الحوار المحتمل بين حزب العمال الكردستاني وتركيا ومكانة قوات سوريا الديمقراطية

komari
0
قراءة جيوسياسية لـ إبراهيم كابان
إمكانية تحول قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والكرد من خصوم إلى حلفاء لتركيا في حال دخول تركيا في مفاوضات جدية مع حزب العمال الكردستاني (PKK) هو سيناريو معقد، يرتبط بعدة عوامل تاريخية وسياسية وجغرافية. ولتحليل هذا السيناريو بشكل عميق واستراتيجي، يجب أخذ عدة أبعاد في الاعتبار:

1. الخلفية التاريخية

تُعتبر العلاقة بين تركيا والكرد، وخاصة مع حزب العمال الكردستاني، علاقة شديدة التعقيد. تأسس حزب العمال الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، وخاض حرب عصابات ضد الحكومة التركية لأكثر من ثلاثة عقود. بالنسبة إلى أنقرة، يُعد حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية تهدد أمنها القومي.
على الجانب الآخر، في سوريا، ظهرت "قوات سوريا الديمقراطية" كتحالف متعدد العرقيات بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، وهي الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني. خلال الحرب السورية، أصبحت قسد حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في قتال تنظيم داعش، لكنها أثارت قلق تركيا، التي تعتبر الـ YPG امتدادًا مباشرًا لحزب العمال الكردستاني.

2. الديناميات الإقليمية والجغرافية

تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا رئيسيًا لأمنها القومي نظرًا لسيطرتها على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، وخاصة على طول الحدود التركية. هذه المناطق تشكل امتدادًا للمناطق التي يسعى الكرد فيها لتحقيق حكم ذاتي أو حتى الاستقلال في المستقبل، وهو أمر ترفضه أنقرة رفضًا قاطعًا.
من جهة أخرى، تلعب الجغرافيا دورًا حساسًا في هذه الديناميكية. فمناطق شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، تمتلك أهمية استراتيجية كبيرة. وهي تتاخم الحدود التركية مباشرة، وتمثل منطقة عازلة طبيعية يمكن أن تستخدمها أنقرة في حال وجود أي تهديدات من الأكراد. لذا، فإن التعاون التركي مع هذه القوات يتطلب تحولات كبيرة في التصورات الأمنية التركية.

3. الأبعاد السياسية الدولية

إن الولايات المتحدة، بصفتها الحليف الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، تلعب دورًا مهمًا في هذا السياق. تفضل واشنطن الحفاظ على علاقتها مع الكرد في إطار مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار في المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش. ومن جهة أخرى، تركيا حليف استراتيجي للولايات المتحدة ضمن الناتو، وهذا يضع إدارة بايدن أو أي إدارة أمريكية في موقف معقد من محاولة تحقيق توازن بين الطرفين.
إذا ما دخلت تركيا في مفاوضات جدية مع حزب العمال الكردستاني، فقد تسعى إلى تغيير في هيكلية علاقتها مع الكرد داخل سوريا كجزء من استراتيجية أوسع لتحييد حزب العمال الكردستاني نفسه. وبدلاً من التعامل مع قسد كعدو محتمل، قد ترى تركيا فرصة في تقليص نفوذ حزب العمال الكردستاني عبر التعاون المشروط مع القوى الكردية في سوريا، لكن هذا التعاون سيتطلب وساطة دولية وضمانات أمنية كبيرة.

4. المصالح المشتركة

على الرغم من العداوة التاريخية، يمكن لتركيا والكرد في شمال سوريا (قسد) أن يجدوا مصالح مشتركة. فمثلاً، تهدف تركيا إلى تحييد حزب العمال الكردستاني، في حين تهدف قوات سوريا الديمقراطية إلى ضمان بقاء مناطقها الآمنة وذات الحكم الذاتي تحت أي سيناريو سياسي مستقبلي لسوريا.
من المحتمل أن ترى تركيا في الكرد السوريين شريكًا في مواجهة التهديدات المشتركة، سواء كانت من تنظيمات إسلامية متشددة أو حتى من النظام السوري. وبالنظر إلى الظروف الحالية، فإن قسد قد تحتاج إلى دعم إقليمي لضمان عدم عودة النظام السوري للسيطرة الكاملة على الشمال الشرقي السوري. وفي هذا السياق، قد تجد مصلحة في التفاوض مع تركيا إذا ضمنت الأخيرة حقوقهم القومية والسياسية.

5. التحديات أمام التحالف

رغم ما سبق، توجد عدة تحديات كبرى أمام تحالف فعلي بين تركيا والكرد. الأول هو انعدام الثقة العميق بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. فقد انهارت عدة جولات سابقة من المفاوضات بسبب هذا العامل. إذا ما دخلت تركيا في مفاوضات جديدة مع حزب العمال الكردستاني، قد تحتاج إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة لبناء الثقة، مثل إطلاق سراح قادة كرد من السجون التركية أو تقديم تنازلات في القضايا الثقافية واللغوية.
التحدي الثاني هو المعارضة الداخلية في تركيا. هناك تيارات قومية قوية داخل النظام السياسي التركي، بقيادة الحزب الحاكم وحلفائه، تعارض بشدة أي نوع من الحوار مع حزب العمال الكردستاني أو أي تنازلات للكرد.

6. التحليل الاستراتيجي

إذا ما دخلت تركيا في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني وأظهرت استعدادًا لتغيير سياستها تجاه الأكراد بشكل عام، فقد يتغير ميزان القوى الإقليمي بشكل كبير. التعاون التركي مع قوات سوريا الديمقراطية قد يوفر لأنقرة فرصة لتوسيع نفوذها في سوريا بطريقة أكثر استقرارًا، وتحقيق نوع من التوازن مع القوى الأخرى المتواجدة على الأرض مثل روسيا وإيران.
بالمقابل، فإن التحالف الكردي-التركي قد يخدم مصالح الأكراد في الحفاظ على مكاسبهم الميدانية وتعزيز موقفهم التفاوضي في أي محادثات مستقبلية حول مستقبل سوريا. لكن هذا التحالف سيظل هشًا إذا لم يتم التعامل بجدية مع الجذور العميقة للصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، خاصة إذا لم يتم حل القضايا المتعلقة بالهوية والسيادة الكردية.

7. الخلاصة

تحول قوات سوريا الديمقراطية والكرد من خصوم إلى حلفاء لتركيا يعتمد بشكل كبير على النتائج المتوقعة لأي مفاوضات محتملة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وعلى قدرة الطرفين على تجاوز عقود من عدم الثقة والتوترات. المصالح المشتركة قد توفر أرضية للتعاون، لكن التحالف المحتمل يواجه تحديات جمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما يعني أن تحقيق هذا السيناريو يتطلب إعادة ترتيب جذري في مواقف وسياسات الأطراف المختلفة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!