الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ

komari
0
يعد الشعب الكردي شعباً عريقاً في وجوده تاريخياً وله فضل كبير في نشوء حضارة ميزوبوتاميا عامة وكردستان خاصة وبصورة أخص حضارة سوريا عبر الأزمنة وهو ضخم العدد إذ يتجاوز المئة مليون نسمة بمن فيهم من يعيش في الشتات خارج كردستان بينما داخل وطنه المقسم في سوريا وتركيا والعراق وايران يناهز سبعين مليونا ماعدا عشرات الملايين التي تحسب الآن- بسبب الانصهار -على القوميات الأخرى ويتميز الشعب الكردي بأنه شعب متجانس نقي من الناحية القومية لأنه لم يستكرد فيه الآخرون إلا في حالات نادرة وذلك إذا ماقارناه بشعوب المنطقة بسبب عدم إستغلاله للدين والسلطة والمصلحة وغيرها على عكس شعوب أخرى في المنطقة كالشعب العربي الذي عملت أنظمته سواء أبان الدول الإسلامية أو الدولة القومية الحالية في سوريا التي بقناعتي يبلغ الكرد فيها أكثر من عشرة ملايين نسمة من ضمنهم المستعربين وبدونهم خمسة ملايين نسمة كذلك بالنسبة للأنظمة العراقية وأيضاً الأنظمة التركية والفارسية التي عملت آلتهم العنصرية على تتريك وتفريس الكرد بشكل فظيع كما تعلن هذه الأنظمة الأربعة أرقاماً خيالية عن عدد أفراد قوميتهم التي تفتقر إلى المصداقية كونها تضم مجموعة القوميات الأخرى بشكل لا يقل عن نصفها أو أكثر. كما أن جغرافية أرض الكرد التاريخية التي عاش عليها تتجاوز 700000 كم منها الأكثر من 500000 كم الآن التي تحمل اسم كردستان ومن الميزة البارزة لهذا الشعب وبثبوتيات ووثاىق العديد من المؤرخين أنهم أي الشعب الكردي يعيش على أرضه التاريخية ولم يأتي غازيا" كغيره من أرض أخرى, بل أنه يعيش على أرض أجداده منذ ظهور بشريته أي منذ الأنسان القديم الذي ظهر منذ ملايين السنين في منطقة ميزوبوتاميا مهد الكرد وكردستان .
في كتابنا هذا سنتناول وجود هذا الشعب الكردي في سوريا فقط دون الأجزاء الأخرى و سنتناول ظهور جذوره الإولى على أرضه كإنسان منذ العصور الحجرية القديمة مع إدراكنا للتغيرات والتبدلات الفيزيائية و الإثنية لما حصل لهذا الانسان الذي ينتمي إليه الكردي المعاصر في صيرورة التبلور حتى الوصول إلى حمله لصفة قومية وهي الكردية بحد ذاتها, أسوة بالقوميات الأصيلة المتعايشة معه والمجاورة له خاصة تلك التي أنبثقت من ذلك الإنسان القديم وسنتتبع في كتابنا أيضا" بعضاً من المواقع الأثرية للإنسان القديم التي تعج بها المناطق الكردية والمناطق التي يمثل الكرد فيها الأغلبية السكانية وكذلك غيرها في سوريا .يجب الإشارة هنا بأننا لا نتناول سوريا القديمة في بحثنا كمصطلح بلاد خورو القديم أو بلاد سورو التي اخذت سوريا الحالية اسمها منه و التي كانت تسمى بها حينها عند شعوبها وكذلك عند الفراعنة وغيرهم ،هذا الاسم الذي ينسب إلى أجدادنا الكرد الخوريين أي الشمسانيين التي تحول فيها عبر التاريخ حرف الخاء إلى السين والتي كانت تشمل من حيث الجغرافية مناطق الدول الحديثة كاللبنان وفلسطين والأردن وسوريا التي سميت في المصطلحات الحديثة سوريا الطبيعية أو بلاد الشام لأن البحث في الوجود التاريخي والحالي للكرد في تلك الدول يحتاج إلى تدوين كتب أخرى عن الكرد في كل منها على حدى والتي لا نشك بوجود الكرد فيها أيضاً على غرار ما نقوم به الآن عن وجود الكرد في سوريا ودورهم فيها في مختلف الأزمنة التاريخية والأصعدة السياسية والاجتماعية وغيرهما لهذا سنكتفي في هذا الكتاب بوجود الكرد في سوريا بجغرافيتها الحديثة فقط .
