حضور الأسد صامتاً في قمة المنامة "الدلالات والمعاني"

Site management
0
د. حسين الديك
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
لطالما كان للدولة السورية حضوراً بارزاً في القمم العربية منذ تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945م، إذ كانت من الدول المؤسسة لها، وهذا الحضور تجلى بالمواقف التاريخية للدولة السورية في مناصرة القضايا العربية وأهمها القضية الجزائرية والقضية الفلسطينية، واحتضان سوريا لعدد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة الفصائل اليسارية، وكان التناغم السياسي المصري السوري يشكل ميزان القوى المؤثر في جامعة الدول العربية على مدى عقود من تأسيس جامعة الدول العربية، إضافة إلى التناغم السياسي السعودي السوري في تثبيت المعادلات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين، إذ كان للدولة السورية حضور قوي في المشهد السياسي اللبناني منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث شكل الوجود العسكري السوري في لبنان لفترة طويلة عاملاً قوياً ومؤثراً في تشكيل المشهد السياسي اللبناني لسنوات طويلة، ولكن التغيرات الإقليمية والدولية لعبت دوراً بارزاً في التأثير على الحضور السوري التقليدي العربي والإقليمي، وأصبح مع مرور لوقت حضوراً محدوداً وهامشياً، وبدا ذلك التراجع منذ العام 2005م إذ توج بانسحاب الجيش السوري من لبنان تحت ضغط المجتمع الدولي والشارع اللبناني بعد اغتيال رئيس الوراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14/2/2005م في العاصمة اللبنانية بيروت.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات السلمية والجماهيرية في العالم العربي والتي انطلقت من تونس، وانتقلت إلى عدد من الدول العربية، لم تكن سوريا بمنأى عن هذه الاحتجاجات والتظاهرات السلمية التي خرجت تطالب بالمزيد من الحريات المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية كغيرها من التحركات الجماهيرية في الدول العربية، ولكن اللافت في المشهد السوري كان هو التعامل مع تلك المظاهرات بالقوة الخشنة وتم قمعها بالقوة المفرطة والاعتقالات للأطفال والشيوخ والشباب والمعارضين السياسيين، ومع استمرار هذ النهج في التعامل مع المظاهرات وبعد مرور فترة من التظاهرات السلمية واستخدام كافة أنواع الأسلحة للقضاء على تلك المظاهرات مما أدى الى عسكرتها والدخول في مواجهات مسلحة ما بين المتظاهرين والنظام السوري.

تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية

جاء الموقف العربي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية حسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية(BBC) بعد أربعة اشهر من تحركات الجامعة العربية ووساطتها للتوصل الى حل للأزمة السورية، وبعد أن أيقنت جامعة الدول العربية بأن النظام يرفض التوصل إلى أي تفاهمات لوقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، قرر وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع لهم في القاهرة بتاريخ 12/11/2011م بتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية بتأييد (18) دولة ومعارضة ثلاث دولة هي(لبنان سوريا اليمن) وامتناع العراق عن التصويت، حتى تقوم سوريا بتنفيذ المبادرة العربية، وفرضوا عقوبات سياسية واقتصادية على سوريا وطالبوا الجيش السوري بوقف استخدام القوة ضد المتظاهرين، وطالبوا الدول العربية بسحب سفرائها من سوريا، ولكن تركوا تنفيذ هذا القرار لكل دولة وفق توجهاتها الداخلية كونه يعتبر قراراً سيادياً خالصاً لكل دولة.

وذكرت قناة الحرة الأمريكية إن قرار تعليق عضوية سوريا في شهر تشرين ثاني نوفمبر 2011م جاء بعد رفض النظام السوري وقف عمليات القمع العنيفة ضد المتظاهرين السوريين والتي بدأت في شهر آذار 2011م، وكان الموقف الدولي مؤيداً لهذا القرار بتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ، إذ رحبت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بهذا القرار واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح وفي شهر شباط 2012م سحبت دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين الكويت عمان السعودية الإمارات قطر )سفرائها من دمشق وأغلقت سفاراتها، إضافة إلى ذلك سمحت الجامعة العربية للمعارضة السورية في شغل مقعد سوريا في قمة الجامعة العربية في العام 2013م المنعقدة في الدوحة.

عودة سوريا إلى الجامعة العربية

أفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية واس إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية جاء بعد مشاورات كثيرة بين الدول الأعضاء حيث قرر وزراء الخارجية العرب في 7/5/2023م في اجتماع استثنائي في القاهرة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تعليقها لمدة (12)عام وتوج ذلك بمشاركة الأسد في القمة ال (32) في جدة في 19/5/2023م حيث استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس السوري بشار الأسد في جدة وشارك مشاركة طبيعة في القمة العربية آنذاك، بناء على تعهدات من الأسد بالتقدم في تنفيذ برنامج الإصلاحات وفق المبادرة العربية خطوة مقابل خطوة.

