خاص/ هيئة تحرير الجيوستراتيجي للدراسات
منذ تأسيس المجلس الوطني الكردي (ENKS) عام 2011 كجزء من الحركة الكردية المعارضة للنظام السوري، كانت علاقاته مع اللاعبين الإقليميين والدوليين عاملاً رئيسيًا في تحديد مواقفه السياسية. يمكن القول إن المجلس الوطني الكردي تبنى نهجًا براغماتيًا يوازن فيه بين مصالحه الذاتية ورؤية تركيا للملف الكردي، وهو الأمر الذي ساهم في استمرار تعامله مع الائتلاف السوري والدولة التركية، في الوقت الذي تجنب فيه التوصل إلى اتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وإدارته الذاتية. لفهم هذه الديناميكية، يجب تحليل العلاقة بين المجلس الوطني الكردي وتركيا من جهة، وبين المجلس والإدارة الذاتية من جهة أخرى.
التحالف مع الائتلاف السوري ودور تركيا
منذ انضمام المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في عام 2013، كانت تركيا داعمة رئيسية للائتلاف. تعتبر تركيا المجلس الوطني الكردي حليفًا مهمًا في جهودها للتصدي لطموحات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في شمال سوريا. بالنسبة لأنقرة، التي ترى في حزب الاتحاد الديمقراطي امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية، فإن تعزيز المجلس الوطني الكردي هو خطوة استراتيجية لمواجهة نفوذ PYD.
تعمل تركيا على تحقيق مصالحها الأمنية في المنطقة من خلال ضمان عدم تمكين حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على المناطق الكردية في سوريا بشكل كامل. في هذا السياق، يعتبر المجلس الوطني الكردي ورقة ضغط بيد تركيا لتحقيق التوازن ضد PYD. استمرار التعامل مع الائتلاف والاحتفاظ بعلاقة متينة مع أنقرة يضمن للمجلس الوطني الكردي دورًا في المشهد السياسي المعارض السوري، ويمنحه دعمًا لوجستيًا وسياسيًا في الوقت الذي تستمر فيه تركيا في رفض أي دور مهيمن لـ PYD في شمال سوريا.
المصالح المتبادلة: الاقتصاد والسياسة
علاوة على الاعتبارات الأمنية، فإن المصالح الاقتصادية والسياسية تلعب دورًا هامًا في تحديد مواقف المجلس الوطني الكردي. يُعتقد أن للمجلس علاقات وثيقة مع رجال الأعمال الأكراد في تركيا، والذين يرتبطون بدوائر السلطة التركية. هذه العلاقة توفر للمجلس تمويلاً ودعماً اقتصادياً يسهم في استمراريته كقوة سياسية معارضة.
من ناحية أخرى، يدرك المجلس الوطني الكردي أن تركيا لها ثقل دولي وإقليمي يجعل من التحالف معها أمرًا حيويًا للمحافظة على مصالحه في مرحلة ما بعد الحرب. في حالة سقوط النظام السوري، ستسعى تركيا إلى التأثير على صياغة الدستور السوري الجديد، وهي نقطة يرغب المجلس في أن يكون له فيها دور فعّال للحفاظ على حقوق الكرد في سوريا.
الانقسام الكردي: غياب الثقة
بالرغم من التفاهمات التي حاولت قوى كردية محلية ودولية الوصول إليها بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أن هذه التفاهمات لم تثمر عن نتائج ملموسة. يعود ذلك إلى غياب الثقة العميق بين الجانبين.
من جهة، يتهم المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي باحتكار السلطة في المناطق الكردية، وعدم استعداده لتقاسم السلطة بشكل عادل. كما أن الممارسات القمعية التي اتهمت بها قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية ضد أحزاب المجلس الوطني الكردي قد زادت من تعميق الخلاف بين الطرفين.
من جهة أخرى، يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي أن المجلس الوطني الكردي يتبنى سياسات تتماشى مع الأجندة التركية، ويعتقد أن أي اتفاق مع المجلس قد يؤدي إلى تقويض مشروعه في تحقيق الحكم الذاتي للكرد في سوريا.
دور العامل التركي في منع الاتفاق مع الإدارة الذاتية
العامل التركي هو الأبرز في موقف المجلس الوطني الكردي الرافض للوصول إلى اتفاق شامل مع الإدارة الذاتية. تسعى تركيا إلى إضعاف أي محاولة لإنشاء كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، وتعتبر الإدارة الذاتية بقيادة PYD تهديدًا لأمنها القومي. لذلك، فإن أي محاولة من المجلس الوطني الكردي للتقارب مع الإدارة الذاتية قد يُنظر إليها من قبل أنقرة على أنها خيانة للتحالف القائم، مما قد يؤدي إلى فقدان المجلس لدعم تركيا والائتلاف.
تركيا تستفيد من استمرار حالة الانقسام الكردي في سوريا، حيث يتيح لها ذلك استغلال الاختلافات لصالحها وتحقيق أهدافها في الحد من أي تطور كردي على غرار إقليم كردستان العراق. المجلس الوطني الكردي، الذي يدرك تأثير تركيا الكبير على القضية السورية، يفضل البقاء في صف أنقرة، خصوصًا أن المصالح المشتركة تربط الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية.
المصالح فوق الوحدة الكردية
في نهاية المطاف، يمكن القول إن المجلس الوطني الكردي يفضل التعامل مع الائتلاف السوري والدولة التركية نظرًا لما توفره هذه العلاقة من دعم سياسي واقتصادي، وحتى لوجستي. يبدو أن المجلس يرى في الحفاظ على هذه المصالح أولوية تتفوق على تحقيق وحدة كردية شاملة مع حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية. فالخلافات العميقة بين الأطراف الكردية، بالإضافة إلى التأثير الكبير لتركيا على سياسات المجلس الوطني الكردي، تجعل من الوصول إلى اتفاق بين المجلس والإدارة الذاتية أمرًا بالغ الصعوبة في المدى المنظور.
بهذا الشكل، يظهر المجلس الوطني الكردي كطرف يسعى إلى الحفاظ على موقعه في المعادلة السورية، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الصف الكردي، مستندًا إلى تحالفاته مع قوى إقليمية مثل تركيا التي تظل تعتبر المشروع الكردي المستقل تهديدًا لأمنها القومي.