قراءة سياسية لـ إبراهيم كابان
الحركة القومية التركية، التي يمثلها الحزب القومي التركي (MHP) وزعيمه دولت بهجلي، تعد واحدة من أكثر القوى السياسية تشدداً في تركيا تجاه القضية الكردية. هذا الموقف ينبع من جذور أيديولوجية وتاريخية عميقة، حيث يعتقد القوميون الأتراك أن أي اعتراف بالحقوق القومية أو السياسية للكورد يمكن أن يقوض مفهوم الدولة التركية الموحدة. لتحليل لماذا لا تريد الحركة القومية التركية أي حل مع الكورد، وما هي خططها لمنع أي تقارب بين حزب العمال الكردستاني والنظام التركي، سننظر في السياقات السياسية، الأيديولوجية والتكتيكية التي تتبناها هذه الحركة.
1. التاريخ القومي المتشدد: الحركة القومية التركية بقيادة دولت بهجلي لديها تاريخ طويل من التشدد القومي الذي يعارض أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الحقوق القومية للكورد. الحزب القومي التركي يرفض بشكل قاطع أي اعتراف بالهوية الكوردية كهوية مستقلة ضمن تركيا.
2. الخطاب العدائي: دولت بهجلي والحركة القومية كثيراً ما يستخدمون خطاباً عدائياً تجاه الكورد بشكل عام وحزب العمال الكردستاني بشكل خاص. هذا الخطاب المتشدد يزيد من انعدام الثقة بين الكورد وبين الحزب القومي التركي، حيث يعتبرون أن هذا الخطاب يقوض أي نية صادقة في الحوار أو الحل السلمي.
3. السياسات القمعية: الحكومات التركية، بما في ذلك تلك التي يشارك بها حزب الحركة القومية، نفذت سياسات قمعية ضد الكورد، مثل حظر اللغة الكوردية في الفضاء العام واعتقال الشخصيات السياسية الكوردية وحملات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في المناطق الكوردية. هذا يزيد من الشك في نوايا الحركة القومية نحو الحوار.
4. التحالف مع حزب العدالة والتنمية: تحالف حزب الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، والذي قاد حملات عسكرية قوية ضد الكورد في تركيا وخارجها (خاصة في سوريا والعراق)، يجعل من الصعب على الكورد تصديق أن هناك رغبة حقيقية في الحوار من هذا الحزب.
5. عدم تقديم بدائل سياسية حقيقية: الحركة القومية التركية لم تقدم أي بدائل سياسية أو حلول ملموسة للقضية الكوردية داخل تركيا، بل تركز سياساتها على تعزيز الهوية التركية والقومية المتشددة.
بناءً على هذه الأسباب، يرى الكورد أن دعوات الحركة القومية التركية للحوار لا تتسم بالجدية أو النية الحسنة، بل تعتبر محاولة للتهدئة أو المناورة السياسية أكثر من كونها رغبة حقيقية في حل القضية الكوردية.
الأيديولوجيا القومية والتخوف من تفتيت الدولة
الحركة القومية التركية تتبنى عقيدة قومية صارمة تعود إلى مفاهيم مصطفى كمال أتاتورك حول الوحدة الوطنية. في هذه العقيدة، تُعتبر الدولة التركية كيانًا غير قابل للتقسيم، وكل الشعوب التي تعيش داخل حدودها يجب أن تكون جزءًا من "الأمة التركية". الأكراد، باعتبارهم أكبر أقلية عرقية في تركيا، يواجهون رفضًا تامًا للاعتراف بهم ككيان قومي مستقل. يرى القوميون الأتراك أن أي حل سياسي يتضمن منح حقوق للكورد قد يؤدي إلى تقسيم تركيا أو يؤدي إلى إنشاء دولة كردية منفصلة على أراضيها، وهو أمر يهدد الأمن القومي التركي من وجهة نظرهم.
الحركة القومية لا ترى في الأكراد جماعة تستحق حقوقًا قومية، بل تعتبر أي مطالبات كردية نوعًا من "التمرد" أو التهديد للوحدة الوطنية. هذه الرؤية تجعل من المستحيل تقريباً للحركة القومية التركية أن تتبنى أي حلول سياسية تتضمن الحوار أو التفاوض مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي ترى فيه منظمة إرهابية تهدف إلى تقسيم البلاد.
