تحليل جيوسياسي لـ إبراهيم كابان/ خاص: الجيوستراتيجي للدراسات
قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي تحالف عسكري مكون بشكل أساسي من وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وقوات عربية وسريانية وبعض المكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا. لعبت قسد دورًا حاسمًا في القتال ضد تنظيم "داعش" بمساعدة الولايات المتحدة والتحالف الدولي. على الرغم من ذلك، لا تحظى هذه القوات بدعم رسمي من الدول العربية، بالرغم من مشاركة بعض الدول العربية في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الداعش، وفي مقدمتهم الإمارات العربية المتحدة والسعودية والإمارات، وتقديمهم دعمًا جويًا واستخباراتيًا، إلا أن العلاقات لم تصل بين هذه الدول وقوات سوريا الديمقراطية إلى مستوى عميق. وهو أمر يثير التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف،
التوترات الإقليمية والقومية
إحدى الأسباب الرئيسية لعدم تقديم الدعم العربي لقوات سوريا الديمقراطية هو التركيبة القومية لهذه القوات، حيث تشكل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لهذه القوات. الدول العربية بشكل عام، وخصوصًا دول مثل العراق وتركيا (رغم أنها غير عربية)، تنظر بحذر إلى أي حركة كردية تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، خوفًا من تعزيز النزعة الانفصالية لدى الكُرد داخل حدودها. في هذا السياق، فإن دعم قسد قد يُعتبر تشجيعًا ضمنيًا للطموحات الكردية القومية، وهو ما يتعارض مع المصالح الوطنية لبعض الدول العربية التي تحتوي على سكان أكراد.
العلاقات مع تركيا
تركيا تُعتبر أحد الأطراف الأكثر عداءً لقوات سوريا الديمقراطية بسبب صلتها بوحدات حماية الشعب الكردية، والتي تُعتبر امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا وبعض الدول الأخرى. وبالتالي، فإن أي دعم عربي لقوات سوريا الديمقراطية قد يُعتبر تحديًا مباشرًا لتركيا، مما يعرض العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أنقرة للخطر. الدول العربية، وخاصة دول الخليج، تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا في مجالات التجارة والأمن، ولذلك فهي تتجنب دعم قسد للحفاظ على هذه المصالح.
التحالفات الدولية والإقليمية
القوات السورية الديمقراطية تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري واللوجستي من الولايات المتحدة والتحالف الدولي في حربها ضد "داعش". ولكن في السياق العربي، العديد من الدول العربية لها علاقات دبلوماسية وأمنية قوية مع الولايات المتحدة لكنها تتبنى سياسات مختلفة بناءً على حسابات إقليمية معقدة. معظم الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، تعطي الأولوية لدعم قوى المعارضة السورية التقليدية التي تقف ضد النظام السوري، وغالبًا ما تعتبر أن دور الأكراد يشوش على هذا المشهد السياسي المعقد.
النظرة إلى وحدة سوريا
الدول العربية بشكل عام تدعم رسميًا وحدة الأراضي السورية. ومع أن قسد لم تعلن نية واضحة للانفصال الكامل عن سوريا، إلا أن سيطرتها على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد وإدارتها الذاتية تُثير قلق بعض الدول العربية التي ترى في ذلك بداية لتفكك سوريا. دعم قوات تسعى إلى إقامة إدارة ذاتية أو أي شكل من أشكال الاستقلال الجزئي قد يتناقض مع الموقف العربي الذي يؤكد الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها.
عدم الثقة في القوى غير الحكومية
التاريخ العربي مليء بالتحفظات تجاه دعم القوى غير الحكومية المسلحة، حيث يُنظر إليها غالبًا على أنها تهديد لاستقرار الدول القومية. الدول العربية، وخاصة تلك التي عانت من حروب أهلية واضطرابات داخلية، كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، لا تميل إلى دعم قوات غير حكومية يمكن أن تزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي. قوات سوريا الديمقراطية، رغم أنها تُعتبر من قبل العديد من الجهات قوة تحررية ضد داعش، إلا أنها تظل قوة عسكرية غير حكومية، وهذا يثير القلق لدى الدول العربية التي تخشى من أن تصبح هذه القوات نواة لحركة انفصالية أو قوة موازية تُهدد السيادة الوطنية.
الاعتبارات الطائفية
التركيبة الطائفية والإثنية لسوريا تُعتبر عاملاً إضافيًا. بعض الدول العربية السنية، مثل السعودية والإمارات، تميل لدعم الفصائل المعارضة ذات الطابع السني التي تقاتل ضد النظام السوري المدعوم من إيران. في حين أن قوات سوريا الديمقراطية تُعتبر علمانية وليست طائفية، إلا أن بعض القوى الإقليمية تراها قريبة من القوى الشيعية أو تلك المدعومة من الولايات المتحدة، مما يجعلها غير جذابة لبعض الدول العربية التي تسعى لتحقيق توازن طائفي في الصراع السوري.
الخلاصة
يمكن القول إن عدم دعم الدول العربية لقوات سوريا الديمقراطية يعود إلى مجموعة من العوامل المعقدة، بما في ذلك المخاوف من النزعة الانفصالية الكردية، والعلاقات مع تركيا، والتحالفات الدولية، والالتزام بوحدة الأراضي السورية، وكذلك التوجس من دعم قوى غير حكومية. يُضاف إلى ذلك الاعتبارات الطائفية والسياسية التي تجعل الدول العربية تتبنى موقفًا حذرًا تجاه دعم أي طرف غير الحكومة المركزية في دمشق.