إسرائيل وعملية فك محور المقاومة

Site management
0
تحليل استراتيجي لـ فريق الجيوستراتيجي للدراسات
في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات كبيرة أدت إلى تحولات جذرية في توازن القوى الإقليمية. ومن أبرز هذه التحولات هو ما يمكن اعتباره "تفكيك" أو إضعاف متزايد لمحور المقاومة الذي تشكل منذ سنوات ويضم عدة أطراف مثل حركة حماس في غزة، حزب الله في لبنان، والنظام السوري، بالإضافة إلى الحركات الشيعية في العراق والحركة الحوثية في اليمن. يبدو أن إسرائيل، إلى جانب حلفائها، تنتهج استراتيجية طويلة الأمد لتفكيك هذه المحور، مستغلة الديناميات الداخلية والخارجية لكل طرف على حدة.
الإستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك هذا المحور عبر وسائل مختلفة تشمل:
1. العمليات العسكرية: مثل الغارات الجوية التي تستهدف مواقع عسكرية أو لوجستية للفصائل المسلحة في سوريا ولبنان، وأحيانًا داخل الأراضي الفلسطينية.
2. الضغط الدبلوماسي والدولي: باستخدام التحالفات الدولية، وخاصة مع الولايات المتحدة ودول غربية، لفرض عقوبات اقتصادية على إيران وحلفائها أو للضغط سياسيًا على دول المنطقة.
3. التطبيع مع الدول العربية: حيث تحاول إسرائيل كسر العزلة الإقليمية من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع دول عربية وإسلامية، ضمن اتفاقيات "إبراهام" وغيرها، بهدف تقليص الدعم العربي لمحور المقاومة.
4. الحرب النفسية والإعلامية: تسعى إسرائيل إلى استخدام الإعلام والدعاية للتأثير على الرأي العام في دول المنطقة وإثارة الشكوك حول فاعلية وجدوى محور المقاومة.
هذه الجهود تأتي في إطار استراتيجيات أوسع لإضعاف نفوذ إيران في المنطقة والحد من التهديدات التي تشكلها جماعات المقاومة المسلحة على الأمن الإسرائيلي.

1. غزة وحركة حماس: بدأت الحملة الإسرائيلية الأخيرة على محور المقاومة من خلال استهداف حركة حماس في قطاع غزة. بعد سنوات من العمليات العسكرية، يبدو أن حماس تتعرض لضغوط غير مسبوقة من إسرائيل، بالإضافة إلى الخلافات الداخلية والتوترات مع السلطة الفلسطينية. الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، والتي كانت تتميز باستخدام التكنولوجيا المتطورة والقوة الجوية المكثفة، أدت إلى إضعاف قدرات حماس العسكرية بشكل كبير.

التحليل: 

القضاء شبه الكامل على القدرات العسكرية لحركة حماس قد يعتبر انتصاراً استراتيجياً لإسرائيل في المدى القريب. ومع ذلك، فإن حماس حركة شعبية تتلقى دعماً داخلياً كبيراً، وقد تكون قادرة على إعادة بناء قدراتها على المدى الطويل. لكن إسرائيل تسعى لاستغلال هذا الضعف لتفكيك القاعدة الشعبية والسياسية للحركة في غزة، وربما تمهد لتغييرات داخلية في إدارة القطاع.

2. حزب الله في لبنان: بعد غزة، توجهت الأنظار إلى حزب الله في لبنان، الذي يمثل التهديد الأكبر لإسرائيل في الجبهة الشمالية. لقد شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً في العمليات العسكرية ضد مواقع حزب الله ومخازن الأسلحة. إسرائيل تركز بشكل أساسي على تفكيك البنية التحتية العسكرية للحزب عبر ضربات جوية وصاروخية مكثفة.

