المقايس الجيوسياسية الأمريكية بين قوات سوريا الديمقراطية والأتراك

komari
0
قراءة جيو سياسية لـ إبراهيم كابان
الأمريكيين في كل عملية تواجدهم بشمال وشرق سوريا يركزون على التحركات الإيرانية المتمثلة بالميليشيات في نقطة التلاقي بين العراق وسوريا، بينما تركز قوات سوريا الديمقراطية على التهديدات التركية التي باتت تشكل الخطر الأكبر لوجودها في الوقت الذي لا تشكل الميليشيات الإيرانية تهديداً مباشراً بالرغم من الإتفاقيات الإيرانية التركية في سوريا، وذلك لإستمرار النظام التركي في تمكين فعاليات ونتائج إتفاقيات أسيتانا مع الروس والنظام السوري والإيرانيين، بغية التخطيط لإسقاط مناطق الإدارة الذاتية التي تدعمها الولايات المتحدة ودول التحالف عسكرياً.
الصيرورة التاريخية تبرز أهمية تركيا بالنسبة لحلف الناتو، كما تظهر حقيقة التحالف التركي التاريخي مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في قضايا جيو سياسية وعسكرية تتعلق بمصالح الحلف وإستراتيجياتها في مواجهة المعسكر الشرقي الذي تبلور مجدداً مع التوسع الروسي العسكري والإقتصادي الصيني. 
بينما لا تستطيع الولايات المتحدة والقوى الغربية في التخلي عن القوات الكردية في سوريا والعراق بحكم الحاجة المتبدالة التي توفر حضوراً أمريكياً ميدانياً في المشهد بعد توسع المجاميع المتطرفة المدعومة من الأنظمة الموالية لروسيا وتحويل المناطق العربية الشيعية والسنية إلى بؤرة تعد فيها التعبئة ضد الوجود الغربي ومشروعها للشرق الأوسط الجديد.
النظام السوري فقد السيطرة كلياً على مناطقه بسبب تدهور الإقتصاد والهيمنة الروسية - الإيرانية، ويرجح وجود مخطط أمريكي - روسي في تغييره خلال المراحل القادمة من خلال الإبقاء على مؤسسات الدولة، مقابل الحفاظ على مصالح روسيا وأمريكا مع الحفاظ على حصة تركيا في زعزعة أمن وأستقرار المناطق الكردية السورية.
تركز روسيا على الموانئ والمواقع الإستراتيجية الممتدة بين الساحل والمناطق الوسطى من سوريا، بينما تهتم إيران كثيراً بالمناطق الحدودية مع العراق، لا سيما الممر الصحراوي. وتمارس الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي هذه المنطقة ساحة للقصف الجوي بالطائرة الإسرائيلية التي يعتقد إنها ذات الصلة بالموافقة الأمريكية - الغربية - العربية بسبب التهديدات التي تشكلها إيران على الخليج العربي من طرف، والخشية من السيطرة الكاملة على سوريا بعد العراق وأجزاء من اليمن بعد تضخيم الحركة الحوثية، والإستفراد بالقرار اللبناني من خلال حزب الله الذي بات يشكل دولة موازية للحكومة والجيش اللبناني.

خطوط التماس

الظروف الداخلية السورية صنعت ثلاث محاور متصارعة تدار بحكم التأثيرات والفعاليات الدولية والإقليمية، وإن كانت المعارضة السورية المسلحة ومظلتها فقدت قرارها السياسي لصالح الهيمنة التركية فإن النظام السوري أصبح رهين سطوة الحضور الروسي والإيراني في المشهد، مقابل العلاقات الساخنة على المستوى العسكرية بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل ركيزة للحضور الأمريكي الغربي في شمال وشرق سوريا.
الجهد الأمريكي أنصب خلال الفترات السابقة على إنتاج تقارب بين قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية المدارة من قبل الأـراك، مقابل محاولات روسيا في بناء مصالح مشتركة بين النظامين السوري والتركي. وحتى اللحظة نجحت روسيا وإيران بإبعاد الأتراك عن الأمريكيين في قضية تضخيم المخاوف التركية من تطور الوضع الكردي في الشمال السوري، مقابل صناعة تقارب مع النظام السوري، وفتح بازار بيع المعارضة للنظام مقابل تخليه عن أي تقارب أو أعتراف بالإدارة الذاتية. وهذا يتضمن تعويم النظام وإنهاء البعبع الكردي. 
فالأمريكيين لا يستطيعون قطع علاقاتهم مع الأتراك لأنها متجذرة لعقود طويلة، فيما الروس وجدوا المخاوف التركية جيال التطورات الكردية في سوريا بوابة لإبعادهم عن الأمريكيين في الأزمة السورية، وخلال السنوات السبعة الماضية أطلقت روسيا سيلاً من الإتهامات ضد الأمريكيين والأوروبيين لدعمهم وفق زعمها إنشاء دولة كردية في شمال وشرق سوريا، وهو ما تجده تركيا معضلة حقيقة أمام أطماعها وأمنها القومي.  
في المقابل يستمر البازار الأمريكي - الروسي لجذب العامل التركي في سوريا، في الوقت الذي قضت تركيا على المعارضة السورية لصالح نظام الأسد، غض الأمريكيين النظر عن القصف التركي بالطائرات المسيرة على بعض المواقع داخل مناطق الإدارة الذاتية. وهذه المناقصات ليست بجديدة وإنما وليدة التحالف التركي الروسي في عملية تسليم عفرين مقابل الغوطة وبعض المناطق الأخرى خلال ٢٠١٨، في الوقت الذي أقدمت أمريكا على تسليم رأس العين وتل أبيض مقابل إرضاء تركيا والتخفيف من ضغوطاتها خلال ٢٠١٩. فهذه الإستراتيجية قد تستمر خلال المراحل القادمة في السماح لتركيا بعمليات جوية بالطائرات المسيرة مقابل دمج المعارضة السورية أكثر مع النظام السوري وتوجيه كل القوى إلى تدمير مناطق الإدارة الذاتية من خلال عمليات الإغتيال وخلق الفتن داخل شارع القبائل العربية في الشمال الشرقي.
بناء هذا التقارب على إبعاد قوات سوريا الديمقراطية وتوجيه جميع البنادق نحوها لمحاربتها، لأن تحالف قوتين محليتين في سوريا بطبيعتها تنتج عن الإنتصار على الثالث، بمعنى أدق يشهل عملية إسقاط النظام، إلا أن النظام السوري وبدافع روسي أنشأ توازناً للعلاقة مع تركيا وبنفس السياق مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بحيث صناعة التباعد الكامل بين المعارضة وهذه الإدارة، مقابل عدم الإعتراف بمنطقة الإدارة الذاتية مقابل التضييق على مناطق سيطرة المعارضة برعاية تركية. وبنفس السياق التقاربات التي تمت مع تركيا نشأت على أساس تباعد بين النظام السوري والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بمعنى أدق، لا يستطيع النظام السوري بناء علاقات والإعتراف بالإدارة الذاتية مقابل تقليص قدرة المعارضة السورية ضد النظام بفعل تركي، وتوجيه جميع القدرات المتاحة بيد النظامين التركي والسوري من خلال المعارضة المسلحة وقوات النظام ضد قوات سوريا الديمقراطية، ويسمى هذا التحرك بمخرجات أسيتانا وغرف العمليات المشتركة التي تقودها روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري.