كان ومازال للكرد دور أساسي عبر الأزمنة في نشر الحضارة في سوريا وتأسيسها والدفاع عنها سواء في العصور البدائية الحجرية القديمة عبر إنسان آركتوس ونياندرتال وهوموسبيانس في كهف دودري وغيرها والتاريخ القديم قبل الميلاد من خلال اجدادهم الخوريين في الالف الثالث قبل الميلاد والهيتيين في الربع الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد والكاشيين في الألف الثاني قبل الميلاد والكالتيين في نهايات الالف الثاني وبدايات الألف الأول قبل الميلاد والميتانيين في 1750-1250 ق م والميديين في القرن السابع قبل الميلاد وكذلك بعد أولئك الكرد في مرحلة بعد الميلاد أبان الأغريق والرومان والفرس والساسانيين الكرد والزنكيين والأيوبيين الكرد والمماليك والعثمانيين والفرنسيين عندما ساهم الكرد في بناء سوريا واخذوا يناضلون من أجل حمايتها من أي إحتلال بغيض منها ما برهنوا على ذلك أبان الإمبراطورية الميتانية الخورية في توحيد السوريين في معركة ومعاهدة قادش ضد الفراعنة المصريين و كذلك على غرارهم الهيتيين مع الفراعنة المصريين بالإضافة إلى بسالة الايوبيين في القرن الثاني عشر الميلادي بتحرير سوريا وطرد الصليبيين وباالأخص الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي ذهب إلى قبره انتقاماً منه الاستعماري الفرنسي الجنرال غورو عندما احتل سوريا قادماً من لبنان وناداه على قبره إنهض يا صلاح الدين نحن هنا وأيضاً الجانبولاتيين في عفرين وكلس1607م وإقامة أمارة تقف في وجه أطماع العثمانيين وسليمان الحلبي العفريني الذي قتل كليبر في مصر عام ١٨٠١ م وإبراهيم باشا نجل محمد علي باشا والي مصر الذي نجح في طرد العثمانيين وتحرير منهم سوريا 1830-1840 م وفضل المناضل محو أيبو شاشو على السوريين جميعاً عندما اطلق أول رصاصة سورية في وجه الفرنسيين عندما أنزلوا قواتهم على الساحل السوري1918م وأمثاله كثيرون منهم المجاهد الكبير ابراهيم هنانو الذي أشعل ثورة وطنية في حلب وعفرين وادلب وحارم وجسر الشغور وتمكن من تحريرها عام 1919م حتى 1921م رافضا ً التهدئة مع الفرنسيين الذين عرضوا عليه اقامة دويلة في المناطق التي حررها عندما رد عليهم قائلا ً سأسير على خطى صلاح الدين الأيوبي الذي طهر البلاد منكم وغيرهم كثر من أمثال سعيد آغا الدقوري وغيره من وجهاء أهلنا الكرد في مقاومة عامودا وطوشا عامودا من 1924 حتى 1937م وكذلك دور أهلنا الكرد في موقعتي بياندور وكرى طوبى (ديارى مالال عبيس ) 1923م في مقارعة الاحتلال الفرنسي.
