ماهيّة الحزب السياسي تنظيميّاً وسياسيّاً

Site management
0
أليمار لاذقاني/ بحث خاص لجيوستراتيجي 
تتفرد المنطقة العربيّة ومعها الكثير من دول العالم الثالث بخاصيّة مثيرة للدهشة، وربما تكون في حال من الأحوال خاصيّة "كوميديّة"، فالحزب الشمولي ظهر في العالم بعد وصول حزب ديمقراطي للسلطة، ومن ثم تحوّل لحزب شمولي، أو تحوّل بقرار أعضائه لحزب القائد الأوحد بهدف الوصول للسلطة، في منطقتنا نرى الأحزاب التي تنشأ على أساس شمولي وتحت قيادات ثابتة وراسخة كقلاع تتحدى الزمن والتغيير، وتبقى كأحزاب موالية ومعارضة بعيدة عن السلطة وكأنّ السلطة الحزبيّة على حفنة من الرفاق تغنيهم عن سلطة الدولة، وتغنيهم عن مهام التغيير.
ربما تكون الديمقراطيّة نقطة ضعف المؤسسة/ القانون، وربما العكس، وقد لا نستطيع تحقيق مفهوم الحزب السياسي في دول العالم الثالث قبل تحقيق المؤسسة.

سنتسعرض في هذا البحث ماهيّة الحزب السياسي نظريّاً ودوره ووظيفته في المجتمع، لنصل لرؤية أوسع تساعدنا للنهوض بتنظيماتنا السياسيّة.

أولاً : نشأة الأحزاب السياسيّة.

جاء تشكّل البنيات الأوليّة للأحزاب إثر ظهور اللجان الانتخابيّة إبّان توسيع عدد الناخبين أو من يحق لهم التصويت في أوربا، وفي الولايات المتحدّة الأميركيّة في فترات أقدم حيث بدأت الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكيّة شعبيّة تعتمد مبدأ النسبيّة العامة لتحديد منصب الرئيس، والأمر الذي جعل من هذا المنصب في غاية الأهميّة إقرار الرئيس الأمريكي جاكسون نظام المغانم،/ عام 1834/ [1 ] إذ يعيّن الرئيس جميع وظائف الدولة، ما جعل عمل هذه اللجان مفصليّاً في الحياة السياسيّة الأمريكيّة، أما في أوربا فقد شكّلت اللجان الانتخابيّة صلة الوصل بين المقترعين الذين زاد عددهم إثر الثورة الفرنسيّة والتعديلات الدستوريّة البريطانيّة والموجة "الديمقراطيّة" التي اجتاحت أوربا نهاية القرن التاسع عشر.

ما أدّى لظهور لجان انتخابيّة حيث تطوّرت هذه الأخيرة لتصبح أحزاباً ليبراليّة، والحزب الليبرالي هو الشكل الأول لما يدعى اصطلاحاً الحزب خارجي المنشأ، لتمييزه عن أشكال الأحزاب التي سبقته زمنيّاً وانتهت بظهور أولى الأحزاب داخليّة المنشأ التي تتألف من الكتل البرلمانيّة [2]، أو ما يصطلح عليه الباحثون والمفكرون الأحزاب داخليّة المنشأ حيث لم تكن سوى تكتلات لمجموعات برلمانيين وأعيان من طبقات الذوات والنبلاء، ومع تطوّر عمل اللجان الانتخابيّة وتشكيلها لمقرّات عمل دائمة تمثل الحزب البرلماني، بدأت تظهر بعض النوادي والتجمّعات الكنسيّة والدينيّة والتي بدأت بالدعوات لإقامة أحزاب على أساس عقائدي، حيث شكّل العام 1900 نقطة انطلاق الأحزاب العقائديّة، ومنها الأحزاب المسيحيّة والأحزاب الشيوعيّة والحزب الماسوني في بلجكا [3].

