خبر وتحليل: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
دعا وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر إلى تعزيز العلاقات مع المجتمعات الكردية والدرزية في الشرق الأوسط. وفي حفل تسلمه المنصب من سلفه يسرائيل كاتس، قدم ساعر رؤيتة قائلا إن "الأقليات في المنطقة ستحتاج إلى التماسك معا". وأضاف: "الشعب الكردي أمة عظيمة، واحدة من الأمم العظيمة التي لا تتمتع باستقلال سياسي. إنهم حلفاؤنا الطبيعيون". واعتبر ساعر أن "الأكراد ضحايا للقمع الإيراني والتركي"، وقال إن إسرائيل "يجب أن تمد يدها وتعزز العلاقة معهم (...) إن هذا له جوانب سياسية وأمنية".
تحليل الخبر
يعد موضوع دعم إسرائيل للكرد في سوريا، خصوصاً "قوات سوريا الديمقراطية" والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، من القضايا التي أثارت تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية والأكاديمية. يرتبط هذا الموضوع بعدة عوامل جيواستراتيجية وتاريخية، إذ يمثل الكرد واحدة من أكبر الأقليات القومية في المنطقة، ويعانون منذ عقود طويلة من انعدام الدعم الإقليمي لتطلعاتهم. في هذا السياق، تبرز إسرائيل كقوة إقليمية لها اهتمامات متنامية في الشرق الأوسط، وربما تمتلك دوافع لتعزيز علاقاتها مع الكرد السوريين بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية.
خلفية تاريخية للعلاقات الإسرائيلية الكردية:
علاقة إسرائيل مع الكرد في الشرق الأوسط ليست جديدة؛ بل إن هناك دلائل تشير إلى أن إسرائيل كانت داعماً سرياً للكرد في العراق منذ ستينيات القرن الماضي، حيث وفرت لهم الدعم المادي والاستخباراتي في صراعهم ضد الحكومة العراقية آنذاك. كان الهدف من هذه العلاقات آنذاك يتمثل في كسر التحالف العربي المحيط بإسرائيل، وتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم حركات قومية عرقية يمكن أن تقوض استقرار الدول المعادية لها.
الدوافع الإسرائيلية لدعم الكرد في سوريا:
1. إضعاف النفوذ الإيراني:
يعتبر النفوذ الإيراني في سوريا أحد أكبر التحديات التي تواجه إسرائيل في المنطقة. إذ ترى إسرائيل أن تواجد إيران في سوريا يعزز من احتمالات التهديد الأمني، نظراً للدعم الذي تقدمه طهران لحزب الله اللبناني وغيره من الفصائل المعادية لإسرائيل. يمكن لإسرائيل أن تجد في دعمها للكرد في سوريا فرصة للضغط على إيران وتقليص نفوذها، حيث تقود إيران وحلفاؤها حملات واسعة للسيطرة على الأراضي السورية، ومنها مناطق قد تكون قريبة من مناطق الكرد.
2. تحقيق التوازن ضد تركيا:
تشهد العلاقات الإسرائيلية-التركية توتراً متزايداً، على الرغم من أن البلدين تربطهما علاقات اقتصادية متينة. تنظر تركيا إلى الكرد باعتبارهم تهديداً كبيراً لأمنها القومي، وبالتالي فإن أي دعم إسرائيلي للأكراد في سوريا يمكن أن يشكل وسيلة للضغط على أنقرة، خاصة وأن الأخيرة تسعى لبناء نفوذ لها في شمال سوريا وفرض "منطقة آمنة" تمنع أي سيطرة كردية.
3. الاستفادة من الفراغ الأمني في سوريا:
تعتبر سوريا ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ما يجعل من السهل على قوى خارجية كإسرائيل أن تدخل على خط النزاع وتبحث عن حلفاء محتملين. في هذا السياق، قد ترى إسرائيل أن الكرد حلفاء محتملين في منطقة حساسة. كما يمكن لإسرائيل أن تستفيد من الوضع السياسي المعقد في سوريا لتحقيق أهدافها الأمنية في ظل ضعف السيطرة المركزية للنظام السوري.
