قراءة سياسية لـ: إبراهيم كابان
الحوار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتركيا يُعد من القضايا المعقدة في المشهد السياسي السوري والإقليمي. فقد تداخلت عدة عوامل تاريخية وجيوسياسية، إضافة إلى تضارب المصالح الإقليمية والدولية، لتجعل إمكانية التفاوض بين الطرفين تبدو صعبة للغاية. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد فكرة الحوار تمامًا نظرًا لتغير الديناميكيات السياسية في المنطقة، والتحديات المشتركة التي قد تدفع الأطراف المتصارعة للجلوس على طاولة المفاوضات.
العوامل التي تعيق الحوار
1. المخاوف التركية من المشروع الكردي
من أبرز العقبات التي تحول دون الحوار بين قسد وتركيا هو الموقف التركي المتشدد تجاه أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي في سوريا. تركيا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه كمنظمة إرهابية. وبالتالي، ترى أن مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا يشكل تهديدًا لأمنها القومي، خاصةً في ظل وجود نسبة كردية كبيرة داخل تركيا تسعى هي الأخرى لتحقيق مطالب قومية.
2. التحالفات الدولية
قوات سوريا الديمقراطية تحظى بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة لتركيا، التي تربطها بالولايات المتحدة علاقة تحالف ضمن حلف الناتو. في حين أن الولايات المتحدة دعمت قسد بشكل كبير في الحرب ضد تنظيم "داعش"، فإن هذا الدعم يشكل نقطة توتر كبيرة بين واشنطن وأنقرة. على الرغم من أن تركيا تسعى للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فإنها ترى في دعم واشنطن لقسد خيانة لمصالحها الأمنية.
3. التوترات المحلية والإقليمية
الصراع في سوريا لا يقتصر على مجرد صراع داخلي، بل يشمل تدخلات إقليمية ودولية واسعة. تركيا ترى في وجود قسد تهديدًا مباشرًا لمصالحها في شمال سوريا، حيث أن أنقرة تسعى للسيطرة على تلك المناطق لمنع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية. من جهة أخرى، قسد تسعى للحفاظ على مكتسباتها التي حققتها على الأرض بفضل دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
العوامل التي قد تفتح الباب للحوار
1. التغيرات في السياسة الدولية
قد تفرض المتغيرات الدولية نفسها على الطرفين وتفتح نافذة للحوار. على سبيل المثال، العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة قد تتحسن أو تتأثر بمستجدات داخلية أو إقليمية، وهو ما قد يدفع واشنطن للضغط على تركيا لإيجاد صيغة للتفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية. من جهة أخرى، قد تجد تركيا نفسها في موقف يُجبرها على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد في سوريا إذا ما واجهت تحديات داخلية أو ضغوط دولية.
2. التحديات الأمنية المشتركة
رغم الخلافات، هناك تهديدات أمنية مشتركة قد تدفع الطرفين للتعاون. تنظيم "داعش" لا يزال يمثل تهديدًا قائمًا في سوريا والمنطقة، كما أن التنظيمات الإرهابية الأخرى قد تستفيد من الفراغ الأمني في حال تصاعد الصراع بين تركيا وقسد. من هنا، قد يتولد نوع من المصلحة المشتركة في التصدي لهذه التهديدات، ما قد يُمهّد الطريق للتفاهمات الأمنية على الأقل، إن لم يكن حوارًا سياسيًا كاملاً.
3. الوساطة الدولية
الوساطات الدولية قد تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر بين قسد وتركيا. دول مثل روسيا قد تجد مصلحة في تهدئة الأوضاع بين الطرفين، خاصة وأن موسكو تسعى للحفاظ على توازن المصالح في سوريا. كما أن بعض الدول الأوروبية قد تلعب دورًا وسيطًا، خصوصًا تلك التي تخشى من تدفق مزيد من اللاجئين إلى أراضيها في حال تصاعد الصراع.
السيناريوهات المستقبلية
1. تصاعد الصراع: هذا السيناريو يتضمن استمرار العمليات العسكرية بين تركيا وقسد، خاصةً في ظل التوترات المستمرة على الحدود السورية التركية. قد تتزايد الهجمات التركية على المناطق التي تسيطر عليها قسد، ما يزيد من معاناة المدنيين ويعقد الوضع الأمني.
2. تهدئة مؤقتة: في ظل ضغوط دولية أو تغيرات سياسية داخلية في تركيا أو الولايات المتحدة، قد يشهد الصراع تهدئة مؤقتة، خاصة إذا ما تراجعت الأولويات العسكرية لصالح التفاهمات السياسية.
3. حوار غير مباشر: قد يبدأ الطرفان في محادثات غير مباشرة برعاية دولية أو عبر وسطاء محليين، بهدف التوصل إلى تفاهمات حول قضايا محددة مثل الترتيبات الأمنية أو المعابر الحدودية.
الخلاصة
إمكانية الحوار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا ليست مستحيلة، لكنها معقدة للغاية وتحتاج إلى تغييرات كبيرة على المستويات السياسية والإقليمية. تبقى التوترات الأمنية والمخاوف القومية من أبرز العوائق التي تحول دون هذا الحوار. مع ذلك، يمكن للمتغيرات الدولية والضغوطات الخارجية أن تساهم في خلق بيئة تتيح على الأقل بدء محادثات غير مباشرة، خاصة إذا ما برزت تحديات أو مصالح مشتركة جديدة.