التحولات الجيوسياسية في سوريا، التهديدات التركية وخياراتها، النظام السوري، عودة القوى الغربية والنفوذ الروسية

آدمن الموقع
0
خاص: هيئة تحرير الجيوستراتيجي للدراسات

مسارات اللعبة الجديدة
الحرب الأوكرانية غيرت قواعد اللعبة بين القوى الغربية وروسيا، وبالتالي التضييق على المصالح الروسية ومنع أي تمدد لها في الشرق الأوسط باتت الاستراتيجية الواضحة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. 
المساحة التي كانت تعطى لروسيا في لعب دور مركزي بالازمة السورية لم تعد كما كانت، لأن عملية التضييق على روسيا في سوريا عادت إلى الواجهة ثانية، وإن القوى الغربية لن تتخلى عن نفوذها في الشرق الأوسط عرضة للتمدد الروسي. وبالتالي سينعكس ذلك بشكل واضح على سيرورة الأزمة السورية، وعودة قوية للنفوذ الأمريكي الأوروبي في الأزمة السورية، ودفع المشهد نحو التضييق على حلفاء الروس، بما فيها دعم المعارضة التي تثق بها قوات التحالف، وعلى رأس القائمة قوات سوريا الديمقراطية.
نحن أمام مشهد جيوسياسي يتطور بشكل ملحوظ في التحركات العسكرية الأمريكية داخل مناطق نفوذها بسوريا، وقد تشهد عودة عسكرية لمناطق كانت قد انسحبت منها سابقاً، بما فيها المناطق الوسطى من الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. وقد يكون المسار التقاربات بين المجموعات المعارضة السورية بغية تشكيل ضغط أكثر على النظام السوري، أي بمعنى تحويل الساحة السورية إلى عملية تقليص النفوذ الروسية. 
مقابل ذلك تملك روسيا بعض نفوذ سواءً في علاقاتها مع تركيا أو التنسيق مع الميليشيات الإيرانية، لمنع أي تطور في ساحة المعارضة السورية وكذلك تشكيل تهديد مستمر للوجود الأمريكي في سوريا والعراق. 
هنا سنشهد الأتراك في مسار مسك العصا من المنتصف، إذ أن المجموعات المعارضة السورية المرتبطة بالمصالح التركية لن تستطيع التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في التضييق على النظام السوري، لأن الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع الروس والإيرانيين والنظام السوري يفرض عليها الاستمرار في مسار أسيتانا وسوتشي. والتخلي عن هذا المسار يتطلب إستجابة غربية للمطالب التركية، وهذا غير ممكن لأن الحليف الإستراتيجي العسكري للقوات الغربية في سوريا هي قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي المطلب التركي هنا غير قابل للتحقيق.
وبالتالي نحن أمام فصل جديد من المفرزات الآزمة السورية وتحولات درماتيكية، وقد نشهد مواجهات عنيفة بين الاطراف السورية بدافع االقوى الدولية، أو مصالحة تفرض بالقوة على أن تضمن المصالح الامريكية والروسية معاً .

هل العملية التركية الجديدة على المنطقة الكردية في سوريا قابلة للتنفيذ؟

من الواضح إنه لن يكون سهلاً على تركيا تنفيذ غزو جديد لمنطقة الادارة الذاتية على غرار عملياتها السابقة التي أحتلت بموجبها 65% من خريطة المنطقة الكردية في سوريا، لأن ظروف التحضير لمثل هذه العمليات يتطلب توافقاً دولياً لا سيما الدول الضالعة في الأزمة السورية. لذا لا تقتصر على العواعمل الداخلية التركية فقط كما يتخيله البعض، وإنما في ظل الظروف الدولية الراهنة والمخاضات الناجمة عن جائحة كورونا ونتائج الحرب الأوكرانية التي غيرت الكثير من العلاقات الدولية والإقتصادية، ودخول القوى الغربية بشكل مباشر في مواجهات مفتوحة على المستوى السياسي والإقتصادي وإلى درجة ما المواجهات العسكرية، أنتجت بطبيعتها متغيرات كثيرة على الساحة الدولية وفي الشرق الأوسط بالتحديد، بحكم إن الملف السوري لم يعد يتكل بفعل القوة الغربية إلى الوجود الروسي وإنما تغيرت المسارات وأصبحت القوى الغربية تعيد نفوذها بشكل واسع إلى المنطقة لمنع الروس من التمدد في الشرق الأوسط. 

