التعامل الأمريكي القادم مع الملف السوري والأتراك والخليج العربي (أستشراف الاحداث)

آدمن الموقع
0

تحليل إستراتيجي لـ: إبراهيم كابان
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

إن تعاطي إدارة بايدن مع الوضع السوري، والتصريحات الخجولة التي يطلقها المسؤولين الأمريكيين بين فينة واخرى لا تعني بالضرورة عدم جدية الولايات المتحدة لإظهار الجانب المختلف عن سياسات الإدارة السابقة في التعامل مع هذه الأزمة، وبالتالي لايمكن فهم الهدوء الأمريكية من باب إن الإدارة الجديدة غير مهتمة بهذه القضية أو المعضلة السورية، والتي تستوجب تدخلاً أمريكياً جدياً لفرض حلحلة الأوضاع بين الأطراف السورية من جانب، وإظهار الموقف الأمريكي الجدي للتعامل مع مفرزات الاحداث، ومخلفات سياسات إدارة ترامب.
المشهد المضطرب للأزمة السورية لا تزال تحتفظ بحضور كافة القوى الضالعة فيها، ولعلَّ الاحتفاظ بالوجود العسكري الأمريكي على الأرض سيقابله بطبيعة الحال وجوداً دبلوماسياً، لأن الوضع القائم لا يمكن أن تنتهي بشكل درامي لطالما العوامل والمسببات التي دفعت إلى إستمراريتها لا تزال قائمة ولم تبدي أي تغيير أو تطور نحو الحلحلة. 
وعملياً تنقسم سوريا إلى ثلث قوة لها طابع محلي ودافع دولي أو إقليمي، والمشهد الغير مطمأن حتى اللحظة إن التشبث التركي بالهيمة على أجزاء من سوريا، تخيم على جميع المحاولات لحلحلة الأزمة، إلى جانب الحضور الإيراني الذي يشكل قلقاً إسرائيلياً من جانب، ويعطي الدافع والقوة للطرف الروسي في الاسترار بالهيمنة على الأزمة السورية بأقل الخسائر، لا سيما وإن الشركات الروسية التي تدعم سياسات موسكو للحضور الكثيف في الحدث السوري تطلب أيضاً السيطرة على ثرواتها الأحفورية، وبسيطرة  قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن وفرنسا، يتطلب من الروس بذل مزيداً من الجهود للتخفيف عن الخسائر التي يكبدونها، مقابل سيطرة تركية على المجموعات المسلحة للمعارضة السورية، وتوجيهها وفق المصالح الاستراتيجية التركية. بمعنى كل طرف دولي أو إقليمي يتشبث بعوامله الاستراتيجية في الحدث السوري، وليس من المنطق ان يتخلى أي طرف عن ما حققه من مكاسب تؤهله في السيطرة على قرار الحل والحرب في سوريا، والتنازل عنها بسهولة.   

فهم الأحداث بشكل اعمق 

لا بد أن ندرك إن المجاميع المسلحة التي تستخدمها تركيا في سوريا، لها بعدين، أولهما إن الأمريكيين يغضون النظر عنها، وكانت تدعمها من خلال تركيا في عهدة إدارة ترامب، كورقة للمساومة مع الطرف الروسي والضغط على النظام السوري، فهذه الورقة قد تكون مهمة بالنسبة لإدارة بايدن أيضاً، لا سيما إعطاء النظام التركي صبغة الوجود المدني في مناطق الاحتلال، وهو ما يعرقل أي ضغط امريكي أو أوروبي على تركيا، لا سيما الاستخدام التركي الدائم لملف اللاجئين السوريين ضد أوروبا، وإن تعرضت إدلب إلى أية مواجهات وحرب كبيرة فإن 5 مليون سوريا متواجد في هذه المناطق سينزحون عنها ويتوجهون بالتالي إلى الحدود الأوروبية. تركيا بهذه السياسة ضمنت الموقف الأوروبي في الإبقاء على ورقة اللاجئين. وهو ما يؤثر أيضاً على الموقف الأمريكي الذي لم يتحرك ساكناً خلال الفترة الماضية حيال تصرفات المجاميع المتطرفة التي تسيطر على مناطق الاحتلال التركي، ومن بينها جماعة القاعدة وبقايا الداعش وشبكة اخوان المسلمين، وهي جميعاً مطلوبة من قبل التحالف الدولي ولكنهم بنفس الوقت ولأسباب تتعلق بما ذكرنا، تغض النظر عنها، وتعطي المجال لتركيا في إستخدام هذه الورقة.
وطبعاً يلوح النظام التركي دائماً بمهمة تركيا في تحجيم التوسع الروسي لصالح حلف الناتو، والتمسك بهذه الورقة في الشمال السوري يبرز هذا التوجه، لذا نشهد مواقف خجولة لحلف الناتو اتجاه تركيا. ولم تدخل دول التحالف للجماعات الإرهابية التي تستخدمها تركيا في شمال سوريا، في قائمة الإرهاب. بالرغم إن الأمريكيين والأوروبيين يخوضون حرب وجودية ضد هذه الجماعات في أماكن أخرى؟!!. 
بالنظر إلى السياسات الأمريكية المتوقعة، والإستراتيجيات التي يتم إستكمال خطوطها على طاولة الإدارة الجديدة، فإن المتوقع منها:  
- محاولة إدارة بايدن إعادة الإتفاقيات مع إيران، ولوقف أي ضربات على الوجود الإيراني في سوريا، ولتحقيق ذلك فرضت على الجيش الأمريكي العامل في سوريا والعراق وأفغانستان، عدم القيام بتنفيذ عمليات هجومية بالطائرات المسيرة قبل العودة إلى البنتاغون وأخذ الموافقة.
- مواجهة المشاريع الروسية بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، تعني تحجيم التوسع الروسي - الصيني في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي ستكون المواجهة الأمريكية - الروسية في سوريا مبنية على فكرة تحجيم هذا الدور، وهنا يمكن أن نستشرف من الأدوات - الأليات التي سوف تستخدمها إدارة بايدن في ممارسة الضغط وتحقيق هذه الاهداف، وهذا يعني لا يمكن للأمريكيين التخلي عن وجودهم في سوريا لصالح أية قوى تحالف الروس، وهذا ما عبر عنه المسؤولين الأمريكيين مؤخراً من خلال توجيه ضربات جوية ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وأستقدام مزيداً من الجنود والأليات العسكرية إلى مناطق انتشارهم في منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. 
وبعكس ما يعتقده الكثيرون إن الإدارة الجديدة ستمارس الضغوطات والتباعد مع الدول العربية في الوقت الذي يحاول التقرب من إيران لتجديد الاتفاق النووي، أعتقد إن إدارة بايدن ستكثف نفوذها في الشرق الأوسط، ونقطة سوريا والعراق والخليج العربي ستكون ضمن المواقع الإستراتيجية التي ستعتمد عليها الإدارة الأمريكية اكثر من السابق.

