لماذا تدعم قطر مشروع التغيير الديموغرافي التركي في الشمال السوري؟

komari
1
بحث وإعداد: فريق الجيوستراتيجي للدراسات

خدمات قطر في سوريا ( مجانية أم لصالح أجندات مشبوهة؟ )
من المفارقات أن تكون قطر ضالعة في دعم العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري من بوابة تقديم الأموال اللازمة لإقامة مستوطنات للعرب السنة في المناطق الكردية، مع إن هؤلاء العرب تم تهجيرهم من مناطقهم الأصلية في الداخل السوري بموجب مخطط إيراني تركي لإفراغ المنطقة العربية السنة من السكان مقابل ترحيلهم إلى الحدود مع تركيا لإستخدامهم ضد القوات الكردية في الوقت الذي تنفذ الميليشيات الإيرانية مشروع السيطرة الشيعية على دمشق وباقي المناطق السورية.
تشير التقارير إلى دعم قطري سخي للمجاميع المتطرفة في سوريا (جبهة النصرة ) منذ 2012، وتمكينها من السيطرة على باقي المجاميع السورية منذ بداية الحراك، فيما ظهرت النوايا القطري لترحيل العرب السنة خلال عام 2015، حينما تورطت في عدة صفقات مع الإيرانيين والأتراك لتنفيذ عمليات التغيير الديموغرافي في المناطق الداخلية السورية، وكان أعظمها صفقة البلدات الأربعة التي نجمت عن ترحيل العرب السنة من ( الزبداني - مضايا ) بإتجاه الشمال السوري ولبنان وتسليم المنطقة إلى الميليشيات الشيعية. حيث تفاوض المسؤولين القطريين بشكل مباشر مع قائد فيلق القدس آنذاك قاسم سليماني.
إلى ذلك، ساهمت قطر بشكل مباشر في دفع الكثير من التشكيلات العسكرية للمعارضة السورية إلى تسليم مواقعها لصالح الميليشيات الإيرانية، مقابل تهجير هؤلاء السوريين برفقة المجموعات المسلحة إلى المخيمات التي جهزتها تركيا لأغراض تشكيل قوة عسكرية بديلة عن الجيش الحر وبتمويل قطري، ولكن هذه المرة لقتال الكرد وقواتهم المشتركة "سوريا الديمقراطية"، وأتضحت هذه التطورات عملية تعطيل القوى النارية للمعارضة ضد النظام والميليشيات الإيرانية التي سنحت لها المساحة والإمكانيات لتوسعة دائرة سيطرتها على المناطق العربية السنية

لم تقتصر الأهداف القطرية على تشتيت المعارضة السورية فحسب وإنما غيرت وجهتها من محاربة النظام إلى دعم الخيارات التركية في محاربة الكرد، والإلتهاء بالمواجهات الداخلية فيما بينها بعد تقسيمها على أساس متطرفين ومسلحين، وتقديم الدعم اللازم للطرف التركي في توظيفها على نحو خدمة الأمن القومي التركي من طرف، وإنهاء أية علاقات بين هؤلاء المجموعات كافة بسياسيها وعسكرييها مع المملكة العربية السعودية والإمارات، لا سيما بعد نشوب الصراع بين الرباعية العربية مع قطر لضلوع الأخيرة في دعم المجموعات المتطرفة وفي مقدمتها جماعة أخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا، والتسبب في زعزعة أمن وإستقرار الخليج العربي وتهديد مصالحها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.  
وفي ذات الوقت أدخلت قطر وسائلها الإعلامية المتعددة في الترويج للدولة التركية وإستراتيجياتها، لا سيما في سوريا وليبيا، ليظهر قطر حليفاً إستراتيجياً لتركيا في ظل المواجهات السياسية والإعلامية التي كانت تدار رحاها بين قطر والسعودية والإمارات ومصر، حيث وضعت قطر قواعد عسكرية تركيا على أراضيها ودعمت الخيارات التركية ضد الدول العربية، في الوقت الذي بدأت تركيا بتنفيذ مشاريعها العسكرية داخل الشمال السوري، وأستفتحت بإحتلال مناطق عفرين. ( المصدر )

