تعطيل السمفونية الكردستانية، والنشاذ يتصدر المشهد السياسي، فهل من نور آخر النفق؟

آدمن الموقع
0
هيئة تحرير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

قد يستغرب البعض ممن يتأملون إنهاء المناكفات القائمة بين المحورين الكردستانيين " الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني " في عدة مواقع إستراتيجية تخص المجتمع الكردي على المستوى الشعبي ووحدة الصف والتكاتف المطلوب لتقوية النضال الثوري  في الأجزاء الأربعة من كردستان.
حلقات كثيرة من المسلسل الكردي الذي لا يتوقف طيلة العقدين، والردائة في قراءة الواقع الكردي يتصدر المشهد لدى المحورين الكبيرين، وكلما تخفض الأصوات المنادية بالمواجهة وتعميق النزاعات البينية، ترفع أخرى وتتوسع أكثر لتعلن عن حرب البسوس الكردية التي دفع ثمنها الشعب - الكثير من قوته وجهده ووقته، في الوقت الذي يتطلب التحولات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط تفاهماً كردياً ينصب لبناء مؤتمر وطني شامل - وأمن قومي كردستاني، وهو ما ينتظره الجميع بفارغ الصبر بعيداً عن المعتكر الحزبي الضيق الذي يوضع على الطاولة قبل المصالح الإستراتيجية للقضية الكردية. 
مواقع كثيرة تطلب التكاتف الكردي، وقد تحقق الكثير منه خلال أحداث شنكال وكوباني، والتبادل العسكري الكردستاني الذي بشر بمرحلة جديدة، تبخر بعد خمسة سنوات فقط، وقد يكون من حسن حظ الكرد وجود قوة إرهابية مثل داعش هدد وجودهم ودفعهم إلى الإلتفاف حول بعضهم، وبسط لهم " الطريق الحرير" في كسر الحدود المصطنعة بين أجزاء كردستان. إلا أن النتائج الناجمة عن التطورات الميدانية في المنطقة، والتلاعب التركي - الإيراني المشترك في زيادة وتيرة الإشكاليات بين القوى الكردستانية، تسبب ذلك في إبعاد هذه القوى عن "مائدة الوحدة الوطنية" التي ينبغي لها أن تلتف حولها، وتبحث عن مصالح الشعب، وفق مبدأ إن الأحزاب  أنوجدت لتكون جسراً متيناً من أجل بلوغ الشعب لأهدافه المشروعة، إلى جانب وضع إستراتيجية مستقبلية لتطوير العلاقات الكردستانية، وبذلك تكسب هذه الحركة ثقة الشارع المتشوق للحرية.
سمفونية التكاتف الكردستاني
لم يكن يتصور أحد أن ينزل مقاتلي الكريلا من الجبال الكردية المحررة في الحدود ما بين تركيا - العراق - إيران، للدفاع عن العاصمة " هولير "، أو التدخل السريع في إنقاذ الكرد الإيزيديين في شنكال بعد غزو " الداعش " على إقليم كردستان. ومقابل ذلك قطع مقاتلي البيشمركة ألفي كيلو متر للتوجه إلى مدينة كوباني والإنضمام إلى وحدات حماية الشعب في مواجهة غزو الداعش. 
في كلا الموقعتين أستطاعت القوات الكردستانية من كسر حاجز الخلافات السياسية، وتجاوزت المصالح الضيقة، وأصبحت سمفونية كردستانية تغنى بها الشعب، ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟، عاد العناد الكردي إلى الإستيقاظ مجدداً، ودب الخلافات داخل البيت الكردي حينما تصدرت المصالح الآنية والأهداف الحزبية الضيقة على المشهد، وعادت الألاعيب التركية - الإيرانية إلى سطح مع المياه الراكدة، لتتحول معها الخطابات الحزبية إلى بث السموم، حيث صعد الجهال المنابر، وتحركت التيارات الهورباكية داخل البيت الكردي، لا سيما في طيات الاحزاب السياسية، وأنطلقت المعارك الإعلامية التي تدار من قبل مأجورين تدفع لهم الدوائر المعادية الكثير من المال لتعكير صفوة الشارع الكردي من خلال كب الزيت على النار الحزبية المشتعلة.