إن الصفحات المشرقة ببطولات الشعب السوري مزهوة بوقوف الكرد مع إخوانهم السورييين ضد الفرنسيين وقد سطرها العديدون من أمثال أبو دياب البراظي و أحمد بارافي اللذين ساهما في الثورات الوطنية في دمشق وريفها ولن ينسى التاريخ ابدا ً البطل يوسف العظمة قائد معركة ميسلون عام 1920م الذي كان وزيرا ً للحربية عندما لم يأبه بطلب الملك السوري حينها فيصل بن الحسين له بعدم خوض المعركة كونهم يمثلون قلة أمام جحافل غورو القادمة من بيروت لاحتلال سورية ولكنه رد عليه قائلا ً : أن أعرف بأن قواتنا قليلة ولكن خوفي أن يقول في يوم من الأيام أحفادنا بأن سورية قد احُتلت من غير مقاومة وكذلك بالنسبة للدور السياسي للكرد إلى جانب ما قدموه من دماء ذكية في سبيل تراب وطنهم إذ كان أول رئيس للجمهورية السورية كرديا ً آلا وهو محمد علي العابد عام 1932م حتى ١٩٣٦م وكذلك الرئيس حسني الزعيم عام 1949م والرئيس أديب شيشكلي من عام 1949م حتى 1954م و الرئيس شكري القوتلي الذي تسنم سدة الحكم في البلاد لمرات عديدة وأيضا ً الرئيس فوزي سلو من بعدهم بالإضافة إإلى رئيس الوزراء مأمون الكزبري ووزير المعارف محمد كرد علي عام 1920م و وزير الدفاع أحمد نظام الدين وكذلك في الجانب العلمي والثقافي والفني وغيرهم كثيرون.
لم يتوانى الشعب الكردي بعد جلاء الفرنسيين من سوريا 1946م في القيام بدوره في أية لحظة قيد أنملة بل ظل وبالرغم من محاولة الانظمة التي تسمى الوطنية بعد الاستقلال من الفرنسيين من تجاهله و ابعاده عن المعترك الوطني واقصائه وتغيير ديمغرافيته بل واظب بجدارة على العطاء والحفاظ على الوجود من مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية العلمية في وجه المقاصل الشوفينية وخير شاهد على هذا الدور ما نراه الأن خلال ثورة روزافا وشمال شرقي سوريا من صرح وطني مستمر من عام 2011م ألا وهو صرح الإدارة الذاتية التي دافعت عن الكرد وجميع المكونات القومية الأخرى وحافظت على استمرارية الحياة من التدهور على يد المحتلين والمتطرفين وذلك بفضل مؤسساتها الإدارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ونخص بالذكر وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية والأسايش وغيرها.
إن البحث في وجودية الشعب الكردي في سورية والمنطقة غني جداً يحتاج إلى تدوين كتب عديدة فعلى المؤرخين الكرد بالأخص أن يعملوا على البحث وتقصي الحقائق في ذلك وبغزارة لما تعرض له هذا التاريخ الغني إلى التشويه والتزييف على أيدي فاقدي الضمير والإنسانية الذين عملوا على نهبه لإفراغه من حقيقته عندما سرقوه وجعلوه من تاريخهم إلى درجة عملوا على تسمية الكرد بأتراك الجبال ومن سار في فلكهم في العمل على صهر الكرد في بوتقة التعريب والتفريس لذا كانت غايتنا من تأليف هذا الكتاب هي استشفاف حقيقة وجود الكرد على أرضه في سوريا منذ ولادة البشرية كغيره من مكونات الشعب السوري وأن هذه الحقيقة هي رسالة دامغة تؤكد عبر الوثائق والمراجع والمصادر والوقائع التي يقدمها وينشرها الغيارى من الكرد والوجدانيون المحايدون من الإثنيات الأخرى وبحرفية ومهنية تاريخية دون تخمين شخصي تؤكد وجوده على أرضه تاريخياً منذ القديم وحتى الآن وتبرز نفسها باشراق امام كل من ينكر له حقه في أرضه ووطنه كمواطن نشيط وفعال ومن الدرجة الأولى يتمتع بكل حقوقه دون تمييز أو تجاهل.