القبضة الأمريكية والنتائج المحتملة

الأمريكيين لا يستطيعون منع كل أنواع العمليات العسكرية التركية ضد المنطقة الكردية في سوريا، إلا أنهم يمنعون الأتراك من أستخدام أسلحة حلف الناتو وطائرات أف ١٦ وغيرها من تقنيات أمريكية ضد كرد سوريا. لذا نجد دائماً اللجوء التركي إلى أستخدام الطائرات المسيرة " بيرقدار " المصنوعة محلياً، وتنشيط دور الإستخبارات من خلال بناء خلاية خاصة تزود الأتراك بالمعلومات.  
مقابل ذلك لا تسمح الولايات المتحدة لحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية بإستخدام أسلحتها ضد تركيا لا سيما التي تمكنها في إسقاط الطائرات المسيرة التركية، لأنها بحاجة لصواريخ دقيقة لا يملكونها، ومع عدم تزويد أمريكية لهم فإن المسار الأمريكية في العلاقة مع الطرفين هو منعهما من إستخدام الأسلحة الأمريكية.
تسمى هذه الإستراتيجية بالحظر الجزئي الذي ينفذه الأمريكيين في مواجهة التصرع التركي، ولجوء الجانب التركي إلى آلية الاستخبارات وتنفيذ عمليات خاصة.
النظام السوري عاجز عن تنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، أو إجراء أجتياح بري، لأن الوجود الأمريكية والغربي يشكل معضلة حقيقية أمام أية خطوة بهذا الإتجاه. كما إن الروسي أيضاً عاجرين من تمكين النظام السوري في التوسع داخل مناطق الإدارة الذاتية بسبب التواجد الأمريكية وتوزيع المناطق والتوازن الناتج بين المتداخلين في سوريا والمجموعات العسكرية المحلية السورية.

المتوقع أيضاً

خلال الصراع المستمر قد تدير الولايات المتحدة آلية جديدة في تحريك المسائل، من خلال السماح لحزب العمال في توجيه ضربة عسكرية للعمق التركي مقابل السماح للطائرات التركية الذات الصناعة الأمريكية في القصف على المناطق الكردية داخل العراق وسوريا.
الغاية من هذه الإستراتيجية، إجراء تحول داخل تركيا، وبنفس الوقت إعطاء إنذار لقوات سوريا الديمقراطية كي لا تعقد أية تقاربات جديدة مع روسيا. وهي عملية المكافئة والعقاب لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية، لأن كلا القوتين يخشيان أمريكا، إذا أستمرت الولايات المتحدة في منع تركيا من محاربة الكرد هذا يعني إعطاء الفرصة للكرد في تمكين نفوذهم داخل سوريا، وإذا تخلت الولايات المتحدة عن قوات سوريا الديمقراطية هذا يعني نهاية هذه القوات إذا لم تجد حليفاً آخر كروسيا مثلاً، وهذا الاحتمال غير ممكن بحكم توقيع الروس مذكرات التفاهم مع تركيا وإيران والنظام السوري.

النتائج

لذا يبقى النظام السوري رهن هذه التوافقات الأمريكية - الروسية، والمحاولات التركية في إختراق أو أستغلال بعض الظروف لن تتعدى الحدود المرسومة لها من قبل الأمريكيين والروس. كما إن جميع القوى المحلية السورية ( قوات سوريا الديمقراطية - النظام السوري - المجموعات المسلحة للمعارضة ) لا تملك قرار التحرك خارج الخريطة المتاحة لها والناتجة عن إتفاقيات غربية أمريكية، والتحرك التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية لن يتجاوز القصف بالطائرات المسيرة.
هذه العملية بطبيعتها تنتج عن فرز مجتمعي داخل سوريا، وتثبيت الكيانات القائمة بفعل الظروف العسكرية، لا سيما وإن الأوضاع في الجنوب السوري أخذت طابع مشابه لما عليها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. وبذلك تتجه سوريا نحو تمكين النتائج على الأرض. 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!