إعداد: جمال محمود/ شانا قاسم/ خاص الجيوستراتيجي للدراسات
مناطق الاحتلال التركي في غرب الفرات، وتحديداً في الشمال السوري، تشهد منذ فترة توترات وصراعات داخلية بين الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا. هذه التوترات والمواجهات بين القوات المشتركة من جهة وفصائل مثل "لواء صقور الشمال" و"الجبهة الشامية" من جهة أخرى تأتي في إطار نزاع أوسع حول النفوذ والسيطرة على هذه المناطق، التي تُعد حيوية لتركيا ولأجندتها الإقليمية في سوريا.
الخلفية:
منذ بداية التدخل التركي في شمال سوريا، الذي بدأ بعمليات مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، كان الهدف الأساسي لأنقرة هو تأمين الحدود الجنوبية من التهديدات التي تشكلها القوات الكردية مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، التي تعتبرها تركيا فرعاً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية لديها. كما تسعى تركيا إلى إنشاء "منطقة آمنة" لإعادة توطين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، والذين يُقدّر عددهم بالملايين.
في هذا السياق، دعمت أنقرة مجموعة من الفصائل المسلحة في هذه المناطق، معظمها ذو توجه إسلامي سني، وكانت تهدف في البداية إلى استخدامهم كقوة محلية تحارب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والنظام السوري. لكن بعد السيطرة على أجزاء واسعة من شمال سوريا، بما في ذلك عفرين، بدأت تنشأ صراعات بين هذه الفصائل نفسها.
المواجهات الأخيرة:
المواجهات العنيفة بين القوات المشتركة وفصائل مثل "لواء صقور الشمال" و"الجبهة الشامية" تعكس تنافساً داخلياً بين هذه الفصائل على النفوذ والموارد، كما أنها تعبر عن تحول في استراتيجية تركيا التي يبدو أنها تتجه نحو إعادة هيكلة تحالفاتها المحلية.
تُعتبر الفصائل مثل "لواء صقور الشمال" و"الجبهة الشامية" جزءاً من الكيانات المدعومة تركياً والتي تضم عناصر متنوعة من العرب السنة والتركمان، ولكن يبدو أن هناك توجهاً جديداً من أنقرة للتركيز على دعم الفصائل ذات الطابع التركماني. هذا التحول قد يُفسر بأنه محاولة من تركيا لتعزيز الفصائل التي ترى أنها أكثر ولاءً لمصالحها بعيدة المدى، وأيضاً التي تتشارك معها نفس الهوية العرقية والثقافية.
أسباب الدعم التركي للفصائل التركمانية:
1. الهوية العرقية: تركيا تسعى إلى تعزيز وجودها في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية عبر دعم الجماعات التركمانية، التي تُعتبر جزءاً من الجسر الثقافي والسياسي بين تركيا وهذه المناطق. ومن خلال ذلك، تسعى تركيا إلى ضمان ولاء قوي ومستمر من قوى محلية تشترك معها في الهوية.
2. السيطرة على الأرض: الفصائل التركمانية قد تكون بالنسبة لأنقرة أكثر موثوقية في السيطرة على المناطق الحيوية وضمان أن تظل هذه الأراضي تحت النفوذ التركي بشكل مستدام، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية والمحلية عليها للانسحاب أو تقليص وجودها العسكري.
3. الأمن والحد من الفوضى: الفصائل العربية السنية المتعددة أصبحت مصدرًا للفوضى والمواجهات الداخلية، ما يعوق تحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها تركيا. دعم فصائل تركمانية قد يُقلل من هذه الصراعات ويمنح تركيا حليفاً أكثر استقراراً وانسجاماً مع أهدافها.
4. موازنة القوى المحلية: تركيا قد تكون قلقة من تنامي نفوذ الفصائل العربية السنية، التي قد تتطور إلى قوة ذات طابع مستقل أو حتى تتحالف مع قوى أخرى (مثل قطر أو دول خليجية أخرى). لهذا، تدفع تركيا نحو بناء تحالفات مع التركمان لضمان موازنة النفوذ داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها.
5. إعادة التوطين: مشروع إعادة توطين اللاجئين السوريين في المنطقة الآمنة المخطط لها يتطلب قوة عسكرية محلية تُدير المناطق وتضمن تنفيذ الخطط التركية، ما قد يفسر سعي أنقرة لدعم فصائل تتماشى مع خططها السياسية والعرقية.
تأثيرات هذا الصراع على الأرض:
1. عدم الاستقرار: الصراعات بين الفصائل ستؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في المناطق المحتلة، ما سيؤدي إلى تأخير خطط إعادة الإعمار أو عودة السكان. تركيا، التي تواجه ضغوطاً دولية بسبب سياساتها في سوريا، قد تجد نفسها في موقف صعب إذا استمرت هذه الصراعات.
2. التوترات بين العناصر العربية والتركمانية: تفضيل تركيا للفصائل التركمانية على حساب الفصائل العربية السنية قد يخلق توترات عرقية جديدة، تزيد من تعقيد المشهد المحلي وتضعف قدرة الفصائل المدعومة تركياً على مواجهة تحديات مثل تهديدات "قسد" أو النظام السوري.
3. ردود الفعل المحلية والإقليمية: هذا التحول قد يثير استياء السكان المحليين في هذه المناطق ذات الأغلبية العربية، كما قد يؤدي إلى توترات مع الفاعلين الإقليميين الذين يدعمون بعض الفصائل العربية، مثل قطر. تركيا تسير على حبل مشدود في محاولتها تحقيق توازن بين السيطرة على الأرض والحفاظ على تحالفاتها.
الخلاصة:
الصراعات في مناطق الاحتلال التركي بغرب الفرات تعكس تعقيدات السياسة التركية في سوريا. تركيا تسعى إلى إعادة تشكيل التوازنات المحلية لصالح الفصائل التركمانية، في محاولة لتعزيز نفوذها وضمان ولاء قوى محلية تتماشى مع استراتيجياتها طويلة الأمد. ومع ذلك، فإن هذا التوجه قد يؤدي إلى تداعيات غير مقصودة، مثل تعميق الصراعات العرقية وزيادة حالة الفوضى في المناطق التي تسيطر عليها، ما يعوق تحقيق الاستقرار ويزيد من تعقيد الموقف التركي في شمال سوريا.