إستراتيجية بناء العلاقات بين حزب العمال والديمقراطي الكردستانيين (كيف؟ ومتى؟)

Site management
0
نقطة نظام: إبراهيم كابان
العلاقة بين حزب العمال الكردستاني (PKK) وحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) تاريخيًا معقدة ومشحونة بالخلافات، مما يجعل أي اتفاق بينهما أمرًا صعبًا. ومع ذلك، في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط، وخاصة في السياقات الكردية المتأثرة بالتغيرات الدولية والإقليمية، فإن محاولة تجاوز الخلافات يمكن أن تحمل مكاسب لكلا الطرفين، إذا ما تم إدارتها بحذر وبدوافع استراتيجية متبادلة. دعنا نلقي نظرة على العوامل الأساسية التي تؤثر على إمكانية الوصول إلى اتفاق بينهما في هذا الوقت الحساس.

1. العوامل التاريخية والسياسية:

أ) الخلفية الأيديولوجية المختلفة:
حزب العمال الكردستاني يتبع أيديولوجية يسارية ذات طابع اشتراكي ثوري، وقد أسس بهدف إقامة كردستان مستقلة أو حكم ذاتي للكرد في تركيا. بينما حزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع بأيديولوجية قومية أكثر براغماتية، وهو حليف تقليدي للغرب وخاصة الولايات المتحدة، ويميل إلى تبني اقتصاد السوق.

ب) التجارب السابقة للصدامات:
على مدى عقود، شهد الطرفان مواجهات مسلحة، خاصة في التسعينيات. تلك المواجهات أثرت بشكل كبير على انعدام الثقة بين الجانبين. حزب العمال الكردستاني يتهم حزب الديمقراطي الكردستاني بالتعاون مع تركيا وإيران، فيما يعتبر الأخير أن حزب العمال يشكل تهديدًا لاستقرار إقليم كردستان العراق.

2. المصالح المشتركة الحالية:
على الرغم من هذه الخلافات، هناك مصالح مشتركة يمكن أن تقرب الطرفين:

أ) التهديدات المشتركة:
يواجه الكرد في كل من تركيا، العراق، سوريا وإيران تهديدات متزايدة نتيجة للصراعات في المنطقة، سواء كانت تلك تهديدات تنظيم "داعش" المتبقية أو التوترات المتزايدة مع الدول المجاورة مثل تركيا وإيران. هذا الوضع يشكل ضغطًا على الطرفين للبحث عن حلول مشتركة تخدم مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على مكاسب الأكراد.

ب) الأوضاع الدولية والإقليمية:
هناك أيضًا واقع متغير على المستوى الدولي. الولايات المتحدة، التي تدعم حزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المرتبط بحزب العمال الكردستاني في سوريا، تتطلع إلى استقرار المنطقة، ومن المحتمل أن تضغط على الطرفين للتوصل إلى نوع من التفاهم أو على الأقل لتجنب التصعيد بينهما.

3. العوائق الرئيسية أمام الاتفاق:

أ) العلاقة مع تركيا:
حزب العمال الكردستاني يخوض صراعًا طويل الأمد مع الدولة التركية، بينما حزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع بعلاقات اقتصادية وأمنية قوية مع تركيا. هذا التباين يشكل عائقًا أساسيًا أمام التقارب، حيث لا يمكن لحزب العمال أن يتجاهل العداء التاريخي مع تركيا، بينما لا يمكن لحزب الديمقراطي أن يخاطر بعلاقاته الاستراتيجية مع أنقرة.

ب) مسألة النفوذ في سوريا:
حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، يسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا. حزب الديمقراطي الكردستاني يرى في هذا النفوذ تهديدًا مباشرًا لسيطرته التقليدية في المناطق الكردية، وقد دعمت القيادة في أربيل الفصائل الكردية المعارضة لحزب الاتحاد الديمقراطي في عدة مراحل. هذه المنافسة على النفوذ تجعل من الصعب الوصول إلى توافق.

4. السيناريوهات الممكنة:

أ) التعاون المؤقت:
قد يتفق الطرفان على مستوى محدود من التعاون في مواجهة تهديدات محددة، مثل "داعش" أو الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. هذا التعاون قد يكون تكتيكيًا ومحدودًا في الزمان والمكان، ولكنه قد يسهم في تخفيف التوترات.

ب) الوساطات الدولية والإقليمية:
الضغط الدولي، خصوصًا من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، قد يلعب دورًا في دفع الطرفين نحو التهدئة والتوصل إلى صيغة تعايش سياسي. يمكن أن يشمل ذلك نوعًا من تقسيم النفوذ أو التعاون على بعض الملفات الأمنية.

ج) استمرار الجمود والصراع:
في حال تعمقت الانقسامات الأيديولوجية أو تفاقمت الضغوط التركية على إقليم كردستان لإبعاد حزب العمال الكردستاني عن الحدود العراقية-التركية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الجمود أو حتى تصاعد المواجهات بين الطرفين.

5. الآفاق المستقبلية:
الظروف الحالية في الشرق الأوسط تفرض تحديات كبيرة على جميع الأطراف، والكرد ليسوا استثناء. من المحتمل أن تتفاقم التوترات بين حزب العمال الكردستاني وحزب الديمقراطي الكردستاني إذا لم يتم إدارة الخلافات بعناية. ولكن، في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه الإقليم، يمكن أن تدفع الضرورة الحزبان إلى نوع من التفاهم المرحلي.
في النهاية، على الرغم من أن العلاقات بين حزب العمال الكردستاني وحزب الديمقراطي الكردستاني قد لا تشهد تحولًا جذريًا في المستقبل القريب، فإن الضغوط الإقليمية والدولية قد تجعل من مصلحة كلا الطرفين السعي إلى نوع من التهدئة أو التعاون المحدود، على الأقل لتجاوز المرحلة الحالية المضطربة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!