أخواتي وأخواني الكرام : لقد أنجزت هذا العمل باللغة العربية لأن غايتي في ذلك هي ليقرأها اكبر عدد ممكن من الأخوة العرب أيضاً ليعرفوا قوة تاريخنا الكردي ويزيدوا بها من معرفتهم بأحقيتنا الحياتية كأمة تاريخية ولقد استعنت فيه إلى جانب المصادر والمراجع بالعديد من أقوال و أراء المختصين وأوردت كذلك العديد من الأبحاث التاريخية التي تؤكد وجود الكرد في سوريا شرقاٌ وغرباً وجنوباً وشمالاً في جميع المحافظات تاريخياً وأباً عن جد وأنني على ثقة بأن ظهور الكرد في ميزوبوتاميا وكردستان عامة وفي سوريا خاصة سبقت شعوب تنعم حالياً بدول قومية كالعرب والترك - وأعانتهم الأنظمة الفارسية أيضاً -وقد حرمت أنظمتهم على الكرد حق الحرية في وطن لهم وهم الذين يعتبرون أكبر قومية في العالم بدون دولة علماً أن تاريخهم يعد مفتوحاً أي ذو بداية قديمة غابرة لدرجة إذا أخرجت القلم وصفحة بيضاء فأنت لن تكون مخطىءً مهما أبحرت في القدم ودونت له بداية بعيدة جداً تلك البداية التي ترافق ظهور الإنسان القديم ذلك الإنسان الذي ينتمي إليه كرد اليوم ويعدون من أحفادهم و يعيشون الآن على أرضهم الطبيعية وبغض النظر عن حركة النقل أو التنقل التي تحدث مع الشعوب جميعهاً فأن حركتهم أي الكرد كانت في بقع جغرافيتهم العامة وخاصة الحالية والفكرة هذه التي قلتها ليست تعود إلي بمفردي بل من قناعة العديد من المختصين والباحثين أمثال الأساتذة عبد الرزاق أبو أسامة والفيلسوف المرحوم هادي العلوي والفيلسوف حسن العلوي اطال الله عمره وذلك القول ليس جزافاً بل بناءاً على الآثارالموجودة .
كما أن توجهي إلى انجاز هذا العمل الذي يحمل عنوان : الوجيز في الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ هو تقديمه لنا نحن الكرد لكي نتعرف على تاريخنا ونزيد من التصاقنا بمنجزات أبائنا وأجدادنا القدماء الحضاريين ونحس بها ونزداد ثقة بها ونقوي من ادراكنا وحسنا القومي لنكون على دراية ببناء شخصيتنا القومية ونحميها وندافع عنها لما للمعرفة التاريخية من أهمية وقيمة كبيرتين للإعتزاز بالقومية .كما ان غايتي هي للرد على الشوفينيين الذين ينكرون حقيقة وجودنا ومن ورائهم بعض الأنظمة القوموية البالية والأطراف الاحتلالية التي تساندهم والتي تعرض مراراً اسطوانتهم العفنة التي تقول أن الكرد جاؤوا من خارج سوريا مهاجرين .هؤلاء الذين باتوا يفشلون في ذلك وفي تحقيق أهدافهم العنصرية لأن زمنهم قد ولى وأن الحقيقة أخذت تتجلى حيث لا يمكن حجب نور الشمس بالغربال وهذا بفضل تغيير الذهنيات وبروز ثقافة جديدة بناءاً على حقائق جديدة أساسها التطور الفكري الوجداني والبحث العلمي وذلك على يد بعض المؤرخين والمثقفين الكرد الذين باتوا يبرعون في البحث التاريخي وغيرهم من أخوانهم الوجدانيين في القوميات العربية والفارسية والتركية وغيرها.

بقلم: برادوست ميتاني
مقدمة لكتاب يتم إنجازه من قبل الكاتب ( الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ ).

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!