شكل التعامل مع النظام التركي

لن تشهد العلاقات الأمريكية - التركية صراعاً تراجيدياً بقدر ما سوف تضغط إدارة بايدن لإجراء تعديلات ديمقراطية، ودعم المعارضة السياسية التي تتخذ سياسة التقرب من أمريكا وأوروبا مساراً إستراتيجياً، بعكس السياسات التي يمارسه نظام أردوغان في خلق التوازن للمصالح بين الروس والأمريكيين في آنٍ واحد. والمجال الذي وفره إدارة ترامب لنظام أردوغان في ممارسة البلطجة السياسية في الشرق الأوسط، لن تلقي الدعم لدى إدارة بايدن، دون إجراء تغييرات ديمقراطي في تركيا.
ويمكن تصور العلاقة الأمريكية - التركية القادمة بهذا الشكل: أولهما: إذا عادت الولايات المتحدة إلى فكرة تحجيم التوسع الروسي - الصيني، فإنها ستعود إلى تمكين العلاقة مع تركيا على الشكل الذي يجعل من تركيا ثانية " الشرطي الأمين على بوابة إيجا " وحماية أوروبا، والتوسع في آسيا، وذلك من خلال الجماعات الإسلامية التي تكونت بينها وبين النظام التركي شبكات عملية ودينية.
ثانيهما: الضغط بإتجاه دفع النظام التركي إلى إجراء الاصلاحات السياسية الداخلية، وبالتالي ستمهد الاحداث لإسقاط النظام التركي أمام المعارضة في الفترة الانتخابية القادمة، وستكون هذه المعارضة حليفة لأوروبا وأمريكا، بعكس النظام الحالي الذي يتأرجح بين التعامل مع الروس والأمريكيين على قدر المساواة، وهو ما سوف ترفضها إدارة بايدن، لأن الطبيعة التي كونها ادارة ترامب في التعامل مع تركيا على أساس عقد مناقصات الآنية، ذات فائدة شخصية، لم تعد أساساً لسياسات إدارة بايدن، وما يتضح من خلال التطورات إن المسلك الذي يتخذه جو بايدن يختلف تماماً عن سلفه، وأيضاً هناك تغيير كبير في التفكير الديمقراطيين حيال القضايا الخارجية، وهذا يعني لم نشهد نسخة لسياسات عهدة أوباما.

التوجه المنطقي

في المحصلة علينا أن ندرك تماماً طبيعة السياسات الأمريكية الخارجية ومصالحها الاستراتيجية، ولا يمكن التصور إنها سوف تتخلى عن مصالحها في الشرق الأوسط بتلك السهولة، وليس من مصلحتها ترك الساحة السورية للروس، أو خلق أزمة مع الدول الخليج العربي لدفعها إلى التقرب مع الصين، وبالتالي الروس. وكل ما سوف تقوم بها إدارة بايدن في هذه المرحلة هو تمكين المصالح الأمريكية والشركات الاستراتيجية مع المناطق والدول التي تتواجد فيها، مع ممارسة بعض الضغوطات من اجل تمكين هامش للحريات والديمقراطية في الشرق الأوسط وهذه الدول، وهو ما تتطلبه الظروف المحلية والإقليمية والدولية في توجيه دولنا الشرق الأوسطية نحو زيادة هوامش الديمقراطية والتعاطي مع الحقوق والحريات بشكل أكثر حضارية وإنسانية. بمعنى حاجة محلية قبل أن يكون مطلباً أمريكياً. 


أقرأ أيضا لـ للباحث الاستراتيجي إبراهيم كابان


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!