بقلم: بوزان كرعو
يعدّ دونالد ترامب واحدًا من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل على الساحة الدولية ، سواء خلال فترته الرئاسية أو بعد مغادرته للبيت الأبيض ، لم يقتصر دوره على تنفيذ سياسات تتعارض أحيانًا مع الأعراف الدبلوماسية التقليدية للولايات المتحدة ، بل اعتمد نهجًا غير ثابت ، جعل مواقفه تبدو في كثير من الأحيان متناقضة وغير متوقعة ، وقد تجلت هذه التناقضات بوضوح في تعامله مع القضية السورية ، وحلفائه في المنطقة كقوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، وكذلك في تصريحاته المتقلبة تجاه الرئيس السوري بشار الأسد
- ترامب وصياغة سياسة غير تقليدية :
يتمتع ترامب بخلفية كرجل أعمال ، وقد كانت توجهاته السياسية تميل في كثير من الأحيان إلى التعامل مع القضايا الدولية بمنطق " الصفقات " بدلاً من اعتماد سياسات استراتيجية طويلة الأمد ، من هنا كانت قراراته تعكس أحيانًا رؤية قصيرة الأمد تعتمد على الفائدة المباشرة للولايات المتحدة أو مكاسب شخصية وسياسية داخلية.
في كثير من الحالات ، خرج ترامب عن الخط التقليدي للسياسة الأميركية ، حيث أظهر استعدادًا لمد يده إلى زعماء غير مستقرين أو مثيرين للجدل مثل كيم جونغ أون في كوريا الشمالية وفلاديمير بوتين في روسيا ، حيث اتسمت سياسته الخارجية بشعار " أميركا أولاً " ، ما دفعه إلى اتخاذ مواقف قد تتعارض مع استراتيجيات الأمن القومي الأميركي ، والتي تقضي بضرورة الحفاظ على توازن القوى في مناطق النزاع. ولكن مع ترامب ، كانت الأولويات تتمحور حول الحد من التدخلات العسكرية الأميركية حتى لو كان ذلك على حساب الحلفاء التقليديين.
- الموقف من سوريا وقوات سوريا الديمقراطية :
أحد الأمثلة البارزة على تذبذب ترامب في اتخاذ القرارات ، كان موقفه من قوات سوريا الديمقراطية " قسد " في سوريا. فعلى الرغم من منح قائد قوات سوريا الديمقراطية لقب "الجنرال "، واعترافه بالدور الحاسم الذي تلعبه هذه القوات في محاربة تنظيم " داعش "، إلا أنه قرر في وقت لاحق التخلي عن دعمها وعدم التدخل في النزاع بينها وبين تركيا.
هذا التغيير الجذري ترك قسد في وضع حرج ، حيث وجدت نفسها وحيدة أمام التهديدات التركية ، واضطرت للبحث عن حماية من قوى أخرى مثل روسيا أو النظام السوري.
جاءت هذه التناقضات على خلفية تعهد ترامب الانتخابي بإنهاء "الحروب اللانهائية " للولايات المتحدة ، ما دفعه لسحب القوات الأميركية من سوريا ، تاركًا الكورد في موقف ضعيف بعد أن كانوا يعتمدون بشدة على الدعم الأميركي. أدى هذا القرار إلى حالة من الارتباك بين الحلفاء الإقليميين ، حيث اعتبر كثيرون أن الولايات المتحدة لم تعد حليفًا موثوقًا يمكن الاعتماد عليه ، وأثار استياءً واسعًا لدى بعض القيادات العسكرية والسياسية الأميركية التي كانت ترى في قوات سوريا الديمقراطية شريكًا هامًا في محاربة الإرهاب.
- التناقض في الموقف من بشار الأسد:
في سياق متصل ، ظهرت تناقضات أخرى في تعامل ترامب مع الرئيس السوري بشار الأسد ، فقد وصفه بصفات سلبية وأطلق تصريحات قاسية تجاه النظام السوري ، لكنه في الوقت نفسه أبدى استعدادًا للتعاون معه ضمنًا في بعض المواقف ، قائلاً إنه سيشكره إذا استطاع حماية االكورد في شمال شرق سوريا من التهديدات التركية.
هذا التغيير الحاد في الموقف يعكس السياسة " البراغماتية " التي انتهجها ترامب ، حيث بدا أنه على استعداد لتغيير موقفه وفقًا للظروف وتوجهات الرأي العام الداخلي الأميركي ، دون الالتفات إلى التأثيرات الأوسع لسياساته على الحلفاء في المنطقة. يعكس هذا النهج رغبة ترامب في الحصول على نتائج عملية وسريعة ، حتى لو تطلب ذلك تجاهل معايير السياسة التقليدية أو المبادئ التي عادةً ما تتمسك بها الولايات المتحدة على الصعيد الدولي.
- كيف انعكست سياسة ترامب على الحلفاء الإقليميين ؟
أدت التناقضات في سياسة ترامب إلى حالة من عدم الثقة بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ، خاصةً الكورد الذين اعتمدوا على الدعم الأميركي في مواجهة التهديدات الإرهابية والتحديات الإقليمية.
قرارات ترامب المتذبذبة جعلت الحلفاء يشعرون بعدم اليقين بشأن الدعم الأميركي ، وهو ما دفع بعضهم إلى البحث عن حلفاء جدد ، مثل روسيا ، لضمان استقرارهم وحماية مصالحهم.
في الوقت نفسه ، استغلت القوى الإقليمية الأخرى هذا الارتباك لصالحها. فقد عززت روسيا وإيران نفوذهما في سوريا والمنطقة ، مستفيدتين من الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة وتراجع ثقة حلفائها بها.
جاءت هذه النتائج بعكس ما كان يهدف إليه ترامب ، حيث ازدادت تعقيدات الصراع السوري وتعمقت الأزمات الإقليمية نتيجة غياب موقف أميركي واضح وثابت.
- هل كان ترامب يمثل سياسة أم مواقف شخصية ؟
من الصعب تحديد ما إذا كانت مواقف ترامب المتناقضة جزءًا من استراتيجية سياسية عميقة ، أم أنها تعكس شخصيته غير التقليدية كرئيس. من المحتمل أن تكون هذه التناقضات ناتجة عن أسلوبه الخاص في القيادة ، الذي يعتمد على المرونة الزائدة واستعداد غير معتاد لتغيير المواقف حسب الحاجة.
يمكن النظر إلى سياساته من منظور داخلي ، حيث سعى ترامب إلى كسب تأييد قاعدته الانتخابية من خلال الوفاء بوعوده بخفض التدخلات العسكرية ، حتى لو كان ذلك على حساب الشركاء الإقليميين.
و اخيراً ساهمت سياسة ترامب غير المتوقعة في زعزعة الاستقرار في مناطق عديدة حول العالم ، حيث لم تكن تصرفاته مدروسة بما فيه الكفاية لتحقيق استقرار إقليمي أو تعزيز النفوذ الأميركي. انعكس هذا على قضايا دولية كبرى ، مثل الملف السوري ، وترك فراغاً استغلته قوى أخرى لصالحها.
وبالرغم من أن ترامب كان يهدف إلى تحقيق نتائج مباشرة وسريعة لصالح الولايات المتحدة ، إلا أن طريقته المثيرة للجدل جعلت من الصعب على الحلفاء الوثوق بالولايات المتحدة ، ما سيجعل أي رئيس أميركي قادم أمام تحديات إضافية لاستعادة الثقة الدولية وتعزيز تحالفات أكثر ثباتًا ووضوحًا في السياسات الخارجية.
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات