لفهم الأزمة السورية

آدمن الجيوستراتيجي 9:54:00 ص 9:54:40 ص
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A
تملك الولايات المتحدة الأمريكية آليات كثيرة للتحكم بسير الأحداث في سوريا، لاسيما تحركات جميع الأطراف المتناحرة، وتنسق استخباراتها مع جميع الأطراف بمستويات متفاوتة، ولا تفضل السياسة الخارجية الأمريكية طرف سياسي أو عسكري في الأزمة السورية على الآخر، بل تتعامل مع كافة القوى وفق مصالحها، ربما بمستويات أكثر أو أقل، إلا أنهم جميعهم يندرجون ضمن مشروع المناقصة الأمريكية، وكانت السياسات الخارجية الأمريكية في عهدة إدارة الرئيس " دونالد ترامب " واضحة في هذا المسار. إلى جانب تغطيتها على تصرفات جميع الأطراف بإيجابياتها وسلبياتها. وما يجب إداركه وفق المعطيات إن الولايات المتحدة لا تتخلى عن مصالحها القديمة المتجددة من خلال نتائج التضاربات والمواجهات والاتفاقات الجديدة، والنموذج التركي واضح للعيان، إذ ركزت السياسات الأمريكية على خلق توازنات بين حلفائها المتناقضين، ويمكن لها أن تجمع بين خصمين على مائدة واحدة لطالما الجميع يلتزمون بالخطوط الحمر الأمريكية.

كانت التغطية التركية على المعارضة السورية لن تتم بمعزل عن الموافقة والدعم الأمريكي، والتدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015 لم تكن لولا الموافقة الأمريكية في ذلك، لأن إدارة ترامب أنذاك لم تكن في أجندتها التدخل العسكري لتغيير النظام السوري في سيناريو مشابه للتدخل عام 2003، ودون تدخل عسكري لحماية النظام أو ضبطه كاد المتطرفون يسيطرون على دفة الحكم، لذا فأن التدخل الروسي كان بطلب أمريكي ودعم إسرائيلي، وبذلك ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء النظام السوري، كما حافظت على المعارضة السياسية والمسلحة برعاية تركية، إلى جانب تدخله المباشر في شمال شرقي سوريا (المنطقة الكردية) لمساعدة الكرد في محاربة الداعش، ومنع التمدد الإيراني بطلب من الخليج العربي.

ان أستمرار المواجهات العنيفة بين النظام السوري المدعوم بالميليشيات الإيرانية- العراقية- اللبنانية والسلاح الجو الروسي، والمجموعات المسلحة المدفوعة من الاستخبارات التركية والتمويل القطري، تسببت في تدمير البنية التحتية للدولة السورية، وبالتالي تفككت ترسانة الاسلحة المكدسة منذ السبعينيات والإكتفاء الذاتي من الزراعة والطاقة الأحفورية، وأدت ذلك إلى تضعيف كافة المؤسسات المركزية للدولة الشمولية لصالح المناطق التي فرضت بحكم ظروف الحرب الأهلية، واقع جغرافي جديد على الأرض، إلى جانب زيادة وتيرة الشرخ الإجتماعي بين المكونات السورية بعد فرزها على أساس طائفي وعرقي. وبذلك حافظت التغطية الأمريكية على بقاء هذا النظام في مستوى محدد دون أن يعود إلى سابق عهده قبل الأزمة، وبنفس السياق أستمرت المعارضة على نحو تقليص وجودها دون القضاء عليها، بالرغم من السلبيات الكثيرة التي أرتكبتها هذه المجموعات من خلال التصرفات الإجرامية والقتل والخطف والإرهاب الممنهج.

فيما أسست الولايات المتحدة الأمريكية لوجودها مناطق محددة في شمال وشرق سوريا، ومن ثم أدخلت بعضها في مناقصات مع الطرف التركي لإرضائه نسبياً على حساب الكرد.

إن الإخفاقات والانتصارات التي تحققت بالنسبة لجميع الأطراف السورية كانت بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية، والعامل الإسرائيلي له دور بارز وأساسي لإدارة المسارات، لأن أمنها يعني إتفاق أمريكي - روسي للقيام بدور الحماية، وروسيا بدورها ترعى المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى في سوريا، ويمكن فهم ذلك من خلال الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف حساسة تتبع للنظام السوري والميليشيات الإيرانية. لذا فإن الأطراف المعنية مقيدة بهذه العملية، وبنفس الوقت تعمل على استمرار حالة التوازن فيما بينها، دون إجراء تغيرات استراتيجية كبيرة في المشهد السوري.

دور الاتحاد الأوربي اقتصر على التواجد ضمن قوات التحالف لمحاربة الإرهاب، والبحث الأوروبي عن موضع قدم لها داخل التحولات الجارية في الشرق الأوسط أصطدم مع سياسات إدارة دونالد ترامب المتسرعة، والاستحواذ الروسي المميت، والاحتكار التركي المتشبث بالمعارضة، لم يبقَ أمام الاتحاد، لاسيما فرنسا، تطور وجودها من خلال الطرف الكردي الذي لعب دور بارز في عملية القضاء على منظمة " الداعش "، وألحقت الدول الأوروبية بـ فرنسا بعد أن أغلقت الأبواب السورية من قبل الأمريكيين والروس والأتراك في لعب دور رئيسي، فكانت المواقف الأوروبية تتضمن مستويين، الدخول في منازعة مباشرة مع تركيا، والرفض الناعم لسياسات تركيا، وفي كلا الحالتين تبلور الموقف الأوروبي الرافض لتحجيم دورها في الشرق الأوسط، لأن اعتكاف المسارات الحقت بالدول الأوروبية تضيقاً على مصالحهاً الاستراتيجية، في ظل الصراع الأمريكي من أجل مصالحها الاستراتيجية، والتمدد الروسي بفعل تركي على حساب مستقبل المصالح الأوروبية.

إن بقاء النظام السوري هو هدف إسرائيلي بالدرجة الأولى، لأن البديل عنه سيكون مجرد أدوات متطرفة بيد النظام التركي، وقد تشكل تهديداً على مصالح إسرائيل في ظروف ما، بالرغم من أن تركيا تدرك هذا التوزان، وتعمل على حماية إسرائيل وأمنها الاستراتيجي، لما لها تأثير على جميع الأحداث في الشرق الأوسط، وتصرفات الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي في سوريا، وعلاقات تركيا مع إسرائيل عميقة جداً، ويكاد الاقتصاد الإسرائيلي في نمو مستمر بفضل التجارة المتبادلة بين الطرفين، والكثير من التصرفات والسلوكيات التي تبديها تركيا حيال عدة قضايا، نابعة من الموافقة الإسرائيلية، وبنفس الوقت تنتج هناك بعض ردات فعل بين الطرفين على مصالح محددة، وأن كان النظام التركي يسير على تطبيق المخططات الإسرائيلية الخاصة، وتدرك تركيا عمق المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، وتكاد تكون المساهم الأول في تضعيف الدول العربية، وتهيئة كافة الظروف داخل هذه الدول لصالح إسرائيل، لهذا كانت إسرائيل باستمرار تنفذ الضربات الجوية ضد النظام السوري وتضعيفه لصالح الأتراك وأجنداتها من المجموعات المسلحة السورية، بالإضافة إلى تهيئة الأجواء لتركيا في تنفيذ مخططاتها داخل الشمال السوري، ولا نستغرب أبداً من التدخل الإسرائيلي الدائم في تخفيف الضغط الأمريكي على تركيا.

دأبت جماعة الأخوان المسلمين على خدمة المصالح الإستراتيجية للقوى الكبرى في الشرق الأوسط عبر ممارساتها المعادية لأمن البلدان العربية، وتبنت من خلال نشاطاتها عملية تفكيك هذه الدول لصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، وخدمة المشروع التوسعي الإيراني - التركي المشترك على حساب المنطقة العربية. ولعلَّ المحرك الأساسي لتفرعات هذه الحركة خلال السنوات العشرة الماضية هو النظام التركي الذي وجه سياسة الأخوان في ظل الثورات الربيع العربي بغية تمكين نفوذه، وكجزء من تمكين المشروع العثماني الجديد الذي تبناه حزب العدالة والتنمة والحركة القوموية التركية، ويمكن القول إن خدمات الأخوان تقسمت بين إيران وتركيا، بعد دخول النظام التركي على مسار توظيف هذه الورقة بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا وأستقطابها للمجموعات الإسلام السياسي السني والجماعات المتطرفة في المنطقة كفلول القاعدة والداعش، لا سيما داخل الدول العربية التي هي مسرح العمليات التركية – الإيرانية، بهدف الدول العربية، وذلك بوابة لإنجاح السيطرة بالتساوي بين تركيا وإيران.

بما إن جميع المشاريع التي تسعى إلى التوسع داخل المنطقة العربية تحتاج إلى آلية الحركات الإسلام السياسي بالدرجة الأولى، فإن تمكين التطرف من خلال الخطابات المحبوكة بإتقان ورعاية فائقة، أثرت بشكل واسع في شريحة عظمى من الشارع العربي، إلى جانب مسألة تطمين الطرف الإسرائيلي الذي يفرضه القوى الكبرى كحالة أساسية في المعادلة الجيوسياسية داخل الشرق الأوسط.

هذه الثنائية تكاد إجبارية أمام أية قوى صاعدة، لا سيما النظام التركي الذي تبنى الإسلام السياسي وفكر الأخوان كمرجعية أساسية لطروحاتها.