العودة إلى المربع الأول
كل طرف عاد بجنوده وعتاده وذهنيته إلى مرتعه الأول، لتصبح إقليمنا الكردستاني مركزاً لعمليات النظام التركي في الوقت الذي أحتلت فيها جيشها ومرتزقتها من السوريين مدينتي عفرين وسري كانيه والمناطق الكردية الشاسعة في شمال سوريا، وتشبث حزب العمال بالتواجد في شنكال، بينما درب ودعم حزب الديمقراطي الكردستاني مجموعات كردية سورية مسلحة مقابل مجموعات سياسية أصبحت روافد تتبع للإئتلاف السوري الذي ركب ظهر الدبابات التركية وأحتلت المدن الكردية في سوريا.. 
وكإنه لم تجري كل هذه التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، دون أن تستفيد الحركة السياسية الكردستانية من كل هذه التحولات التي أنصبت لصالحهم بالدرجة الأولى، ونتائجه المثمر تعميق العلاقات الكردستانية مع المجتمع الدولي والقوى الفاعلة، وأوصلت المظلومية الكردية إلى قبة الأمم المتحدة، وفي متناول الدول البرلمانات العالمية، ومكنتهم من تطوير الوضع الكردي ليس فقط في سوريا وإنما في العراق وكافة المنطقة، لتصبح القضية الكردية والبطولات التي قامت بها القوات الكردية في المنطقة سمفونية دولية تتغنى بها الشعوب والحكومات ..
النتيجة الرديئة
تعمل الحركة السياسية الكردستانية على إجهاض مكتسباتها في العراق وسوريا، وفقدان كركوك وخانقين وعفرين وسري كانيه، مثال حقيقي على إخفاق جديد .. وتراجع كبير وخطير، والسبب بالدرجة الأولى  يكمن في" عودة الصراعات البينية "، الفشل في بناء جسم كردستاني موحدـ وعدم الإتفاق على وضع إستراتيجية واضحة لخدمة القضية. وعلى الإعلام تقود هذه الحركة حرباً ضروساً، كلاً يلقي اللوم على الآخر، وتعتمد في حوارها ولقاءاتها لتجاوز الإشكاليات على الرواية التركية - الإيرانية، بحيث لم تعد تستطيع تجاوز مصالح هذين المحورين، وتكاد تتوزع هذه الحركة الكردستانية على المحورين الإقليميين " الإيراني - التركي "، في الوقت الذي يتفق الدولتين إستخباراتياً على محاربة الكرد، وزيادة الإشكاليات داخل البيت الكردي. 
في الواقع تزداد الخلافات الكردية - الكردية، ومستوى الإشكاليات أزداد كثيراً عما كان عليه قبل سنة، دون وجود مخرج حقيقي للأزمة، وكلاً يركب عناده دون النظر إلى الخلف وحجم الكوراث التي تسبب في إنتاجه.
بلوغ النفق
دأبت الحركة السياسية الكردستانية على وضع العربة أمام الحصان، وتسبب ذلك في إخلال بالتوازن والفهم الحقيقي لتوجيه دفة العمل والنتائج. حتى وقت قريب ساهمت الظروف الدولية والإقليمية أن تمنحهم " كرت بلانس " في تجاوز المحنة الكبرى، والعلاقات المباشرة، والدعم المالي والعسكري. وكل ما يحتاجونه اليوم هو العمل المشترك، والتفاهم على خط سير إقتصادي وسياسي بعيداً عن التناحرات، وإنهاء الهواجس والمسببات التي تساهم في وضع البيض الكردي في سلة الأتراك. وضرورة التوجه نحو بناء الشخصية الكردية المستقلة بعيداً عن النظر إلى الحالة الكردية من عيون النظام التركي.
المصالح الاقتصادية بطبيعتها تساهم في بناء علاقات سياسية وثيقة، والثروة النفطية كفيلة ببناء هذه المصالح، والجزئين الكرديين يتوفر لديهما العوامل التجارية والثروات والخامات البشرية الغنية، وهذه العوامل كفيلة بإعادة قطار الحركة السياسية الكردستانية إلى سكتها الصحيحة، ولكن شريطة أن يتوقف كل طرف عند هذا الحد، وتعطى دفة الحوار للوطنيين ووجهاء المجتمع.

16 ديسمبر 2021

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!