خبراء الجيوستراتيجي يحللون: توجهات كامالا هاريس تجاه القضية السورية والصراع التركي-الكردي في حال توليها الرئاسة الأمريكية

Site management
0
تقدير موقف: فريق التحليل في الجيوستراتيجي للدراسات
في حال وصول كامالا هاريس إلى الرئاسة الأمريكية، ستواجه العديد من التحديات في السياسة الخارجية، والتي ستكون القضية السورية والصراع التركي-الكردي من أبرزها. تتميز هذه القضايا بتشابك الأطراف وتداخل الأجندات الدولية والمحلية، مما يجعلها من الملفات المعقدة التي تحتاج إلى دقة في المعالجة. يمكننا محاولة التنبؤ بتوجهاتها عبر استقراء مواقفها السابقة وتصريحاتها كعضوة في مجلس الشيوخ ونائبة للرئيس، ودراسة التوجهات السياسية للحزب الديمقراطي بشكل عام تجاه هذه الملفات.
قراءة في موقف الولايات المتحدة من الصراع السوري تحت إدارة بايدن-هاريس
على الرغم من أن كامالا هاريس لم تتخذ مواقف علنية كثيرة حول تفاصيل السياسة الأمريكية في سوريا خلال عملها كنائبة للرئيس، إلا أن الحزب الديمقراطي يميل عموماً إلى التعامل مع الملف السوري بتوجهات استراتيجية تتراوح بين "إدارة النزاع" والسعي لإيجاد حل سياسي، دون الخوض في التدخل المباشر. تُظهر هذه الاستراتيجية "اللامركزية"، أو عدم التدخل الكامل، سعيًا للحد من التورط العسكري المباشر وتجنب استنزاف الموارد الأمريكية في صراعات الشرق الأوسط. مع ذلك، تتبع إدارة بايدن سياسة واضحة في الحفاظ على النفوذ الأمريكي في سوريا، خصوصاً في مناطق الشمال الشرقي حيث تتواجد القوات الأمريكية، التي تلعب دورًا في دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كحليف ضد تنظيم "داعش" وتوازن النفوذ الروسي والإيراني.
من المتوقع، في حال تولي هاريس الرئاسة، أن تستمر في هذا النهج بتركيز أكبر على تحقيق أهداف السياسة الأمريكية دون الانجرار إلى مواجهات مفتوحة. ويرجع ذلك إلى التركيز الديمقراطي على ضرورة تخفيف التدخلات العسكرية وتحقيق توازن دبلوماسي يخدم مصالح الولايات المتحدة دون الدخول في صراعات مكلفة. لذلك قد تتجه هاريس إلى تعزيز الحلول السياسية والدبلوماسية، مع التزام محدود في الدعم العسكري.

الصراع التركي-الكردي: بين الحلف الاستراتيجي والمصالح الإقليمية

أحد أهم التحديات التي قد تواجهها كامالا هاريس في الملف السوري هو التوتر المتزايد بين تركيا، الحليف في الناتو، والقوات الكردية السورية، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كتنظيم إرهابي. ورغم اعتماد الولايات المتحدة على وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) كعنصر أساسي في محاربة داعش، إلا أن تركيا ترى في الدعم الأمريكي للكرد تهديداً لأمنها القومي. هذا التعقيد يمثل "مأزقًا دبلوماسيًا" بين شريكين مهمين، وسيكون لهاريس دور في إيجاد صيغة للتوازن بين علاقات أمريكا مع تركيا وواجبها تجاه الأكراد في سوريا.
قد تختار هاريس، بالنظر إلى توجهاتها كديمقراطية، اتباع سياسة تدعم مساعي الحلول الدبلوماسية، مع محاولة الحفاظ على الحد الأدنى من التعاون مع تركيا، لكونها حليفاً استراتيجياً في حلف الناتو. من المحتمل أن تلجأ إلى الضغط على تركيا لكبح عملياتها العسكرية في الشمال السوري، إلى جانب تقديم ضمانات أمنية لكلا الطرفين. ستعتمد هذه السياسة على الجهود الدبلوماسية لضمان تهدئة المخاوف التركية دون التخلي الكامل عن الأكراد، إذ ترى هاريس في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شريكًا ضروريًا للحد من أي عودة محتملة لتنظيم داعش.

