قراءة سياسية لـ إبراهيم كابان
المدخل
بخلاف عمق العلاقات الإجبارية بين إقليم كردستان وتركيا وإيران، فإن عملية الإستفتاء الذي أقامه الكرد خلال عام ٢٠١٧ تسبب في إتفاق وممارسة كلا الدولتين مجموعة من الضغوطات والتهديدات التي تزيد المشهد العراقي والكردي مزيداً من المخاض. لاسيما وإن التعاطي التركي والإيراني مع الوضع الكردي القائم في شمال العراق يسير وفق منهجية المنافع المتبادلة ضمن سياقات محددة من طرف، ومنع أي تطور خارج صندوق الوضع القائم.
بالرغم من الدعم الغربي لتجربة إقليم كردستان وطبيعة العلاقات القائمة بين أربيل وواشنطن والإتحاد الأوروبي، إلا أن الظروف الموضوعية التي مرت فيها نشوء الحالة الإدارية والسياسية والمنافسة الكردية التي مهدت للتدخلات الإقليمية خلال العقدين الماضيين، أوجدت ظروف موضوعية قد تكون غير مساعدة لتوحيد القرار السياسي الكردي داخل الإقليم من طرف، وسهولة التدخلات الإقليمية، وعدم إتخاذ القوى الغربية موقفاً حازماً لدعم النزوح الكردي نحو إقامة دولة كردية داخل هذا الجزء.
العلاقات الإضطرارية والمقصلة
لا يمكن قطع العلاقات التجارية بين إقليم كردستان والجارتين تركيا وإيران، وذلك لأسباب عديدة تتعلق بالتقاربات الجغرافية إلى جانب عدم وجود مخارج إقليمية أخرى قد تكون منافذ مفيدة لبناء علاقات تجارية خارج نطاق الدولتين.
كما إن المقايس الأوروبية في التعاطي مع الإقليم لا تتم إلا بالتوافق مع تركيا، العضو في النادي العسكري الغربي، لأن آليات التعامل الغربي يجب أن لا تؤثر بالعلاقة مع تركيا وفي ذات الوقت يجب أن لا تثير حافظتها بالدرجة الأولى، لحساسية الوضع الكردي والتعاطي معها، كما هو الحال بالنسبة لبغداد حيث الأدوات الإيرانية تستطيع ممارسة الكثير من الضغوطات إذا ما خرج إقليم كردستان عن السياقات المحددة للمصالح الإيرانية في المنطقة، ولعل التوافق التركي الإيراني في هدم توسع إقليم كردستان نحو كركوك والمناطق المتنازع عليها مثال على الإتفاقيات بين الطرفين في الأفق، والإختلافات في التفاصيل الجانبية.
المكر التركي
لا يمكن الإستهانة بالقدرات التركية في التوسع داخل إقليم كردستان، سواءً على المستوى التجاري أو العسكري، مستثمرة الإتفاقيات مع العراق في عهدة النظام السابق، إلى جانب توظيف حربها ضد حزب العمال الكردستاني. كما إن إستراتيجية الدخول في المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني خلال ٢٠١٣ والإتفاق على سحب عناصر حزب العمال من داخل تركيا إلى إقليم كان الهدف منه زيادة الحجج وسياسة التدخل العسكري وبناء قواعد عسكرية جديدة.
الخلافات الداخلية الكردية ومنح بطاقة التدخل التركي
إدراكنا لحجم النتائج التي نجمت عن الخلافات الداخلية الكردية منحتنا فهم حقيقي لمعانات إقليم كردستان في قضية التوسع التركي الإيراني المشترك. لقد نجحت تركيا في تحجيم رقعة التواجد العسكري الكردي، مقابل تحجيم الإيراني للمجموعات العسكرية الكردية داخل إيران بعد دفعها لإقليم كردستان، وبذلك سهلت للقوتين الإقليميتين تحويل إقليم كردستان إلى جغرافية ساحة كردية صغيرة لجمع المختلفين الكرد، والحصول على كرت التدخل الدائم بحجة ملاحقة المجموعات الكردية التي تنفذ عمليات داخل تركيا وإيران.
كما إن هذه العملية تقلص إستقلالية القرار في إقليم كردستان وإدخالها في معمعمة الصراعات الداخلية التي لن تتوقف مطلقاً لطالما تصاعد إلى الأفق المنهجية الحزبية على حساب بناء فكر وطني، وتخلي القوى الكردية عن ساحاتها ومعاركها داخل تركيا وإيران وتمسكها بالتخندق داخل إقليم كردستان. لذا فإن المشهد السياسي والعسكري الكردي يوحي بإستمرارية الوضع القائم وزيادة في الحضور التركي الإيراني على حد السواء، وتوجه كل طرف كردي ( العراقية منها والكردية التركيا والإيرانية) إلى تأزيم الإشكاليات البينية والوقوف أمام أي تقدم بإتجاه إستقلال إقليم كردستان على المدى القريب، وهذا بطبيعته يقف أمام أي توافق دولي لدعم الأنحياز الكردي في العراق.
الأستحواذ الإيراني والتعاطي مع إقليم كردستان وفق إستراتيجية بناء العلاقات المصلحية
يشاطر النظام الإيراني الأطماع التركي في منع التوسع الإداري الكردي في الشرق الأوسط، لأن الجزء الذي يستحوذ عليه إيران ليس بأقل شأئناً من الجزء المحتل تركياً. فالوضع الكردي الإيراني يشبه بطبيعته الحالة الكردية في تركيا، لأن كلا الجزئين الكرديين واقعين في قبضتهما ولا تجد فرص الخروج والظهور في وضعيات خاصة كما في الحالة الكردية في العراق وسوريا. إلا أن التعاطي الإيراني مع إقليم كردستان قد يكون مختلفاً بعض الشيء، بحكم يمارس النظام الإيرانية إستراتيجية التقية والحرب الغير معلنة ضد إقليم كردستان كما هو الحال في التحركات التركية التي تتخذ سياسة الحرب العلنية بكالفة الوسائل.
