عبر عنه روباك من خلال الجملة التالية: " وقدمنا مساعدات (عسكرية) لتعزيز دور قسد ضد داعش، ليس للسيطرة على شمال شرقي سوريا".
هذا الجملة تبرأ قوات سوريا الديمقراطية من التهمة " عملاء امريكا " والتي يروجها النظامين السوري والتركي، والبروبكندا المستخدمة من قبل النظام السوري حول احقيته كنظام من حقه يتصرف بسوريا " يقتل ويدمر ويخرب ويعتقل ويحرق ويستدعي ما يشاء من قوى دولية "، بينما يقول عن قوات سوريا الديمقراطية " عملاء امريكا " لأنهم يديرون هذه المنطقة بدعم وامر أمريكي. بينما في الواقع إن هذه الادارة تأسست قبل مجيء أمريكا بعامين، وكان نتاج طبيعي لخيار أبناء المنطقة وهو إن هذه القوات والادارة الذاتية تأسست كخيار من أبناء هذه المنطقة وليس بطلب من امريكا، وبذلك إن خيار الشعب في هذه المنطقة هو الذي أنتج هذه القوات والإدارة، وليس بقرار أمريكي. وواضح إن روباك يحاول تبرأة أمريكا من تهمة إنها تدعم قيام دولة كردية في المنطقة، بقوله " إن هذه الادارة إنما نتاج ارادة الشعب في هذه المنطقة ".
أضاف روباك: «إن نصائحنا لقسد دائماً كانت: استمرار العلاقة مع أميركا والتحالف في الحرب ضد داعش وتوفير الأمن شمال شرقي سوريا وإجراءات بناء ثقة وعدم القيام بأي استفزاز لتركيا، مثل بناء دولة أو استعمال آيديولوجية معينة أو رموز أوجلانية»، في إشارة إلى زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان.

في جزئية بناء الثقة، نجحت الادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية احتواء اغلب المكونات القومية والدينية في المنطقة، وأنخرط الشريحة العظمى من المجتمع في الادارة وق س د، بينما توفير الامن فقد تحقق، حيث تحولت منطقة شمال وشرق سوريا إلى افضل المناطق السورية امناً وأماناً، بالرغم من المخاطر والحصار المستمر على هذه المنطقة من جميع الاتجاهات. 
فيما مسألة الاستفزازات، فإن الدولة التركية هي التي هاجمت وأحتلت وقتلت وأختطفت مع المجموعات المتطرفة التي تتكون منها المعارضة السورية التي تتخذ من تركيا معقلاً لهجماتها ضد الادارة الذاتية دون النظام السوري. 
وحول صور واعلام حزب العمال الكردستاني والسيد اوجلان، فإن التأثير الكردي في سوريا بهذه الثورة والسيد اوجلان هي مسألة قومية كردية، ومن الطبيعي ان يتأثر أي منطقة كردية بأي منطقة كردية اخرى بتركيا والعراق وإيران، وإن المسألة تتعلق بالجانب الجيني اكثر ما تكون هناك تبعية لها. لذا فإن احترام فكر وفلسفة أوجلان بين كرد سوريا لا تعني إنهم تابعين لطرف آخر. ونعتقد إن رفع الصور والاعلام اصبحت قليلة جداً، وإن الغالب الان هو رموز هذه المنطقة وصور شهدائها واعلام التي ترمز إلى شعوب هذه المنطقة.

يؤكد روباك: إن أميركا «لا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية جزءاً من حزب العمال الكردستاني، بل هي جزء من الحرب ضد داعش».
في الحقيقة ربط روباك هذه الجملة مع السابقة بحيث أكد من خلالها إن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية والكرد في سوريا على إنهم غير مرتطبين بحزب العمال. وهذا يؤكد على واقعية نظرة روباك للمسألة، والذي أكدتها وتمسكت بها الادارة الامريكية السابقة.

- الأهداف الاستراتيجية الأمريكية وأدواتها .. والعقبات التي تقف للحيلولة دو تحقيقها

حسب روباك، " إن الولايات المتحدة حددت قبل سنوات أهدافها في سوريا، بخمسة مسائل مهمة، هي: أولاً، هزيمة «داعش» ومنع عودته. ثانياً، دعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254. ثالثاً، إخراج إيران من سوريا. رابعاً، «منع نظام (الرئيس بشار) الأسد من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيماوي». خامساً، الاستجابة للأزمة الإنسانية ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها. ولتحقيق هذه «الأهداف» في سوريا، امتلكت أميركا عدداً من «الأوراق والأدوات»، تشمل: أولاً، الوجود الأميركي المحدود في القسم الشرقي من شمال شرقي سوريا قرب ثروات النفط والغاز وحدود العراق. يتراوح عدد القوات الأميركية بين 500 و800 من جنود ومتعاقدين. ثانياً، دعم «قسد» وشركاء محليين بعددهم (100 ألف) وعدتهم، حيث يسيطرون على تلك المنطقة الاستراتيجية ومواردها وطرقها. ثالثاً، «العقوبات الاقتصادية ضد النظام». رابعاً، التحالف الدولي ضد «داعش»، حيث يوفر منصة نفوذ دبلوماسية دولية. خامساً، التأثير عبر الأمم المتحدة الذي سعت الصين وروسيا لمواجهته.