قطر وتحقيق مشروع المجتمع المتجانس لصالح النظام السوري

شكلت الغالبية العربية السنية في المجتمع السوري هاجساً حقيقياً لنظام الأسد خلال العقود الأربعة التي سبقت الثورة، بحكم نُسِبَ النظام إلى الطائفة العلوية الحاكمة، بينما العنصر السني الموجود في الجيش ومؤسسات الدولة شكلي وغير مؤثر. وبما إن الثورة السورية أخذت مناحي طائفية بعد أقل من عامين على إنطلاقتها كنتيجة لخطابات كلا الطرفين وخاصة المعارضة العربية السنية، شكلت ذلك هاجساً حقيقياً لدى الأقليات الدينية في سوريا ودفعتها المخاوف عنوة إلى الإحتماء بالنظام، فيما الأسباب التي دفعت المعارضة السنية إلى تغليب لغة الطائفة والمذهب، يقف ورائها الإعلام والجماعات التي دعمتها قطر وأستولت في الكثير من النواحي على المجموعات المقاتلة للمعارضة السورية، والتمويل القطري تسبب في ظهور جبهة النصرة وأخواتها في المشهد السوري ليكونوا بديلاً عن الجيش الحر الذي تأسس بداياته بعيداً عن العقلية الطائفية. 
في واقع الأمر، شكلت الغالبية السنية عقبة حقيقية أمام النظام الذي أستعان بالمجموعات الشيعية في المحيط، تحت يافطة الحرب المذهبية (السنية - الشيعية) بعد إيقاظ مشاعر الثأر وإستحضار الصراعات الشيعية السنية عبر التاريخ، مقابل دفع مخابرات النظام لرجالاته داخل المعارضة السورية في الخارج والداخل وعلى رأس المجموعات المسلحة، وضمنها المتطرفين، ليساعدوا في التعبئة المذهبية ضد الشيعية والعلويين، حيث ساعد ذلك وهيج في واقع الأمر شرائح كبيرة من الشيعية في المنطقة للإنضمام إلى معارك الأسد تحت يافطة المخابرات الإيرانية. 
وقد ساعدت الوسائل الإعلامية القطرية وضمنها شبكة الجزيرة إلى جانب المجموعات السورية المتطرفة التي دعمتها بالتمويل داخل تركيا وفي بعض المناطق التي سيطرت عليها في الشمال الغربي، بعد توفير تركيا التدريب والتوجيه وعمليات تغيير المسار، في رفع مستوى الخطاب الطائفي ضد النظام، وهو ما ساعد على توظيفه من قبل المخابرات السورية في تهييج الميليشيات الشيعية في الدول المجاورة ودفعها للإلتحاق تحت مظلة الحرس الثوري الإيراني للقتال ضد العرب السنة في سوريا.
وهي الأسباب نفسها التي أستفاد منها النظام لتنفيذ مشروع التغيير الديموغرافي في المناطق الداخلية السورية والتخلص من الثقل الديموغرافي العربي السني لصالح تسليم هذه المناطق إلى العناصر الشيعية.
إستراتيجية النظام تطَلبَ إتفاقيات بين الإيرانيين والأتراك، لا سيما بعد التدخل العسكري الأمريكي لصالح القوات الكردية في محاربة الداعش، وبالرغم من سيطرة الداعش على مناطق شاسعة في الحدود مع تركيا، لم يجد النظام التركي هذا التواجد خطراً عليها، فيما أعلنت رفضها لأي دعم أمريكي للقوات الكردية في محاربة الداعش، ورأت هذا الداعم بمثابة تهديد لأمنها القومي. فيما وسعت إيران تدخلها البري من خلال الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والفارسية من إيران وأفغانستان، وبدأت بعمليات التطهير العرقي ضد المجاميع العربية السنية حول دمشق وحلب وحمص. في الوقت الذي تدخل روسياً جوياً لدعم النظام السوري.