انتقل إلى منطقتنا العربيّة نوعين من الأحزاب العقائديّة وهي الأحزاب الشيوعيّة والأحزاب الدينيّة، حيث شكّلت قاعدة نظريّة لظهور الأحزاب القوميّة والأحزاب الوطنيّة والأحزاب العلمانيّة والمحافظة، في منطقة لا تعيش فيها أنظمة ديمقراطيّة كانت الأحزاب وسائل لدى السلطة القمعيّة للسيطرة والبقاء بينما جاءت ولادة معظم الأحزاب أوروبا لتعزيز الديمقراطيّة الناشئة، باستثناء الأحزاب الفاشيّة والتجربة الستالينيّة [4 ] التي انقلبت على النظريّة الماركسيّة، حيث اقتدت معظم الأحزاب الحاكمة في المنطقة العربيّة بهذين النوعين القمعيين، مرتدية إحدى الأثواب العقائديّة السابقة.

فنشأة الأحزاب ارتبطت بشكل وثيق مع التوجه نحو الديمقراطيّة، وقامت الأحزاب كانعكاس منطقي لازدياد مشاركة الشعب في الحكم، وللتعبير عن مصالح شرائح من المجتمع وتنظيم جهودهم للوصل للسلطة، فالحزب كما يقول ماكس فيبر[5] بنية ديمقراطيّة المنشأ، لكنّها لم تكن دائماً في خدمة الديمقراطيّة، إذ تحوّلت في الأمثلة الديكتاتوريّة [6 ] والفاشيّة لأدوات لقمع المجتمع وهذا ما أُطلق عليه بيروقراطيّة الحزب، التي تحوّل الحزب من أداة مجتمعيّة للتنمية السياسيّة والازدهار الديمقراطيّ، لقوّة تضطهد الشعب وتلغي مظاهر الديمقراطيّة والحريّات، ومن الضروري التأكيد على النشأة "الديمقراطيّة للحزب"، كديمقراطيّة ناقصة بدون ضمانات جعلت الحزب يتحول لشكله الفاشي أو الديكتاتوري، ففي المثال الشيوعي نجد الصراع الذي قام بين المناشفة والبلاشفة والذي أنهاه لينين على حساب الديمقراطيّة [7]، واستكمل ستالين الإجهاز على ماتبقى من أشكال الديمقراطيّة في الحزب الشيوعي، أما الحزب النازي والحزب الفاشي في إيطاليا فهما مثالان واضحان عن أحزاب القائد الأوحد وعلى غياب كل أشكال الديمقراطيّة، إلّا أننا إذا تمعنّا قليلاً في نشأة الحزب النازي سنجد انّه في الفترة مابين 1917 و1921 وهي الفترة التي عاد فيها هتلر للحزب وبسط سيطرته الكاملة عليه في نهايتها، سنجد أن الحزب النازي كان يعتمد مبادئ "ديمقراطيّة" في القيادة منها انتخاب القاعدة والمؤتمرات العامة للحزب والنقاشات السياسيّة التي تعالج القضايا الساخنة على مستوى ألمانيا آنذاك [8]، إلى أن استطاع هتلر الانقلاب على كل هذه السلوكيّات ذات التوجه الديمقراطي، ليوقع أعضاء حزبه في فخ "القائد الأوحد"، ليصبح القائد الأبدي للحزب ومن ثم "ملهم" ألمانيا، أما الحزب الفاشي الإيطالي، فقد شهد بدايات مشابهة للحزب النازي حيث كانت هناك توجهات ديمقراطيّة للحزب استطاع موسيليني الانقضاض عليها والسيطرة الكاملة على الحزب ومن ثم إيطاليا، واللافت في التجربتين النازيّة والفاشيّة هو وضوح النزعة الشموليّة وقوننتها حزبيّاً، بعكس الكثير من الأحزاب الشموليّة التي تدّعي الديمقراطيّة والتي نطلق عليها صفة البيروقراطيّة، إلّا أن هذا الوضوح، وهذا الخيار الجماعي الذي اتخذته هذه الأحزاب الشموليّة، أدّى لنتائج كارثيّة وموت هذه الأحزاب، ولسنا هنا لمناقشة الأحزاب التي تقرر اتباع قائد ما بشكل مباشر وواضح، حيث اختفت هذه الظاهرة مع نهاية الحرب العالميّة الثانيّة، واعتمدت جميع كرّاسات الأحزاب مبدأ الديمقراطيّة الحزبيّة على الأقل بالشكل النظري.

ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة ضمان ديمقراطيّة الحزب، ومراقبتها ، والتشكيك بأي فعل قد يضر بديمقراطيّة الحزب أو أي حالة قد تربطه بشخص ليختزل الحزب بهذا الشخص، وبالتالي يفقد الحزب أهم خصائصه التنظيميّة بتفعيل طاقات الأعضاء كلّها باتجاه تحقيق أهداف الحزب، فديمقراطيّة الحزب وبيروقراطيته مؤشران حيّوان متضادان ومتنافران، يحددان دور الحزب هل يخدم الشعب (ديمقراطي) أم يخدم سلطة قمعيّة تضطهد الشعب (بيروقراطي).

ثانيا: تعريف الحزب السياسي

تمحورت معظم تعريفات الحزب السياسي حول اجتماع عدد من الاشخاص حول عقيدة معينة وتنظيم أنفسهم بهدف الوصول للسلطة، تنطوي هذه العقيدة على رؤية شاملة للدولة وتنظيم المجتمع وشكل العلاقات بين الأفراد وبين الدول، أو تلك التعريفات التي تناولت الاحزاب قبل القرن العشرين والتي تصوّر شكل التكتل البرلماني الذي أدى لظهور الحزب وأهدافه، كما تطرقت بعض التعريفات لأدوار إضافية للحزب كالمشاركة في السلطة أو المساهمة في بناء الدولة والمجتمع، أو العمل على تعزيز الديمقراطية في بلد ما.

ومن جملة التعريفات سنورد ثلاث تعريفات لمفكرين نعتبرها كافية لإلقاء نظرة كافية حول مسألة تعريف الحزب حيث يعرّف جورج بيردو الحزب على الشكل التالي[9] : هو كل تجمع من الأشخاص الذين يؤمنون ببعض الأفكار السياسية و يعملون على انتصارها و تحقيقها و ذلك بجمع اكبر عدد ممكن من المواطنين حولها و السعي للوصول إلى السلطة، و على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة. أمّا هارولد لاسويل فيعرّف الحزب: " الحزب هو " تنظيم يقدم مرشحيه باسمه في الإنتخابات " وهنا نلاحظ أنّه يقدّم هذا التعريف بناءً على شكل الحزب (الحزب الليبرالي) في الولايات المتّحدة ودوره في ظلّ الانتخابات الرئاسيّة منذ وضع الدستور الأمريكي.

ويعرَّف الحزب الشيوعي بأنه: "طليعة الطبقات الكادحة التي تسعى إلى تصفية الاستغلال بشتى أشكاله وصوره بهدف الوصل إلى حكم ديكتاتورية البروليتاريا" [10 ].

ثالثاً: الهيكل التنظيمي للحزب

تلعب البنية التنظيميّة للحزب دوراً أساسيّاً في تنظيم جهد الحزب وتحقيق أهدافه، فمن حيث نوع البنى الحزبيّة نجد أنّ الأحزاب في المنطقة العربيّة تعتمد البنية المباشرة، أي الحزب المكوّن من الأعضاء المنتسبين[11 ]، على الأقل في الوقت الحالي وسنحتاج لدراسة تاريخيّة معمّقة حول أحزاب سوريا في ثلاثينيّات وأربعينيّات القرن المنصرم، أو الفترات التي سبقتها لتحديد ما إذا كانت قد انبثقت أحزاب غير مباشرة، أي تلك التي تتألف من نقابات وجمعيّات ونوادي تأتلف مع بعضها لتشكّل حزباً سياسيّاً، وفي البنية المباشرة تبدو هيكليّة الحزب خطيرة جدّاً فهي التي ستضمن الحقوق الفرديّة للمنتسب الحزبي، وهي التي ستراقب عن كثب النشاطات الحزبيّة وفعالياتها وأداء المنسبين، كما أنّ لها دوراً أساسيّاً في ضبط التمثيل الحزبي، وعكس رغبات الأعضاء المنتسبين الذين يشكّلون القاعدة الحزبيّة على القيادة الحزبيّة، وبالتالي مستوى ديمقراطيّة الحزب ومستوى فعاليّة الحزب في الحياة السياسيّة للبلاد.