استراتيجية رفض الحوار والتصعيد
الحركة القومية تتبنى استراتيجية رافضة بشكل كامل للحوار مع حزب العمال الكردستاني أو حتى مع القادة الكورد مثل عبد الله أوجلان. هذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ أن أي تنازل أو اعتراف بحزب العمال أو حتى الدخول في حوار مع قادة الحزب يُعتبر هزيمة وطنية. الحركة القومية ترى أن التفاوض مع الكورد يمنحهم شرعية قد تؤدي في المستقبل إلى مطالب أكبر تشمل الحكم الذاتي أو الفدرالية.
هذا الرفض للحوار يُترجم إلى سياسات متشددة تتبناها الحركة القومية التركية في البرلمان التركي وفي الحكومة، حيث يحاول الحزب دائماً التصدي لأي مبادرات للسلام أو الحل السياسي. بل أن الحركة القومية تدفع دائمًا نحو تشديد الإجراءات العسكرية والأمنية ضد حزب العمال الكردستاني وضد أي محاولة لإعادة فتح الحوار مع الأكراد.
منع التقارب بين حزب العمال الكردستاني والنظام التركي
الحركة القومية التركية تسعى بوضوح إلى منع أي تقارب بين النظام التركي وحزب العمال الكردستاني. لتحقيق هذا الهدف، تتبع عدة تكتيكات:
التأثير على النظام السياسي: من خلال شراكتها مع حزب العدالة والتنمية في الحكم، تعمل الحركة القومية على توجيه السياسة التركية نحو عدم التفاوض مع الكورد، وذلك عبر الضغط على الحكومة لتعزيز العمل العسكري والقمع الأمني.
التشويه الإعلامي والدعائي: الحركة القومية تدير حملات إعلامية واسعة تستهدف تشويه صورة حزب العمال الكردستاني، ووصفه بأنه تنظيم إرهابي لا يمكن التعامل معه. كما تعمل على تعزيز الروح القومية بين الأتراك وتحذيرهم من مخاطر التفاوض مع "الانفصاليين".
استخدام المؤسسات الأمنية والقضائية: يتم توظيف الأجهزة الأمنية والقضائية التركية لاستهداف النشطاء والسياسيين الأكراد، وتهميش أي أصوات تدعو للحوار أو السلام. هذه السياسات تصعّب على أي حكومة، بما في ذلك حكومة أردوغان، التفكير في التفاوض مع حزب العمال.
هل دولت باغجلي جاد في الحوار مع الكورد؟
رغم أن دولت باغجلي زعيم الحركة القومية يظهر في بعض الأحيان لغة أقل تشددًا ويترك الباب مفتوحًا أمام بعض الخطوات الرمزية، إلا أن سجله السياسي يظهر أنه ليس جادًا في أي حوار حقيقي مع الكورد. على مدى سنوات، عُرف باغجلي بمواقفه الرافضة بشكل مطلق لأي تسوية مع الأكراد، سواء من خلال الوسائل السياسية أو العسكرية. دعمه المتواصل للتدخلات العسكرية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا، وكذلك رفضه التام لعملية السلام التي أُطلقت بين حكومة أردوغان وأوجلان في 2013، يعكس عمق التشدد في موقفه.
أحد الأسباب التي تجعل باغجلي يظهر موقفًا أكثر مرونة في بعض الأحيان هو ربما إدراكه لأهمية الدعم الشعبي، وخصوصًا في ظل التحالفات السياسية. إلا أنه، في نهاية المطاف، يبقى ملتزمًا بموقف الحركة القومية الرافض للحوار والتفاوض.
الخلاصة
في النهاية، يمكن القول إن الحركة القومية التركية، تحت قيادة دولت باغجلي، ليست معنية بحل القضية الكردية عبر الحوار أو التفاوض. أيديولوجيتها القومية المتشددة تجعلها ترى في أي حل سياسي خطرًا على وحدة الدولة. ومن هنا، تستمر في اتباع سياسات التشدد والرفض لأي تقارب بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني. الخطط التي تتبعها تشمل التأثير السياسي، الحملات الدعائية، واستخدام الأدوات الأمنية والقضائية لضمان عدم تحقيق أي تقارب بين الأطراف.
باغجلي وحزبه يستفيدون من تصاعد النزعات القومية في تركيا، وبالتالي أي خطوة نحو الحوار مع الكورد يمكن أن تضعف موقفه السياسي وتخسره جزءًا من قاعدته الشعبية، ما يجعله متمسكًا بالرفض الصارم لأي حلول تفاوضية.