التحليل: 

حزب الله يمتلك قدرات عسكرية أكبر بكثير من حماس، إضافة إلى دعم قوي من إيران. لكن هناك عدة عوامل داخلية قد تسهم في إضعاف الحزب، من بينها الأزمة الاقتصادية اللبنانية الحادة، وتزايد الانتقادات الداخلية لدوره في النزاعات الإقليمية وتورطه في الحرب السورية. ضربات إسرائيل الأخيرة قد تؤدي إلى تقليص قدرات الحزب، لكنها لن تستطيع على الأرجح القضاء عليه بشكل كامل، نظراً لأن الحزب يمثل قوة عسكرية وسياسية متجذرة في النسيج الاجتماعي اللبناني. مع ذلك، فإن الهدف الإسرائيلي هو إضعاف قدرة الحزب على تهديد أمنها وتقليص نفوذه في الساحة اللبنانية.

3. النظام السوري: رغم أن النظام السوري هو جزء من محور المقاومة، فإنه يبدو خارج دائرة الصراع المباشر في هذه المرحلة. بعد سنوات من الحرب الأهلية، تحول النظام السوري إلى لاعب ضعيف نسبياً في الساحة الإقليمية، على الرغم من استمراره في الحكم بدعم من روسيا وإيران.

التحليل: 

استهداف النظام السوري في هذه المرحلة قد لا يكون أولوية بالنسبة لإسرائيل، حيث أن تركيزها ينصب على الحركات المسلحة التي تمتلك قدرة على تهديد أمنها بشكل مباشر. النظام السوري، المنهك من سنوات الحرب، لا يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل في الوقت الحالي، لكنه لا يزال داعماً لحزب الله والحركات الفلسطينية المسلحة. بالتالي، استهداف سوريا قد يتم في حال كانت هناك حاجة إلى تعطيل طرق إمداد السلاح أو تهديد مصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة.

4. الحركة الحوثية: الحركة الحوثية في اليمن جزء مهم من محور المقاومة نظراً لعلاقتها الوثيقة مع إيران، لكن الحملة السعودية والإماراتية ضد الحوثيين أدت إلى إضعاف قدرتهم على التأثير في الساحة الإقليمية خارج اليمن.

التحليل: 

الحركة الحوثية تشكل تهديداً للمصالح الإقليمية السعودية والإماراتية أكثر من كونها تهديداً مباشراً لإسرائيل. ومع ذلك، نجاح التحالف بقيادة السعودية في تحجيم قدرات الحوثيين يجعل محور المقاومة بشكل عام في وضع أضعف، خاصة من ناحية التمويل والإمداد اللوجستي. إسرائيل قد ترى في الحد من نفوذ الحوثيين مكسباً غير مباشر في إطار تفكيك المحور.

5. الميليشيات العراقية: الميليشيات العراقية التي تتلقى دعماً من إيران تلعب دوراً محورياً في الصراع الإقليمي، حيث تشكل جزءاً من النفوذ الإيراني في العراق وسوريا. إسرائيل استهدفت عدة مرات مواقع لميليشيات مدعومة من إيران في سوريا والعراق، حيث تعتبرها خطراً مباشراً على أمنها.

التحليل: 

الميليشيات العراقية تلعب دوراً مهماً في الاستراتيجية الإيرانية لتوسيع نفوذها الإقليمي، لكن تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية ضدها، بالإضافة إلى التوترات السياسية الداخلية في العراق، قد يحد من قدرتها على العمل بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، انسحاب القوات الأمريكية من العراق يجعل الساحة مفتوحة أمام تنافس داخلي بين الفصائل المختلفة، مما قد يسهم في إضعاف محور المقاومة بشكل عام.

الخلاصة: 

إسرائيل، بالتعاون مع حلفائها، تنتهج سياسة التفكيك التدريجي لمحور المقاومة عبر استهداف الأطراف المختلفة حسب ظروف كل ساحة. بينما نجحت في تحقيق تقدم في غزة ضد حماس، والتسبب في أضرار كبيرة لحزب الله، تبقى هذه الصراعات جزءاً من ديناميات أوسع في المنطقة. الأوضاع الداخلية في لبنان وسوريا، إضافة إلى الضغوط على إيران، قد تسهم في إضعاف محور المقاومة بشكل أكبر، لكن من غير المرجح القضاء عليه بالكامل في المستقبل القريب. إسرائيل تسعى لتقليص قدرات المحور العسكرية وتقليص نفوذه السياسي، مع الاستمرار في تنفيذ ضربات استباقية تهدف إلى تعطيل خطوط الإمداد والتأثير الإيراني في المنطقة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!