ومن القاعدة وصولاً للقيادة هناك عدّة عتبات، تبدأ بالمجموعات الصغيرة التي يشكّلها الأعضاء، والتي أطلق عليها الشيوعيّون الخلايا، وهي سائدة في الأحزاب السوريّة الشيوعيّة واليساريّة والاشتراكيّة وباقي الأحزاب البعيدة عقائديّاً عن الشيوعيّة، وتضمن الخليّة التنظيم الكامل لأعضاء الحزب، وديمومة التفاعل الحزبي حتى في الأوقات التي لا تكون في البلاد انتخابات أو أحداث كبرى، ويمكن للخليّة أن تتشكل في القرى البعيدة وفي المعامل والورش، وترتبط كل مجموعة خلايا، بهيكل تنظيمي أعلى على مستوى مدينة أو محافظة، وترتبط هذه الهياكل مع القيادة بشكل مباشر، وهذه التراتبيّة الهرميّة هي تقليد لمنظومة الدولة، وطريقتها في إدارة البلاد.
ومن اهم صفاتها هي القدرة العالية على التنظيم الجماهيري الواسع، وعلى ترسيخ الايدلوجيا الحزبيّة بين الأعضاء، وتحويل القاعدة باتجاه مواقف سياسيّة مدروسة من قبل القيادة، الأمر الذي يجعل تأثير القيادة على قاعدتها قوي جدّاً، ما يجعل من القيادة الحزبيّة عاملاً أساسيّاً في توجيه الحزب لتحقيق أهدافه، وترهن الحزب لطبيعة هذه القيادة أو للشخصيّات القائدة، ما يؤدي لارتفاع مخاطر البيروقراطيّة الحزبيّة، والتفرّد في قيادة هذه الأحزاب[12].
ومن أهم الأمثلة العالميّة على هذه الظاهرة هي التجربة الستالينيّة فبالرغم من القواعد التي وضعها الشيوعيّون لضمان ديمقراطيّة الحزب الشيوعي، استطاع ستالين التفرّد بالسلطة وسحق معارضيّه بعد الحرب العالميّة الثانيّة.
لذا كان من الضروري انتخاب القيادات الحزبيّة بشكل مباشر من القاعدة, في ظل ظروف "ديمقراطيّة" كالحريّة السياسيّة في البلاد بشكل عام وحريّة التعبير وتنظيم آليات الانتخاب ومراقبتها من قبل لجان مستقلّة وبعيدة عن القيادات، وضمان حقوق الأقليّات الحزبيّة في التعبير عن رأيها داخل الحزب، ومشاركتها في مراقبة الانتخابات الحزبيّة، إذ إنّ أي إخلال بالعوامل الديمقراطيّة سيعرّض ديمقراطيّة الحزب لخطر شديد، قد يتحوّل إثرها لحزب الفرد أو حزب العائلة، ويختصر الحزب بشخص الفرد، ليميل الحزب بأكمله نحو هاوية البيروقراطيّة التي تدعم بيروقراطيّة الدولة.

رابعاً: أنواع الأحزاب وظيفيّاً

نشأت الأحزاب تلبية لمطالب سياسيّة فرضها التطور الطبيعي لأنظمة الحكم، فقد شكّلت أطراً واسعة للتعبير السياسي وللاقتراب أكثر من تمثيل الشعوب وتحقيق مطالبها، عبر وصول أحزابها للسلطة والشروع بتنفيذ برامجها السياسيّة التي انتخبت على إثرها، كما شكّلت الأحزاب مضماراً هاماً للحركات الفلسفيّة والتنويريّة، حيث بدأت تظهر في بداية القرن العشرين الأحزاب العقائديّة التي انطلقت من رؤية مغايرة لطرق الحكم ولأشكالها وللعلاقة بين المواطن والسلطة والدولة، لكنّها وبمختلف أنواعها نشأت كأحزاب ديمقراطيّة تطرح مسألة مداولة القيادة الحزبيّة وتكافؤ فرص الأعضاء، ومن ثم تحوّل بعضها تحت ظروف سياسيّة معينة مرّت بها الأحزاب أو الدول المنضوية تحتها لأحزاب شموليّة، ومن أهم تلك الظروف الحرب العالميّة الثانيّة التي نصبت هتلر وموسيليني وستالين زعماء أبديين لأحزابهم، إلا أن هذه الأحزاب كانت قد نشأت ديمقراطيّاً، على الأقل بين عناصر الحزب الواحد، او بين عناصر الطبقة الواحدة.
قام تروتسكي بتحليل الأسباب الموضوعيّة والذاتيّة التي أدت لتحوّل الحزب الشيوعي الروسي لحزب شمولي وجاءت هزيمة موسيليني وهتلر كنهاية لحقبة الشموليّة في تلك الأحزاب، بينما استمر ستالين المنتصر زعيماً يقتل جميع معارضيه حتى مماته، انتقلت ظاهرة الديكتاتور العسكري الحاكم للبلد والقائد الأبدي للحزب الحاكم (الستالينيّة) للعديد من الدول وأنظمة الحكم، منها سوريا التي مازال فيها حزب البعث الحاكم وأمينه العام قائداً ابديّاً للحزب والدولة والمجتمع، وقد اعتادت هذه الأنظمة الديكتاتوريّة على محاولات بائسة للظهور بمظهر الديمقراطيّة أمام شعوبهم ودول العالم، الأمر الذي بات من التاريخ حيث أثبتت أحداث الربيع العربي، الفهم العميق لشعوب المنطقة لهذه الأنظمة أو على الأقل كذبها فيما يخص الشأن الديمقراطي.
ومما سبق نرى أن الوظيفة الفعليّة للحزب السياسي، هي إيصال رغبات المواطنين ومصالحهم لمرافق الدولة من أعلى هيئة فيها إلى أدنى مستوى، ومساعدة الشعوب في تحقيق رخائها وأهدافها بمساندة البرتوكولات الديمقراطيّة المتبعة في هذا البلد أو ذاك، وفتح المنصّات أمام المفكرين والفلاسفة والسياسيين لطرح الحلول للمشاكل التي تعترض البلاد والشعوب، لكنّ هذه الوظيفة هي الوظيفة الطبيعيّة أو المنطقيّة فهل هناك وظائف أخرى؟.

كنا قد حددنا رغبة الأنظمة الشموليّة المتجددة في طرح نفسها كأنظمة ديمقراطيّة ومن بين أساليبها في ذلك، هي صناعتها لمعارضة أليفة تؤدي الغرض المطلوب منها، ومن أشكال هذه المعارضة المصطنعة هي الأحزاب المعارضة الوهميّة التي تنشئها الأنظمة الشموليّة، وتتحكم بها بشكل غير مباشر، فتحاول من خلالها إتمام الدور التمثيلي، بالإضافة لزعزعة صفوف المعارضة الحقيقيّة وتشتيتها.

إلا أنه من الممكن أن تظهر أحزاب في ظروف ضعف الأنظمة الشموليّة محاولة عدم إثارة هذه الأنظمة وانتظار الوقت المناسب لتقوم بدور المعارضة الحقيقيّة، لكنّ هذا الأمر يحتاج لبنية حزبيّة قويّة تكون قادرة على التجدد والإقناع والنهوض بالحياة السياسيّة للدولة حين تكون ظروفها مواتية، حيث نستطيع تكثيف الوظائف الملقاة على عاتق الحزب السياسي في الحالة الديمقراطيّة بالتالية:وظيفة الرقابة: تعد الأحزاب السياسية أدوات رقابة للحد من تعسف السلطة القائمة وذلك اما بتواجدها في البرلمان بصفتها أحزاب معارضة تدافع عن المواطنين او بصفة غير مباشرة كأحزاب خارج السلطة.
وظيفة اتصالية: إذ تعد الاحزاب السياسية قنوات اتصالية تربط القاعدة (الشعب) بالقمة(النظام السياسي)، فهي القوة الأكثر احتكاكا بالفئات الشعبية والتي على اطلاع بمشاكلهم وقضاياهم فتعمل على رفع تلك المطالب للنظام ومناقشته فيها وايصال مخرجات النظام السياسي للشعب.
رسم السياسة العامة للدولة: اذ تشارك في صنع القرار والسياسات العامة و مراقبة تنفيذها.
وظيفة التنمية السياسية: تسهم الأحزاب في رسم استراتيجيات التنمية السياسية في البلاد والعمل على تطبيقها.