وجدت تركيا هذه التحولات الدراماتيكية فرصة مهمة لتدخلها العسكري إلى مناطق تقطع شرق الفرات عن غربها، فبدأت بإحتلال جرابلس والباب وإعزاز عبر إتفاقيات ضمنية مع الداعش لإخلائها والتوجه جنوباً، بينما دخل الجيش التركي برفقة المجاميع المسلحة السورية التي جمعتها سابقاً لمهمة الإستيلاء على هذه المناطق. وكان الهدف واضح، وهو قطع الطريق أمام القوات الكردية التي طورت من إمكانياتها بعد تشكيل تحالف دولي لدعمها إلى جانب تشكيل مجاميع عربية أسست معها قوات سوريا الديمقراطية.
بالنسبة لتركيا شكل هذا التطور ناقوس خطر كبير، بالرغم إن الأمريكيين طمأنوها بإعتبار تركيا حليف إستراتيجي وعضو في حلف الناتو، حيث صرحت مراراً بأن الدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية هدفه محاربة الإرهاب فقط، إلا أن الطرف التركي لم ينتظر عمليات القضاء على الداعش وإنما لجئ إلى تشكيل قوى عسكرية للمعارضة السورية وفق تفصيلها الخاص، وبدعم وتمويل كبير من قطر التي كانت تخوض نزاعاً مع السعودية والإمارات ووجدت في تركيا حليفاً إستراتيجياً لها لكسر الحصار العربي حولها مقابل تمكين تركيا من أهدافها الخاصة في الشمال السوري.
على الأرجح لعبت قطر دوراً محورياً في الإتفاقيات الإيرانية - التركية في سوريا، حيث تميزت العلاقات القطرية الإيرانية خلال إتفاق المدن الأربعة، إلى جانب التشجيع القطري في إفراغ المناطق العربية السنية لصالح الميلشيات الشيعية، ودعم إستراتيجية تهجير السنة إلى الشمال الغربي، بغية تكوين إمارات إنفصالية للجماعات المتطرفة، وتوكيل أمرها إستخباراتياً للأتراك الذين أستثمروا ذلك في الهجوم على القوات الكردية. 

وخلال أغسطس 2017 تحدث بشار الأسد حول "المجتمع المتجانس"، حيث تم تنفيذ مشروع تهجير أكثر من ٧ مليون عربي سني من المناطق الداخلية السورية ليحل مكانهم الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً. وبذلك تم القضاء على الغالبية العربية السنية بعد تهجيرهم إلى المناطق الشمالية حيث كانت تحضر تركيا للتدخل العسكري إلى المناطق الكردية، بهدف تفريغ المنطقة من الكرد وإستطيانها بالعرب السنة الذين تم تهجيرهم من الغوطة الدمشقية وحمص وحلب وغيرها.