ولكن المشاركة في قمة البحرين كانت مشاركة صامته ودون أي كلمة أو خطاب وفقاً للبرتوكول المتعارف عليه في القمم العربية لكل الحاضرين سواء كانوا من الدول الأعضاء أو من الضيوف، من المنظمات أو الدول الصديقة، فكان عدم منح الأسد خطاباً في القمة العربية مؤشراً على ضعف الموقف السوري في المحيط العربي وعدم الرضى عن الخطوات التي قامت بها الحكومة السورية بعد عامين ما إعادة عضويتها إلى جامعة الدول العربية.

وفقا لموقع الحل نت الأمريكي فإن هناك عدد من الأسباب أدت إلى هذا الموقف من الجامعة العربية ضد الأسد أهم تلك الأسباب هو عدم قيام الأسد بتنفيذ أي من بنود المبادرة العربية المعروفة(خطوة مقابل خطوة) والتي تم اعتبار هذه المبادرة النقطة الأساسية لعودة سوريا للجامعة العربية اذا اشتملت تلك المبادرة على قضايا هامة، ولم يتم تحقيق أياً منها وخاصة المسار السياسي للتغير في سوريا بمشاركة كافة الفرقاء السوريين و ووقف استهداف المدنيين والقصف المستمر ضدهم، إضافة إلى استمرار التهديد الذي يشكله النظام السوري لدول الجوار وتهديد سلامتها وامنها القومي من خلال عصابات تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية ونقلها الى دول الجوار وتهديد الاستقرار الإقليمي لها وتسهيل النظام السوري العمل لتلك الجماعات ، والسبب الأخير هو التواجد الإيراني القوي والمستمر في سوريا إذ كان أحد أهم المطالب بقبول عودة سوريا إلى الجامعة العربية هو إخراج المنظمات الإيرانية من الأراضي السورية.

في تقرير لمعهد واشنطن لسياسيات الشرق الأوسط فانه وفق مبادرة (خطوة مقابل خطوة) فإن على النظام السوري إنهاء الأزمة المستمرة استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)والحفاظ على هوية الدولة السورية وتوفير كل المقومات اللازمة وتهيأة الظروف لعودة اللاجئين السورين طوعاً إلى ديارهم، والعمل على محاربة عصابات التهريب العابرة للحدود، وكان تشكيل اللجنة الوزارية العربية للاتصال حول سوريا من قبل جامعة الدول العربية لمتابعة تنفيذ هذه القضايا الهامة، إذ اجتمعت في شهر آب 2023م ولكن لم يتم تحقيق أي تقدم في تلك القضايا من قبل النظام السوري ، ورداً على ذلك كان هناك فتور في الموقف العربي من الأسد وخاصة من قبل مصر والأردن والسعودية، وكان مقرراً اجتماع تلك اللجنة في آذار 2024 ولكن الاجتماع تم الغاؤه بسبب عدم تقديم النظام السوري أي ردود أو إجابات حول الاستفسارات والمطالبات التي قدمتها اللجنة في الاجتماع الأخير في آب 2023م، والمتعلقة بالمسار السياسي وعودة اللاجئين وخروج المنظمات الإيرانية وكبح جماح عصابات التهريب عبر الحدود.

ذكرت صحيفة الوطن السورية أن مشاركة الأسد في القمة العربية ال (33) في المنامة ستكون مشاركة صامتة وبدون إلقاء كلمة، ولكنها سوف تركز على مواضيع المشاورات مع القادة العرب في القضايا العربية المطروحة على جدول الأعمال واهمها العلاقات العربية والقضية فلسطين، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالملف السوري والتي تتم متابعتها من قبل اللجنة الوزارية العربية المشكلة لذلك.