فيما تظهر النتائج العملية، شراكة تركية إيرانية عميقة في تقويض تطور الإقليم الكردي وتحجيم دورها ومحاولاتها في بناء علاقات دولية ( مصلحية وتعاونية )، إذ أن توجه القيادة الكردية للتواصل مع المجتمع الدولي يشكل معضلة حقيقية أمام السياسات التوسعية الإيرانية. وقد لُحظ ذلك حينما توجهت الولايات المتحدة الأمريكية نحو تمكين مصالحها في إقليم كردستان، وكان ذلك دافعاً مثيراً للتحركات الإيرانية في ممارسة البلطجة العسكرية والتهديدات والقصف الصاروخي على بعض المرافق العامة في الأقليم، بحجة الحضور الإستخباراتي الإسرائيلي، إلا أن الهدف الأساسي وراء التحركات الإيرانية هو تقويض النفوذ الغربية في إقليم كردستان، لأن هذا الحضور الأمريكية - الأوروبي يوفر للإقليم مسارات جديدة نحو توفير إستقلاليتها الإقتصادية وتمكين علاقاتها العسكرية من بوابة الحصول على الآليات الثقيلة التي توفر لها إمكانية وجود قوات الرد للتهديدات التركية الإيرانية المستمرة، على الأقل التحضير للتطورات القادمة، وهو ما تجده إيران وكشريكتها تركيا، إشكالية كبيرة في دفع أقران الإقليم في المنطقة نحو ممارسة الضغوطات على النظامين التركي - الإيراني والمطالبة بمزيد من الحقوق قد تفضي في المحصلة بنشوء أقاليم كردية جديدة ستتحد في المستقبل ضمن قوة مشتركة تردع الأطماع التركية الإيرانية.
إلا أن حجم الحصار على إيران تدفعها لإتخذا السياسات الناعمة مع إقليم كردستان، لأنها تدرك تماماً الأهمية الإقتصادية لهذا الإقليم. وقد يكون هذا الدافع الأساسي نحو إعادة بعض العلاقات الكردية - الإيرانية ضمن سياق المصالح المشتركة.
الإستراتيجيات الممكنة في الوقت الحالي
للعلاقات بين الأطراف، لاسيما مع تركيا وإيران، مسارين بالنسبة لإقليم كردستان، أحدها إضطرارية كنتاج للظروف الموضوعية التي ولدت فيها الإدارة السياسية الكردية وصراعها مع النظام العراقي، إلى جانب الإشكاليات الداخلية الكردية التي دفعت بالطرفين الرئيسين إلى التعاون الإستراتيجي مع الأتراك والإيرانيين في عملية تمكين النفوذ والسيطرة داخل إقليم كردستان.
فيما أتخذ المسار الثاني حيز أساسياً في تمكين هذه العلاقة، إذ أن الوضع الجغرافي وطبيعة العلاقات الإقتصادية وتمكين النفوذ والصراع العام بين الأطراف كافة داخل العراق، إلى جانب التواصل مع المجتمع الدولي من بوابة صرف منتوجات النفطية للإقليم بمعزل عن بغداد، والسبيل التركي لذلك، جعلت تنظيم تطوير الوضع الإقتصادي داخل الإقليم مرهون بتطوير تلك العلاقة.
طيب في ظل هذه الظروف هل يمكن التراجع عن تلك العلاقات؟. المشهد العام يوحي بعدمية القدرة في إنهاء تلك العلاقة مهما كانت الأسباب، لأن العصب الإقتصادي في إقليم كردستان مرهون بتلك العلاقات، ودونها قد يخسر الإقليم الكثير من الإمتيازات الممكنة، لا سيما وإن البنية التحتية لازالت هشة والإعتماد الكامل على تركيا وإيران. وبذلك إستمرارية العلاقات يجب أن تكون ضمن سياق الفائدة المتبادلة، وإعادة رسم ملامح جديدة ضرورة إستراتيجية لإنهاء الكثير من العوائق المتعلقة بربط قدرة إقليم كردستان بتلك العلاقات، وحصرها. وما يحتاجه النظام السياسي هو بناء علاقات دولية جديدة بمعزل عن تركيا وإيران، وتمكين تلك العلاقة وجذب الاستثمارات الغربية إلى الإقليم كبديل حقيقي عن الشركات التركية الإيرانية.
مرحلة بناء العلاقات الدولية
ندرك تماماً إن بناء العلاقات الدولية في ظل تشابك العلاقات الإستراتيجية مع تركيا وإيران ليس سهلاً، يحتاج ذلك إلى حنكة وسياسات متوازنة.
الظروف الموضوعية توضح عملية الفائدة المتبادلة بين إقليم كردستان وتركيا وإيران، وهذا يعني هناك حاجة متبادلة. حيث توفر ذلك القدرة على إستقلالية الخيارات الإقتصادية، وبناء مسارات جديدة مع القوى الغربية التي لها جذور في العلاقات والتواصل مع إقليم كردستان. ومقابل ذلك البدء بدعم البنية التحتية في إقليم كردستان، بدعم ذاتي وتوفير القرارات اللازمة، والحمية الغربية من خلال بناء الشركات والعمل الإقتصادي المشترك، وهذا ممكن في ظل تعطش الشركات الغربية إلى أسواق جديدة، وإقليم كردستان تملك بوادر وأرضيات مناسبة لذلك بمعزل عن العراق.