إستمرار مشروع الإستطيان التركي بدعم قطري وجماعات الأخوان المسلمين

تحت عباءة الهلال الأحمر والإغاثة، تعمل الجهات القطرية الرسمية منذ 2018 على تنفيذ مشاريع الإستيطان العربي التركماني في المنطقة الكردية من خلال بناء أكثر من 14 قرية تتكون من آلاف الشقق السكنية، إلى جانب إفتتاح الاسواق والتجمعات والمرافق المستدامة التي تشجع المستوطنين وتساعدهم في تثبيت التغيير الديموغرافي.
وتتوزع هذه المستوطنات في عدة مناطق وقرى بريفي عفرين وقباسيين، حيث كثف الهلال الأحمر القطري نشاطاته منذ الإحتلال الذي نفذه الجيش التركي والمجموعات المهجرة من دمشق وحمص وغيرها بإتفاقيات رسمية مع الروس والإيرانيين والنظام السوري، وبادرت إلى إنشاء عدة مستوطنات واسعة في المناطق الكردية غرب نهر الفرات. 
دعمت قطر النوايا التركية في تثبيت التغيير الديموغرافي بكل الوسائل المالية والمستلزمات التي تساعد على ذلك، حيث نقلت الآلاف من مساكن الطوب الجاهزة خلال عام ٢٠٢٢ إلى الشمال السوري والتي كانت تستخدمها لإستقبال مشجعي كأس العالم التي أقيمت في قطر خلال نفس العام. 
حيث جاء الدعم القطري بعد إعلان أردوغان عن مشروع منازل الطوب في 2022، وبموجبها تم الإعلان عن الإفتتاح الرسمي للمشروع الذي بني في 250 نقطة مختلفة من 13 منطقة، ولا سيما في عفرين وإعزاز وجرابلس وتل أبيض ورأس العين وقباسيين، وتم تنفيذ "خلال نفس العام" لعدد تجاوز 57306 من أصل 77 ألفا مسكن. حيث ساهم ذلك بإستيطان ما يقارب نصف مليون لاجئ سوري إلى القرى والمجاميع الإستيطانية داخل المناطق المحتلة. 
وخلال السنوات الخمسة الماضية أستطاعت تركيا جذب عدد كبير من المنظمات والجمعيات المتعلقة بحركة أخوان المسلمين في المنطقة العربية وأوروبا، فيما كان الدعم القطري سخي جداً في منح تركيا الإمكانيات المطلوبة لبناء عدد كبير جداً من المستوطنات.
بتاريخ 9 يوليو 2023 أنشأ الهلال الأحمر القطري وهيئة آفاد التركي عدة مستوطنات تحت مسمى ( روافد الخير والإنسانية أولاً)، الأولى بناحية آخترين والثانية في ريف منطقة قباسين، وتتألف من ألاف المنازل والمرافق المستدامة التي تثبت عمليات الإستيطان. 
كما ضمت الشهور الثلاثة من صيف 2023 تحركاً قطرياً واسعاً لشراء الأراضي والمواقع بغية بناء مستوطنات جديدة وفق تقارير أظهرت حجم المشاركة في تثبيت الإستيطان العربي السني داخل المنطقة الكردية وإبعادهم عن موطنهم الأصلي في الغوطة وحمص وحلب ودير الزور. مشروع الوحدات السكنية في الشمال السوري
بتاريخ 28 مايو 2024 أعلن “الهلال الأحمر القطري” عن إفتتاح تجمعين سكنيين بإجمالي 1,136 شقة، لإيواء الآلاف من المستوطنين العرب في محيط قرية سوسنباط الكردية شمال الباب ( ريف قباسيين ).
وخلال العام الحالي 2024 كثفت الجمعيات والمنظمات المرتبطة بالدولة القطرية جهودها لبناء المستوطنات وتثبيت الأعمال التركي في التغيير الديموغرافي في غرب الفرات، وقد نشر الهلال الأحمر القطري ما تسميها جهود بناء المساكن للنازحين السوريين، فيما القوائع على الأرض تشير إلى الجهود القطرية الكبيرة لتثبيت المخططات التركية في أستيطان العرب السنة والتركمان في المنطقة الكردية.

تنويه: يسمح بنسخ أو نشر المادة، شريطة أن يذكر المصدر الرسمي : شبكة الجيوستراتيجي للدراسات.

16 حزيران/ يونيو  2024

إرسال تعليق

1تعليقات

  1. قطر تمد رجليها أكثر من طول لحافها وبالتالي سوف يأتي زمن محاسبتها على تدخلاتها السافرة في الشأن السوري. وإن غدا لناظره قريب

    ردحذف
إرسال تعليق

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!