واستناداً إلى هذا الحضور الصامت في القمة العربية رقم (33) في المنامة وحسب ما أفادت قناة الحرة الأمريكية فان التعامل العربي مع الأسد قد فشل في ما يسمى إعادة تأهيل النظام وتشعر الكثير من الأطراف العربية وخاصة الأردن ودول الخليج بقلق عميق من موقف النظام السوري وخاصة في عدم محاربة مهربي المخدرات والسلاح وعدم توفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين واطلاق عمل اللجنة الدستورية ، إضافة الى ذلك فان الخلافات ارتفعت وتيرتها بين الأردن والنظام السوري بعد تهريب المزيد من السلاح عبر الحدود الأردنية، وبقيت بعض الدول العربية مصممة على موقفها برفض التطبيع مع النظام السوري وخاصة المغرب وقطر والكويت، وبناء على ما حصل في قمة المنامة فان هناك قناعة عربية أصبحت راسخة بأن الحوافز التي قدمتها الجامعة العربية لم تفلح في تغيير سلوك النظام السوري، وخاصة في قضايا الخلاف الجوهرية وهي خروج المنظمات الإيرانية ووقف تهريب السلاح والمخدرات واطلاق مسار سياسي يفضي غلى عودة اللاجئين السوريين وإقرار دستوري جديد للبلاد يفضي إلى تعددية سياسية وحماية للحقوق الحريات و مشاركة كافة الأطراف في النظام السياسي السوري المستقبلي.

تحذيرات المعارضة السورية تثبت صحتها

منذ الإعلان عن جهود عودة تمثيل سوريا في جامعة الدول العربية في مطلع العام 2023م كان هناك تحذيرات من المعارضة السورية من هذه الخطوة التي قد يستغلها النظام لمصالحه وعدم السير نحو الحل السياسي الذي ينشده الشعب السوري، في ظل استمرار النظام السوري في احتجاز المعارضين وسجنهم وملاحقتهم ورفض عودة اللاجئين واستمرار عمليات القصف والتدمير وعدم القيام بأية خطوات تؤسس لمسار سياسي حقيقي مستقبلي في سوريا.

وبينت شبكة سي ان ان الأمريكية أن تحفظات المعارضة السورية على عودة تمثيل النظام في الجامعة العربية ستمنحه المزيد من الشرعية أمام المجتمع الدولي، وهي مكافاة من قبل الجامعة العربية للنظام السوري على الجرائم التي قام بها بحق الشعب السوري منذ العام 2011م إلى يومنا هذا، والذي مازال يحتجز أكثر من (100)ألف معتقل سوري في سجونه، مؤكدة على أن إعادة تطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري هو تجاوز لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254).

إن الحضور الصامت للأسد في قمة الدوحة يعبر بكل وضوح عن تراجع في الموقف العربي من إعادة تأهيل النظام ويشكل نوع من المصداقية للتحذيرات التي قدمتها المعارضة السورية في أن الأسد يحاول كسب المزيد من الوقت ولم يقدم أي جديد في القضايا المطلوبة منه وأهمها المسار السياسي وإعادة اللاجئين السوريين ومكافحة تهريب السلاح والمخدرات وتهديد الأمن الإقليمي لدول الجوار العربي.

الخلاصة

على الرغم من الجهود الحثيثة التي قامت بها جامعة الدول العربية من أجل إعادة سوريا إلى الجامعة العربية استناداً إلى المبادرة المعروف (خطوة مقابل خطوة) ، كما يبدو أنه أصبح هناك قناعة لدى عواصم القرار العربي وعلى رأسها القاهرة والرياض أن النظام السوري غير جاد في تنفيذ الترتيبات والإجراءات المطلوبة حسب التفاهمات السابقة التي تمت ، وانه يحاول كسب المزيد من الوقت لعل التطورات المستقبلية الإقليمية والدولية تحقق بعض التحولات تكون لصالح النظام وحلفائه في منطقة الشرق الأوسط.

إن المشاركة الصامتة في قمة البحرين للأسد تشير بكل وضوح على تراجع الموقف العربي عن ما يسمى إعادة تأهيل النظام السوري وتمثيله بشكل طبيعي في جامعة الدول العربية، وأن الجامعة العربية تسير نحو تحول جديد في علاقتها مع النظام السوري في ظل تعثر المسيرة السياسية في سوريا واستمرار تهديد الأمن الإقليمي لدول الجوار وخاصة للمملكة الأردنية الهاشمية، وهذا يطرح بكل جدية السيناريو السابق في إمكانية إعادة تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية أو عدم دعوتها لحضور اجتماعات القمة واجتماعات اللجان المشتركة.

إضافة الى ذلك فان ثبات المواقف الدولية من النظام السوري وعلى رأسها موقف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يلقي بظلاله على عملية إعادة احتواء وتأهيل وتمثيل النظام السوري في الجامعة العربية، إذ تؤكد كافة التقارير الدولية أن حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي مازالت كبيرة في سوريا وأن المسار السياسي لازال بعيد المنال، ويوجد إصرار من قبل النظام السوري بعدم الانتقال الى أي مرحلة سياسية مستقبلية انطلاقاً من القرارات الدولية ذات العلاقة، ولذلك تتمسك كل من واشنطن وبروكسل في مواقفها في مقاطعة النظام السوري وعد التطبيع معه بل بتشديد العقوبات المفروضة عليه.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!