ألية إستخدام هذه الجماعة من قبل النظام الإيراني طيلة العقود الثلاثة أخلفت نموذجاً يستفاد منها الأنظمة في المنطقة، ومع الصعود التيار الإسلام السياسي في تركيا تبنت خطاب الأخوان ورعاية تفرعاتها، وبطريقة قد تكون أكثر فائدة من التوظيف الإيراني لهذه الحركة، والتي بدورها أستخدمت ألية شراء الذمم داخل حركة الأخوان، مما وفرت لها الولاء إلى جانب التيارات الشيعية التي تقدم الولاء لإيران على حساب الإنتماء القومي، ومثال حزب الله اللبناني والجماعات العراقية والحركة الحوثية في اليمن التي تتخذ من الإنتماء المذهبي سبيلاً ناجعاً لإستمراريتها، وكخيار إستراتيجي لرؤيتها الجيوسياسية في الدول العربية.

لقد ركز النظام التركي على تأمين ثنائية التأثير في الشرق الأوسط " حماية أمن إسرائيل من خلال العلاقات الإقتصادية والسياسية والعسكرية، والتحكم بالجماعات المتطرفة من خلال حركة أخوان المسلمين ".

الثلاثي القوي في الشرق الأوسط تتعامل فيما بينها وفق إطار المنفعة المشتركة، لأن الجماعات الشيعية المسلحة في المنطقة توفر لإسرائيل التدخل الدائم لتوجيه الضربات الحربية، بحجة محاربتها لإيران، وبالتالي أذرع إيران في المنطقة هي جزء من الاهداف المشروع لإسرائيل، ولكن الواقع مختلف تماماً، ولم تقع مواجهات مباشرة بين إيران – إسرائيل، فيما الحرب بالوكالة التي تجري إنما كانت لصالح إسرائيل، ونموذج قطاع الغزة وسوريا ساحة العمليات الجوية الإسرائيلية، والتقرب من الدول العربية لعقد المصالحات إنما نتاج طبيعي للمشاغبات الإيرانية التي تساعد في تحقيق ذلك، لأن الدول العربية باتت مقتنعة إن ما تشكله إيران من تهديدات جدية أكثر من إسرائيل، وبالتالي تساعد إيران في عملية التقارب بين الدول العربية وإسرائيل.

ثمة ضبط لهذه الجماعات وتوجيهها لمصالح محددة

يدرك النظام الإيراني إن التحرك في الدول المتاخمة لإسرائيل يشكل تهديداً على أمنها، وبنفس المستوى تضمن لإسرائيل التدخل العسكري في هذه الدول، وقد تكون عملية تقاطع المصالح بين الطرفين بمعرفة فوائد كل طرف دون الإتفاق العلني، لذا فإن الجماعات المتطرفة السنية والشيعية توفر لإيران التدخل العسكري في سوريا، وإستباحة العواصم العربية الثلاثة على خط الهلال الخصيب" بغداد – دمشق - بيروت "، وتمكين وجودها العسكري في هذه الدول، بعد أن وجهت الجماعات السنية إلى إظهار أبشع صورة متطرفة لتكريس الخشية الدولية من تطور هذه الجماعات، وخطورة تمكين وجودها كقوة تستولي على الأنظمة في خضم مجريات الربيع العربي، مقابل تقديم الجماعات الشيعية على إنها أكثر إتزاناً وإبتعاداً عن العنف، وبالتالي التوسع الإيراني في المنطقة ستضمن المصالح الإسرائيلية. بينما في الواقع أرتكبت الجماعات الشيعية عمليات إرهابية وجرائم بشعة في العراق وسوريا ولبنان، هذه الممارسات لا تقل عن جرائم الجماعات السنية المسلحة، ويشاطر الطرفين في التسابق حول إظهار أبشع صورة للإسلام، وهذه المسألة بطبيعتها خدمة للقوى المناهضة للإسلام.

بينما الضبط التركي للجماعات السنية أنصبت بطبيعتها في مصلحة الأمن القومي التركي، وحالات توجيه هذه الجماعة بنسخها الثلاثة " الاخوان – جبهة النصرة " القاعدة" - الداعش " برزت في محطات هامة من عملية التمدد التركي في المنطقة العربية، حيث ركزت الاستخبارات التركية على إستخدام الاخوان في مصر، بينما القاعدة في ليبيا وسوريا، والداعش في سوريا، وقد تكون العراق أيضاً، بالرغم إن الشريحة العظمة للداعش في العراق كانت مقربة من الطرف الإيراني، إلا أن التماس المباشر بين هذه المنظمة والنظام التركي تركز في سوريا، ومعظم التقارير الإستخباراتية والإعلامية أظهرت مدى العلاقة العميقة بين النظام التركي المتمثل بحزب العدالة والتنمية مع هذه المنظمة، فيما الدعم التركي لمنظمة القاعدة في الشمال السوري كان علنياً وبتغطية حلف الناتو.

المادة القادمة من كتاب " مسارات الازمة السورية "

المواد السابقة من كتاب "مسارات الأزمة السورية"

شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الجيوستراتيجي

الكاتب آدمن الجيوستراتيجي

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/