خامساً: شرطان أساسيّان لفعاليّة الحزب السياسيديمقراطيّة الحزب وبيروقراطيته

تحقق صفة الديمقراطيّة في الحزب في عدم قدرة القيادة على مصادرة رأي الأعضاء، وعلى خلق توجّه حقيقي للحزب يضمن رسم مصالح أعضائه، بعيداً عن رغبات القيادة التي قد تتقاطع مع رغبات السلطة، خاصّة أن السلطة هي من منحت الترخيص لهؤلاء الشخصيّات لتشكيل أحزاب، وبالتالي يمكن لهذه الأحزاب فيما إذا كانت ديمقراطيّة البنية أن تقوم بظرف سياسي مواتي بلعب دور معارض حقيقي، وإبعاد القيادات التي يشك أعضاء الحزب بأنهم يقومون بأدوار مزدوجة داخل الحزب وخارجه، كما يمكن للبنية الديمقراطيّة للحزب أن تضغط بشكل مستمر على القيادات للضلوع بمواقف تمس مصالحهم التي قد تتعارض بشكل أو بآخر مع مصالح السلطة، وفي دولة أمنيّة أو قمعيّة وبشكل عام غير ديمقراطيّة، من الممكن أن يتعرّض أي شخص للاعتقال التعسفي من قبل أجهزة الأمن، يبدو من الصعب خلق بنى ديمقراطيّة معارضة داخل كيان الدولة، فقد يتعرّض للاعتقال أو التغييب أي شخصيّة حزبيّة في أي وقت كان إذا ما تعارضت مواقفها مع مواقف السلطة، إلّا أنّه من الممكن نظريّاً إطلاق حزب ذو بنيّة ديمقراطيّة مهادنة للسلطة، أو أن تكون السلطة نفسها تريد بناء معارضة حقيقيّة، ومع بعد هذا الاحتمال إلّا أنّه قائم لذا يجب أن تحقق الأحزاب مبادئ الديمقراطيّة[13]، بالإضافة لخلق ضمانات ديمقراطيّة لتحقيقها، ومن أهمها الانتخاب المباشر، رقابة الأقليّة الحزبيّة، الشفافيّة الماليّة والسياسيّة، تداول القيادة الحزبيّة، وتوزيع المهام الحزبيّة الحساسة على كتلة أكبر من القيادة، الابتعاد عن التركيز على شخصيّة حزبيّة معينة وتهويلها واختصار الحزب بشخصها.الفعل السياسي الآني والقدرة الحزبيّة على التنظيم.

تقوم الأهداف الحزبيّة المعلنة عند تشكيل حزب عقائدي يهدف لجذب الجمهور نحوه لتقديمه من خلالها الحلول الفعليّة لما تعانيه هذه الجماهير من مشاكل وأزمات على كافة الصعد مقام حجر الأساس في هذا البناء، ومن المهم جدّاً لأي حزب يريد أن يطرح أهدافه أن تكون مبنيّة على أسس راسخة وواضحة ومباشرة، عليها أن تقدّم حلولاً جديدة غير مطروحة من أحزاب أخرى أقدم، تمتلك ربما قدرات على التنظيم وربما وسائل وأدوات لا يمتلكها الحزب الوليد، كما أن لهذه القاعدة العقائديّة والإيديلوجيّة التي انطلقت منها الأهداف والحلول وظيفة أساسيّة لجذب الجمهور نحو هذا الحزب والانضواء تحت صفوفه، تشكّل هذه الإيديولوجيا تعبيراً حقيقيّاً عن مكنونات الجمهور وتجسّد رغباته ومصالحه السياسيّة.

لذا من المهم جدّاً للتأكّد من جديّة هذا الحزب وقدراته السياسيّة فحص الإيديولوجيا من خلال تقديمها للجديد الذي يشكّل تغييراً مهمّاً يخدم مصالح الجمهور أو فئة من هذا الجمهور، وايضاً وبشكل بالغ الأهميّة التأكد ما إذا استطاع الحزب توسيع قاعدته الجماهيريّة، وهل توسعت هذه القاعدة على الأساس الإيديولوجي أم على بناء على الأداء السياسي للحزب في هذه الفترة، هل بقيت ثابتة أم شهدت تراجعاً وخسارات، كل هذا العوامل تشكّل إشارات حول فاعليّة هذا الحزب وقدراته السياسيّة.
----------------------------------------------
المراجع:

1- ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ص 324
2- ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ص 309
3- موريس ديفريجيه، الأحزاب السياسيّة، ص 14
4- ليون تروتسكي، الثورة المغدورة، ص 37: "تركزت جهود ستالين على تحرير جهاز الحزب من رقابته الأعضاء.
5- ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ص 33: " يتعارض هذا الوضع الهادئ، وضع سيطرة الأعيان والبرلمانيين بشكل خاص وجذري مع بنى التنظيم الحديث في الأحزاب، إذ إنّ الأشكال هذه هي من رحم الديمقراطيّة." ويقصد بالبرلمانيين قبل أحقيّة العموم بالتصويت فهي هنا مفردة مرادفة لمفردة أعيان
6- ليون تروتسكي، الثورة المغدورة، ص 35: "يتصف النظام الداخلي للحزب البلشفي بالديمقراطيّة".
جريدة الأخبار، هل كان المناشفة (ومعهم ماركس) على حق ضد لينين؟، محمد سيد رصاص الأربعاء 30 أيار 2018
8- اقتباس : "في مؤتمر حزبي خاص يوم 29 يوليو عام 1921، حل هتلر محل دريكسلر في رئاسة الحزب بأغلبية 533 إلى 1، تم حل اللجنة، ومنح هتلر سلطات مطلقة ما يقرب من الزعيم الأوحد للحزب، سيشغل هذا المنصب لما تبقى من حياته. سرعان ما حصل هتلر على لقب الفوهرر ("القائد") وبعد سلسلة من الصراعات الداخلية الحادة ، تم قبول أن الحزب سيُحكم من قبل Führerprinzip ("مبدأ القائد"). بموجب هذا المبدأ ، كان الحزب كيانًا شديد المركزية يعمل بصرامة من أعلى إلى أسفل ، وكان هتلر في القمة كزعيم مطلق للحزب." ، كتاب هتلر 1889-1936، الكاتب: إيان كيرشو 2008 ، ص 83 ، 103.
9- Burdau G.Traite De Science Politique.Cite Par.Menouni(A).Droit Constitutionnel.P141
10- كامل زھیري، موسوعة الھلال الاشتراكیة ، نقلا عن طارق فتح الله خضر ، دور الأحزاب السیاسیة في ظل
. النظام النیابي(دراسات مقارنة)، (لبنان:ب.د.ن، 1986 ) ،ص 40
11- موريس ديفرجييه، الأحزاب السياسيّة، ص27
12- موريس ديفرجييه، الأحزاب السياسيّة، ص62" فتنظيم الحزب الراديكالي مصمم من أجل خنق صوت المنتسب ومن أجل إعطاء السلطة في الحزب لمجموعات صغيرة أولغارشيّة."
13- مفهوم الحزب الديمقراطي.. ملاحظات أولية ،تاريخ النشر: 3/10/2004، د. علي خليفة الكواري ، موقع الجزيرة نت، أضغط هنا للإطلاع

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!