يندرج تشخيص روباك للإستراتيجية الأمريكية أثناء إدارة "ترامب" في خانة إعطاء النموذج الذي كان عليه تلك السياسات خلال السنوات الأربعة الماضية، وهذا ليس بالضرورة أن تكون الإستراتيجية القادمة للإدارة الجديدة، لأن المعطيات التي أفرزتها وعود الادارة الجديدة هو إعادة تلك السياسات، والتي كانت خاطئة وفق نظرة بايدن من خلال التصريحات والمقابلات التي أجريت معه أثناء السباق الرئاسي. وإن فريق المراجعة ووضع السياسات الجديدة لم يظهر بشكل رسمي الخطط الأمريكية القادمة، وهناك فقط آراء وافكار وتصورات للخبراء والمحللين وبعض المسؤولين السابقين حول الوضع في سوريا، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على أي تحليل صادر إلا عندما يكون هناك قرار رسمي من الادارة الأمريكية.

ويمكن فهم هذه الحقيقة من خلال إضافات روباك: بجانب «أدوات النفوذ» هذه، هناك «أدوات عرقلة»، و تشمل أولاً: «وقف أو تبطيء جهود التطبيع العربي أو الأوروبي مع دمشق. ثانياً، وقف إعمار سوريا ومساهمة دول عربية وأوروبية في ذلك قبل تحقيق الأهداف". وأيضاً، هناك «أدوات ضغط»، تشمل «الغارات الإسرائيلية للضغط على النظام والوجود التركي في شمال غربي سوريا لمنع سيطرة النظام عليها».

ولإظهار عدم معرفته وعلمه بسياسات إدارة بايدن القادمة يسأل روباك مستغرباً: هل ما فعلته تركيا بين رأس العين وتل أبيض شرق الفرات، يطرح سؤالاً: هل الوجود التركي أداة ضغط أميركية أم لا؟. ويؤكد في ذلك: 
" في ضوء تحديد هذه «الأهداف» و«الأدوات»، فإن فريق الرئيس بايدن يقوم بمراجعة السياسة للإجابة عن أمور محددة: «هل سوريا أولوية للإدارة؟ هل أهدافنا لا تزال نفسها؟ هل لدينا أدوات لتحقيق الأهداف؟ ما هي التكلفة الإنسانية للسوريين إذا حافظنا على السياسة أو غيرناها؟». يضاف إلى ذلك، ما هي المحددات القانونية في أميركا باعتبار أن «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات لا ترفع إلا بشروط معينة، صدر من الكونغرس بموافقة الحزبين، الديمقراطي والجمهوري. وزاد أنه بالنسبة إلى «أولوية الحفاظ على هزيمة داعش وتوفير الأمن شرق سوريا".

ويعطي روباك تصوره كحل في سوريا: " يمكن لأميركا أن تحققها عبر دعم «الاستمرار في الوضع الراهن» وما يسمـى بـ«الجمود الممدد»، مع الحفاظ على الوجود العسكري وهو «استثمار كبير بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن.
في ضوء ذلك، «ليست هناك عجلة في الإجابة عن الأسئلة. فريق بايدن، لديه الوقت الكافي للوصول إلى سياسة والإجابة عن الأسئلة». وإلى حين ذلك، قد تتجه الأمور إلى «الإبقاء على الوضع الراهن».

وهناك ندرك إن روباك مقتنع إن الادارة القادة ستتجه نحو دعم الادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقارطية حينما يؤكد على نقطة " يجب توفير الدعم لـ«قسد» مع إجراء بعض التغييرات مثل: أولاً، إلغاء قانون تجميد الأموال المخصصة لـ«دعم الاستقرار» شرق سوريا، التجميد الذي كان اتخذه الرئيس دونالد ترمب لعامي 2018 و2019، هذا القرار الذي أوقف صرف واشنطن حوالي 300 مليون دولار أميركي، عوضته دول عربية وخليجية بتوفير 600 مليون دولار في سنتين. ثانياً، إعادة تعريف «الاستقرار» لأن التعريف القانوني الأميركي السابق عرقل كثيراً من وسائل الدعم. مثلاً بالإمكان المساهمة بـ«ترميم مدرسة» لكن لا يمكن «بناء مدرسة». ثالثاً، «الذهاب إلى حلفائنا الدوليين والإقليميين للتشاور معهم إزاء الأسئلة قبل إعلان السياسة والتغييرات".
إذاً التغير القادم مبني على دعم الادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، على الاقل يعتقد روباك هذا من إدارة بايدن، وبالتالي إن فرص تقوية قوات سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية إحدى أفضل الخيارات التي يمكن تصوره من الاستراتيجية الأمريكية القادمة.

وخلال تطرق روباك إلى توقعاته لمستقبل الوجود الأمريكي في هذه المنطقة، كان رده واضح، وهو مجرد رأي لا يتوفر فيه أية معلومات دقيقة لما ستؤل إليه الاوضاع، ولكنه متأكد على بقاء الوجود الأمريكي في المنطقة، وإن لم تكن أبدية إلا إنه لا يعرف المدى وكيفيفة، " هذه ليست دولة. هي غير مستقرة. إنها إجراءات مؤقتة لمحاربة داعش. الوجود الأميركي مهم، كي تستمر هذه الإجراءات. لكن الترتيبات ليست دائمة دون الوجود العسكري الأميركي. لا مخاطر على وجودنا (لا انسحاب أميركيا) في الأشهر الثلاثة المقبلة والمدى المنظور، لكن لن نبقى إلى الأبد في شمال شرقي سوريا".

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!