اجتمع الكبار حول طاولة المصالح في سوتشي، تخللت الكلمات ابتسامات تحمل بين طياتها نوايا خفية.
أردوغان ، الرجل الذي أتقن فن المراوغة ، كان يطلب شيئًا ويتأهب لشيء آخر. بينما وقف بين الحضور مستجديًا مرورًا إلى كوباني ، كانت عقارب ساعته تدور نحو حلب.
حلب... المدينة التي نزفت كثيرًا، وجُرّدت من أمانها شيئًا فشيئًا. في هذه المرة ، لم يكن الجرح الذي أحدثه عاديًا ، كانت الضحية الأولى الكرد العفرينيين ، الذين لم تلتئم جراحهم بعدُ منذ تهجيرهم في 2018، يومها ، حملوا ذكريات منازلهم المسالمة على أكتافهم ، وهربوا إلى مخيمات الشهباء وريف تل رفعت ، فارّين من الموت الذي جلبه الرئيس التركي لمدينتهم.
وفي الخفاء ، كانت كتيبة شاهين للطائرات المسيّرة ترتب صفوفها ، بدعم مباشر من أبرز ضباطه في غرفة العمليات ، فيما شاركت فرقه الهندسية بيد تبني أسلحة ويد تهدم الأمان.
لم يكن ما جرى سوى لوحة جديدة تُضاف إلى معرض السياسة المظلم ، حيث تُدبر الخديعة تحت عباءة التحالفات ، وتُطلق الطائرات المسيرة لتنقض على الأمل كما ينقض الصقر على فريسته.
ولكن ، وسط هذا الدمار ، تساءل الجميع: فهل انتصر أردوغان ؟ ربما ، لكنه نصر مؤقت على حساب الإنسانية نفسها.
الإنسانية التي خسرت بوحشية الإعدامات الميدانية التي نفذتها الفصائل التابعة له ، بحق الكرد العزل وأفراد النظام السوري ، في مشهد يفضح همجية الحرب وتواطؤ الصمت الدولي.
العالم يتفرج ، يُدفن الحق تحت ركام المدن المنكوبة ، بينما تُضاف مآسٍ جديدة إلى كتاب المعاناة .
في كل صفحةٍ منه ، تُكتب قصص أطفالٍ بلا مأوى ، وعائلاتٍ بلا وطن ، وأحلامٍ تذروها رياح الحرب. هكذا ، تُكتب الحكايات على رمال المصالح ، حيث لا أمان ولا سلام ، فقط صراع لا ينتهي بين الغدر والصمود.