4. العامل الأمريكي:
يرتبط الكرد السوريون بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، التي قدمت لهم الدعم العسكري والسياسي لمحاربة تنظيم داعش. يمكن لإسرائيل أن ترى في هذا الحليف المدعوم أمريكياً فرصة لتعزيز علاقاتها مع الكرد، بهدف تحقيق تقارب استراتيجي مع السياسة الأمريكية في سوريا، وتقوية تحالفاتها مع القوى التي تدعمها واشنطن.
التحديات المحتملة أمام دعم إسرائيل للكرد السوريين:
رغم وجود عدة دوافع تدفع إسرائيل للتفكير في دعم الكرد السوريين، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي قد تحول دون نجاح هذا الدعم:
1. ردود فعل إقليمية:
إن دعم إسرائيل العلني للكرد قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية من الدول المجاورة مثل العراق وإيران وتركيا، التي تعتبر دعم الكرد في أي بلد تهديداً لوحدتها الوطنية. هذه الدول قد تزيد من تعاونها لمواجهة أي نفوذ إسرائيلي كردي محتمل، مما قد يعقد العلاقات الإقليمية.
2. تعقيد العلاقات مع تركيا:
كما ذكرنا سابقاً، فإن تركيا تعارض بشدة أي نوع من أنواع الدعم للكرد، وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية. دعم إسرائيل للكرد السوريين قد يؤدي إلى تصعيد كبير في العلاقات مع تركيا، مما قد يؤثر سلباً على التعاون العسكري والاقتصادي القائم بين البلدين.
3. التأثير المحدود لإسرائيل في سوريا:
بالرغم من تواجد إسرائيل في الجوار السوري، إلا أن تأثيرها المباشر في الساحة السورية ما زال محدوداً. ويعود ذلك إلى تعدد القوى المسيطرة على الأرض مثل النظام السوري وروسيا وإيران، ما يعني أن قدرة إسرائيل على تقديم دعم فعال للكرد قد تكون محدودة على الأرض.
سيناريوهات الدعم المحتملة:
من الواضح أن دعم إسرائيل للأكراد السوريين قد يتخذ أشكالاً مختلفة، يمكن حصرها في السيناريوهات التالية:
1. الدعم العسكري غير المباشر: قد تقدم إسرائيل دعماً محدوداً وغير معلن للكرد، مثل تزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية أو التدريب العسكري عبر قنوات سرية. هذا السيناريو يسمح لإسرائيل بالحفاظ على دعم للكرد من دون إثارة ردود فعل علنية.
2. الدعم السياسي والإعلامي: قد تلجأ إسرائيل لدعم القضية الكردية في المحافل الدولية، والدفاع عن حقوق الأكراد عبر المنظمات الدولية والإعلام، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تحسين صورة الأكراد وزيادة الضغط على الدول التي تحاول قمعهم.
3. التنسيق الأمني ضد النفوذ الإيراني: قد تنسق إسرائيل مع الأكراد السوريين لتقويض النفوذ الإيراني في سوريا، خاصة في المناطق التي قد تشهد تواجداً لإيران أو لحزب الله. مثل هذا التنسيق قد يتم بطريقة سرية وبعيداً عن الأضواء لتجنب ردود الفعل السلبية من الدول المجاورة.
4. الدعم الاقتصادي: في حال استقرت الأوضاع في المناطق الكردية بسوريا، قد تكون هناك فرصة لدعم تنمية هذه المناطق اقتصادياً، سواء عبر شركات إسرائيلية أو عبر تعاون دولي بوساطة إسرائيلية.
خلاصة:
بناءً على المعطيات السابقة، فإن إمكانية توجه إسرائيل لدعم الأكراد السوريين والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية تتوقف على تطورات الوضع الإقليمي في سوريا ومدى الحاجة الإسرائيلية إلى حلفاء غير تقليديين في المنطقة. رغم وجود تحديات قد تمنع إسرائيل من تقديم دعم علني وكبير للأكراد، إلا أن المصالح الاستراتيجية قد تفتح المجال أمام أشكال محدودة من الدعم، خصوصاً في ظل تزايد التوترات بين إسرائيل وإيران، وتوتر علاقاتها مع تركيا.