تأثير الضغوط المحلية على سياسة هاريس تجاه الملف السوري

تواجه كامالا هاريس، باعتبارها ديمقراطية تقدمية، ضغوطاً من قاعدة الحزب التي تميل إلى عدم التورط في الحروب الخارجية والتركيز على القضايا المحلية مثل الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية. قد تؤثر هذه الضغوط على قدرتها في تخصيص موارد للملف السوري بشكل كبير، مما قد يحد من حجم التدخل الأمريكي الفعلي على الأرض. وعليه، قد تتبنى هاريس نهجًا يعتمد أكثر على العمل من خلال التحالفات والشراكات الإقليمية، وتوجيه موارد أمريكا لدعم عمليات إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها قوات حليفة، دون المشاركة المباشرة.

السياسة الإنسانية وملف اللاجئين

لطالما دعا الحزب الديمقراطي إلى التزام قوي بالمساعدات الإنسانية ودعم حقوق الإنسان. قد يدفع هذا كامالا هاريس إلى زيادة الدعم الإنساني للسوريين سواء داخل البلاد أو للاجئين في دول الجوار، ومن المرجح أن تتبنى سياسة أكثر انفتاحاً نحو قبول عدد أكبر من اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، وهو أمر قد يتماشى مع توجهات الحزب الديمقراطي ولكن سيتطلب توازنًا دقيقًا مع الاعتبارات الأمنية والسياسية الداخلية.

توسيع العمل مع الحلفاء الأوروبيين والإقليميين

سيكون أحد السبل المتاحة أمام هاريس هو العمل على تقوية العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين والدول الإقليمية في معالجة الأزمة السورية، وخاصة في القضايا المتعلقة بإعادة الإعمار واحتواء النفوذ الإيراني والروسي المتزايد في سوريا. الأوروبيون يرون في استقرار سوريا مصلحة استراتيجية لهم، ومن هنا قد تدعم هاريس المبادرات المشتركة لمعالجة التحديات في سوريا، مثل دعم مبادرات التفاوض مع روسيا وتركيا وإيران حول استقرار الأوضاع في المناطق التي تشهد صراعات ساخنة.

حدود الخيارات المتاحة أمام هاريس وتأثير الظروف الخارجية

قد تواجه هاريس تحديات كبيرة من حيث قدرتها على التأثير على الملف السوري، خاصة في ظل النفوذ الكبير لروسيا وإيران هناك. موسكو تلعب دوراً حيوياً في دعم النظام السوري، بينما تمتلك طهران مصالح استراتيجية عميقة في المنطقة. ستحاول هاريس، كما هو متوقع، تقليل حدة التوتر مع روسيا وإيران في سوريا، مع محاولة الحفاظ على مصالح أمريكا دون تصعيد. في الوقت نفسه، قد تؤثر المتغيرات العالمية، مثل التوترات الدولية مع الصين، على مقدار الاهتمام الذي يمكن أن توجهه إدارة هاريس لهذا الملف.

خاتمة

في المجمل، من المرجح أن تتبنى كامالا هاريس في حال توليها الرئاسة سياسة تعتمد على الدبلوماسية والتوازن الحذر في القضية السورية والصراع التركي-الكردي، مع الابتعاد عن التدخل المباشر. سيتمحور نهجها حول دعم الحلول السياسية، وتقديم الدعم الإنساني، والعمل على تحقيق توازن بين علاقات الولايات المتحدة مع تركيا ودعمها للأكراد. ومع ذلك، ستظل خيارات هاريس محدودة أمام التعقيدات الداخلية والخارجية والضغوط الدولية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بأي تحول جذري في الموقف الأمريكي حيال هذا الملف المعقد.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!