إعداد التقرير: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
تُعد العلاقات السعودية الإيرانية واحدة من أبرز العلاقات في منطقة الشرق الأوسط التي لطالما شابها التوتر والصراع، نتيجة الاختلافات العقائدية والسياسية، فضلاً عن المنافسة على النفوذ الإقليمي. تتسم هذه العلاقات بالتناقضات المتعددة التي تشمل قضايا دينية، سياسية، أمنية واقتصادية. وفيما كانت هناك فترات من الحوار والتقارب، إلا أن الصراع ظل السمة الغالبة على طبيعة هذه العلاقة عبر العقود. يهدف هذا البحث إلى استعراض محاور الصراع السعودي الإيراني، جذوره التاريخية، وتداعياته على الساحة الإقليمية والدولية.
أولاً: الجذور التاريخية للصراع السعودي الإيراني بدأت جذور الصراع السعودي الإيراني تتشكل منذ القرن العشرين، إلا أن الاختلافات التاريخية والعقائدية بين الجانبين تعود إلى أزمنة أبعد من ذلك. تقليديًا، ترتكز العلاقات بين البلدين على تباين مذهبي: السعودية تمثل مركز العالم السني، بينما تعتبر إيران مركزًا للعالم الشيعي.
الثورة الإيرانية عام 1979: كانت الثورة الإسلامية في إيران نقطة تحول هامة في العلاقة بين البلدين. فبعد الإطاحة بنظام الشاه، وتأسيس جمهورية إسلامية بقيادة آية الله الخميني، بدأت إيران بتصدير أيديولوجيتها الثورية إلى المنطقة، وهو ما اعتبرته السعودية تهديدًا مباشرًا لنظامها الملكي ولمكانتها الدينية في العالم الإسلامي. الخلاف الأساسي كان حول طبيعة الحكم الإسلامي، حيث تبنت إيران فكرة "ولاية الفقيه"، في حين تعتمد السعودية على المذهب الوهابي السلفي.
الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988): دعمت السعودية العراق في حربه ضد إيران، مما زاد من تفاقم العلاقات بين الرياض وطهران. كان دعم السعودية للعراق جزءًا من استراتيجية إقليمية لمنع إيران من تصدير ثورتها إلى باقي دول المنطقة.
ثانيًا: المنافسة على النفوذ الإقليمي تسعى كل من السعودية وإيران إلى توسيع نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما أدى إلى صدامات سياسية وأمنية في عدة دول.
لبنان: تُعد لبنان ساحة رئيسية للمنافسة بين السعودية وإيران. ففي الوقت الذي تدعم فيه إيران "حزب الله"، أحد أقوى الحركات الشيعية المسلحة في لبنان، تقدم السعودية الدعم للتيارات السنية والحكومة اللبنانية المعارضة لنفوذ حزب الله. أدى هذا إلى تكريس الانقسام الطائفي والسياسي في لبنان، حيث ترى السعودية في حزب الله تهديدًا لاستقرار لبنان، بينما تراه إيران حليفًا استراتيجيًا.
العراق: بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، شهد العراق تحولاً جذريًا في المشهد السياسي، حيث ازداد نفوذ القوى الشيعية المدعومة من إيران. السعودية كانت متخوفة من تنامي النفوذ الإيراني في العراق، خاصة مع صعود التيارات الموالية لطهران. مثلت هذه الفترة بداية لمرحلة جديدة من التوترات بين البلدين، حيث سعت السعودية إلى تقليص نفوذ إيران في العراق عبر دعم الجماعات السنية.
اليمن: يُعد اليمن واحدًا من أبرز ساحات الصراع المباشر بين السعودية وإيران. بدأ الصراع يتصاعد بعد سيطرة الحوثيين، المدعومين من إيران، على صنعاء في 2014. رأت السعودية في تقدم الحوثيين تهديدًا لأمنها القومي، خاصة وأن الحوثيين متحالفون مع إيران. وقد قادت السعودية تحالفًا عسكريًا منذ عام 2015 لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين. يُعد الصراع في اليمن مثالًا حيًا للحرب بالوكالة بين الرياض وطهران.
ثالثًا: التوترات الأمنية والسياسية بالإضافة إلى المنافسة الإقليمية، شهدت العلاقات السعودية الإيرانية سلسلة من الحوادث الأمنية والسياسية التي زادت من تفاقم التوتر.
حادثة الحرم المكي 1987: خلال موسم الحج عام 1987، اندلعت مواجهات بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الحجاج. إيران ألقت باللوم على السعودية في الحادث، مما أدى إلى تدهور حاد في العلاقات بين البلدين.
الهجوم على السفارة السعودية في طهران 2016: في أعقاب إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر في يناير 2016، تعرضت السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد لهجوم من قبل محتجين إيرانيين. ردت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، مما أدى إلى تدهور العلاقات إلى أدنى مستوياتها في تلك الفترة.
رابعًا: تأثيرات الصراع السعودي الإيراني على المنطقة
الصراعات الطائفية: أدى الصراع بين السعودية وإيران إلى تأجيج التوترات الطائفية في العديد من دول المنطقة، مثل العراق، سوريا، اليمن، ولبنان. في هذه الدول، تسعى كل من الرياض وطهران إلى دعم حلفائها الطائفيين والسياسيين، مما أسهم في زيادة العنف والانقسامات الطائفية.
النظام الإقليمي في الخليج: يعتبر مجلس التعاون الخليجي محورًا هامًا في السياسات السعودية الإقليمية. ومن خلال هذا المجلس، سعت السعودية إلى حشد الدعم ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة من الدول الخليجية الصغيرة مثل البحرين والكويت، التي تواجه تحديات أمنية بسبب الطوائف الشيعية داخل حدودها.
خامسًا: محاولات التهدئة والتقارب على الرغم من الصراع الطويل بين السعودية وإيران، شهدت العلاقات بين البلدين بعض المحاولات للتهدئة.
محاولات الحوار: في عدة مناسبات، حاولت الدولتان الدخول في محادثات لتخفيف التوترات، مثل الوساطات التي قامت بها دول مثل العراق وسلطنة عمان. في بعض الأحيان، كانت هذه المحادثات تؤدي إلى تهدئة مؤقتة، إلا أن الخلافات العميقة ظلت تشكل عائقًا أمام تحقيق تقارب حقيقي.
التغيرات الأخيرة: خلال الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد عام 2021، بدأت تظهر مؤشرات على توجه نحو الحوار المباشر بين الرياض وطهران. ساهمت عدة عوامل دولية وإقليمية في دفع الجانبين نحو التفكير في تهدئة الصراع، مثل التغيرات في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وتأثيرات جائحة كوفيد-19 على الاقتصاديات المحلية.
الإستنتاج:
العلاقات السعودية الإيرانية متجذرة في التباين العقائدي والمذهبي، إضافة إلى المنافسة الجيوسياسية. ورغم فترات من التقارب الحذر، إلا أن التوترات ظلت السمة الغالبة على هذه العلاقة. يُعد الصراع السعودي الإيراني واحدًا من أهم المحركات للصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث يؤثر بشكل مباشر على استقرار دول مثل اليمن، العراق، وسوريا.