التوقيت التركي

يراقب النظام التركي جميع التحولات الدرماتيكية من حولها، لا سيما التقارب الغربي الجديد مع الادارة الذاتية كجزء من تقوية النفوذ حلف الناتو بوجه التوسع الروسي في سوريا، إلى جانب عملية توسع المحور المناوئ للسياسات التركية داخل حلف الناتو، بمعنى الظروف داخل الحلف لن تنصب في خانة الصالح التركية المستقبلية، لا سيما وإن السويد وفنلندا موقفهما حازم أكثر من فرنسا إتجاه الأطماع التركية في سوريا، وبالتالي جميع المتغيرات الناتجة عن الازمة الأوكرانية ليست لصالح النظام التركي على المستوى الأمني والإقتصادي. 
فالخيار التركي حتى اللحظة وبالرغم من الإصطفافات الدولية بين القوى الغربية والروس، لم يحدد، والنظام التركي الذي دخل في عملية الصفقات الخاصة مع النظام التركي ساهم ببناء أحجية سياسية وعسكرية ليس من السهل فك أرتباطها مع الروس، وهذا يعني لن يكون الموقف التركي شبيهاً للسياسات الغربية إتجاه روسيا، لأن الأخذ بموقف جدي ضد روسيا سينجم بطبيعته عن دعم روسي للكرد في سوريا، وهذا ما تخشاه تركيا بكل صراحة.
لذا سيتأرجح الموقف التركي بين الإبقاء على المصالح مع روسيا وبنفس المستوى مع القوى الغربية، والضغط بإتجاه عرقلة إنضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو دون أن تحصل على تهدأة الضغوطات الغربية إتجهاهها في ملف محارة الكرد في سوريا. 

واقع النظام السوري

بالنسبة للنظام السوري رغم محاولات إعادته عربياً وكذلك تأهيله روسياً وإيرانياً، إلا أنه محصور ضمن سياق المصالح الروسية الإيرانية المشتركة، لا يمكن له التفاوض مع الكرد والإدارة الذاتية لأن ذلك بحاجة لقرار روسي، والروس في اتفاق مع الاتراك وبالتالي لا يمكن تحقيق أي توافق كردي - النظام السوري، وهذا يعني إن عدم رضوخ النظام للمفاوضات الحقيقية وحلحلة الاشكاليات مع الادارة الذاتية سببه روسيا وليس النظام السوري كما يعتقد البعض.
مشروع الإدارة الذاتية في الواقع هو عملية تفكيك الديكتاتورية في سوريا، لذا يشدد النظام السوري على إمكانية التفاوض مع الكرد فقط ومنحهم بعض الحقوق الممكنة ضمن السياق المحدد، ورفض أي تفاوض مع الادارة الذاتية، والإدارة الذاتية لا تقبل أي تفاوض مع النظام السوري على الوضع الكردي وإنما تركز حول قضية تنفيذ مشروع الادارة في كافة سوريا. لذا سنشهد خلال المرحلة القادمة استمراراً لعملية التأرجح بين الحوارات المستمرة دون نتائج عملية وحقيقية، وقد نشهد بعض التفاهمات العسكرية وزيادة عناصر جيش النظام السوري في بعض المناطق الكردية إلا أن ذلك سيكون وقتياً ووفق مصالح محددة وفي مناطق معينة.

معادلة صعبة (يبقى الوضع على ما هو عليه)

جميع التحولات الجيوسياسية تنذر بإستمرارية الوضع السوري دون إجراء أي تطور يذكر، وستظل تركيا تهدد كل فترة في تنفيذ الغزوات ضد الكرد، مقابل إستمرار المفاوضات بين الادارة الذاتية والنظام وتفاهمات قصيرة المدى وفي مواقع محددة تتعلق بالامورة العسكرية فقط. ولن يكون هناك إتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات المسلحة السورية التي تحتل المنطقة الكردية، لأن المفاوضات يجب ان تكون بين الكرد وتركيا، بمعنى اخر بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام التركي، لأن المجموعات المسلحة السورية التابعة للاحتلال التركي هي مجرد أدوات تنفيذية بيد الاستخبارات التركية.
بالنسبة للوجود الأمريكي في سوريا لن يتراجع، بل هو مرشح للازدياد، وهذا لا يتعلق بالكرد أو الادارة الذاتية وإنما نتاج طبيعي لما آلت إليه الازمة الأوكرانية الروسية، ولزوم التضييق على المصالح الروسية الشرق الأوسط.
مسار إنضمام السويد وفنلندنا ومصير الفيتو التركي، سيتم حلها ضمن سياقات اقتصادية وليست سياسية، ستضمن السويد وفنلندا بعض المخاوف التركي، وستفتح المجال لها في التجوال الإقتصادي، سيدفع أوروبا بعض الاموال مجدداً لتركيا ضمن سياقات الللاجئين أو قضايا اخرى.

29.05.2022

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!