حول علاقة الاعلام و النفاق الإجتماعي

آدمن الموقع
0


يكتبها للجيوسترايتجي من الغرب الكاتب والباحث عبد العالي العبدلي

استطاع الاعلام رسمي و غير رسمي، مرئي و مسموع في عصرنا الحالي صناعة رأي عام تافه عبر تحويل المستحيل إلى بديهي يعلو عن ما نسميه بالعادي. خلق من الأغبياء مشاهيرا قد نجد فنان (ة) تافه (ة) يحيط بيه(ا) جمهور من التافهين ، أو سياسي تافه تحيط به مجموعة من التافهين.
تبا لعالمكم الافتراضي التافه أيها المنافقون ، إن الجميع فيه منافق يحاول إتبات جمالية ذاته ، بالرغم سواد قلب الواقع، يحاول الاعلان عن تضامنه و هو في الواقع يضع موافقه اتجاه تلك ما يتضامن معه تحث أقدامه. باستثناء القليل، كالاقلام الشريفة والعقول النيرة التي تتعامل مع هذا العالم الافتراضي كعالم واقعي ، يشارك فيه و يتفاعل كأنه جزء من هذا العالم و ليس ملجأ الترفيه و تمثيل الذات على أحسن صورة يراها الاخرين عنه. 
صح إننا منافقون ، و تافهون في هذا العالم المتعدد التوصيفات و أخيرها ووليس بالاخير، توصيف أنه عالم المنافقين. عالم أصبحت فيه الحياة الإجتماعية مثل سيناريو مسرحية مكتوبة و مخطط لها مسقبا . مسرحية عالمية ، من إنتاج الروح الرأسمالية و إخراج النظام الدولي . بمشاركة كل الدويلات في الثميل ، من توزيع و نشر وسائل الاعلام و الاتصال الشبكي.
من هنا نود الإشارة إلى الخلفية المشتركة المصممة من طرف عالم التكنولوجيا، يحاول كل واحد من أن يمثل صورة عن ذاته و هويته ، كما يحاول اشباع بعض الاحتياجاته و ميولاته الكاذبة شيء ما. حيث ما يلاحظ أن الجميع يجري وراء هذه الخلفية بدون تحميل جودة الحياة الاجتماعية و الثقافية و لا ننسى مسألة الحضور الاجتماعي. باعتباره حضور تكنولوجي يجسد انعكاسا مشتركا بين الذات المشتركة و آلية التواصل الاجتماعي بينهم.
بالتالي فإن حضور الأفراد و تمثيل ذاتهم عبر الخلفية التي يشتركها مع باقي المشاركين. يبدو كحضور الممثل على خشبة المسرح ، يلعب دور معين لا ينطبق عن واقعه المعاش حيت يقوم بتلك الدور من أجل تحسين وضعيته و إتبات ذاته مثل ما يفعلون الأفراد الان وراء الخلفية الزرقاء التي تكشف النفاق الاجتماعي الذي يسبح فيه الكل طيلة اليوم.
كما هو معلوم أن النفاق هو شعور و إحساس فردي يستمد قوته من الجماعة التي ينتمي إليها الفرد. كما هو ظاهرة إجتماعية تتميز بكل مميزات و الصفات التي تمتاز بها الظواهر الأخرى. في هذا الصدد نستحضر قول الشاعر أحمد مطر في إحدى قصائده الشعرية الذي يقول فيه بالحرف " نافق و نافق تم نافق تم نافق لا يسلم الجسد النحيل من الأدى إلا أن تنافق...هذا ما قاله خائف متسلق أما أن لا أنافق ولو وضع في كفي المغاربة و المشارق...
ففي عصرنا هذا ، عصر الصورة ، عصر الأصابيع ، صار كل نشاط إنساني في هذا الفضاء العام بتعبير كارل بوبر، سياسة أو إعلام ، تعليم او تربية ، تجارة أو ثقافة ،...إلخ أقرب للعبة يشارك فيها الجميع بوعي أو بدون وعي، لكن هي لعبة تحمل خسارة المجتمعات المستهلكة و ربح المجتمعات المنتجة و المخططة لهذه اللعبة التي تشكل الحياة في زمننا.
بالتالي، حتى اللغة التي يستخدمها النظام الاجتماعي التافه في هذا العصر ، هي لغة خشبية فارغة من المحتوى ، وتكرار ألفاظ بعينها ، وقولبت وقائع إجتماعية وممارسات يومية في برمجيات و تطبيقات تكنولوجيا. مثل قوالب صانع طوب البناء المعماري. بعبارة أخرى هي لغة جوفاء صالحة لكل زمان و مكان و هذا لا يمكن من وجهة العلم و منطق قوانين الطبيعة و الحياة الإجتماعية.
هذا ما يتنين و يلاحظ في مجموعة من المنشورات و الاعلانات والرسائل المتداولة بشكل يومي على صفحات التواصل الاجتماعي و كل وسائل الاعلام و الاتصال مرئية كانت أو سمعية. و اللغة الرابطة القريبة لما قصده الكاتب الجزائري مالك بن نبي عندما قال "لكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة ، فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح و التشدق بها، لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل، فكلامهم في هذا ليس إلا ضربا في الكلام ، مجردٌ من أي طاقة إجتماعية، أو قوة أخلاقية على الرغم من أن هذه القوي هي الفصيل الوحيد بين المواقف الفعالة و الأخلاق المادية" (نظام التفاهة ، آلان دونو ، سنة 2020).

هكذا تكمن الإجابة عن السؤال المطروح و لو بشكل جزئي، حيث أن البحث في ظاهرة النفاق الإجتماعي و ما تخلفه من قهر و ألم على الأفراد باللغة الدوركايمية. يجعلنا تتبُع الظاهرة عبر مراحل تطور التفكير الانساني ، و العوامل التي ساهمت في ولادتها و تطورها حتى لعصرنا هذا. العصر الذي حلت فيه عدم الثقة محل الثقة ، و الكذب محل الصدق ،...بشكل غير مسبوق في تاريخ الانسان.
فهذا تطلب بحث كامل بكل متطلبات البحث العلمي باستراتيجياته المحكمة حتى لا نقع في الحكم المسبق الذي ينبهنا به المنهج العلمي على استبعاده حتى تتحقق الموضوعية العلمية. أما محولتي هذه إلا رد بسيط على ما نحياه و نراه على رأس كل ثانية في عالمنا الجديد، الذي تصوره غيدنز أنه عالم المنفلت.
حيث أنه عالم يتسم بفجوة واسعة بين ما هو كائن و ما يجب أن يكون ، تبقى فيه الحياة بدون معنى واقعي . حتى قيمة الإنسان أصبحت تقاس بمؤشرات رقمية مثلا فرد ينشر صورة معينة مرفوقة بمقولة مشهورة لعالم أو مفكر و ينسبها لنفسه لكي تأخد رواج كبيرا في مستوى نسبة الإعجابات و التعليقات. 
في المقابل نجد منشورات و مقالات علمية ترجع بالإستفادة للمستبحرين في هذا العالم الأزرق ضعيفة الظهور بسبب سطيرة الصورة الراجع لبعض مبادئ السياسة الخصوصية لتلك الوسائل التواصلية من جهة و تشجيع الصورة عن الحرف من جهة ثانية.
هل هذا ليس بنفاق إجتماعي؟ عندما نفضل الصورة الخيالية عن الواقع، و نصف أنفسنا بالأمراء (ة) ونحن مجرد عبيد في الواقع...إلى غير ذلك من التناقضات الداخلية التي نعيشها في وسط العالم الافتراضي.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!