تحليل الوضع الراهن حول إمكانية وصول قوات هيئة تحرير الشام إلى دمشق ومدى قدرة النظام على بناء تحالف لإفشال ذلك يعتمد على عوامل عسكرية، سياسية، وجيوستراتيجية معقدة. هنا تحليل عميق لهذه الأسئلة:
خريطة السيطرة العسكرية في سوريا 06.12.2024
1. إمكانية وصول قوات هيئة تحرير الشام إلى دمشق:
أ. الوضع العسكري الميداني:
قدرة الهيئة القتالية: هيئة تحرير الشام (HTS) تتمتع بتنظيم قوي في شمال سوريا، خاصة في إدلب وريفها، حيث تمتلك تشكيلات عسكرية مدربة ومزودة بمعدات قتالية حديثة نسبيًا. ولكن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت تمتلك الإمكانيات اللوجستية والعدد الكافي من المقاتلين لشن هجوم واسع النطاق وصولًا إلى دمشق.
الجغرافيا العسكرية: الطريق إلى دمشق يمر عبر مناطق معقدة جغرافيًا وعسكريًا، حيث تسيطر قوات النظام على معظم الأراضي في المناطق المحيطة بالعاصمة. تقدم قوات الهيئة يتطلب كسر خطوط دفاعية متماسكة خاصة في مناطق حماة، حمص، وريف دمشق.
الطيران الروسي والسوري: النظام يعتمد بشكل كبير على التفوق الجوي بمساعدة روسيا، مما يجعل أي تقدم بري للهيئة عرضة لضربات جوية مكثفة.
ب. الدعم الشعبي المحلي:
تواجد الخلايا النائمة: نجاح الهيئة في الوصول إلى دمشق يعتمد أيضًا على وجود خلايا نائمة أو حاضنة شعبية في المناطق التي تمر بها. إلا أن طبيعة المناطق المحيطة بدمشق لا تدعم بالضرورة وجود حاضنة للهيئة، حيث لا تزال تحت سيطرة النظام بحكم الأمر الواقع.
الديناميكيات الطائفية: دمشق ومحيطها هي مناطق مختلطة طائفيًا، مما يجعل من الصعب على هيئة تحرير الشام، ذات الطابع السني المتشدد، كسب دعم سكان تلك المناطق.
ج. الدعم الدولي والإقليمي:
تقييد الدعم العسكري: هيئة تحرير الشام محاصرة بدورها سياسيًا واقتصاديًا، حيث تتعرض لضغوط دولية وعقوبات جعلت وصول الدعم الخارجي إليها أمرًا صعبًا.
موقف تركيا: رغم التعاون التركي مع الهيئة في بعض الملفات، تركيا ليست مهتمة بتصعيد عسكري بهذا الحجم يصل إلى دمشق، حيث إن ذلك قد يضر بمصالحها الاستراتيجية في سوريا.
2. العوامل المساعدة لوصول الهيئة إلى دمشق:
أ. ضعف النظام السوري:
الإنهاك العسكري للنظام: قوات النظام مرهقة بعد أكثر من عقد من الحرب، وتعاني من نقص الموارد البشرية والمالية.
الأزمات الاقتصادية: الوضع الاقتصادي الكارثي في مناطق النظام يضعف من قوته الداخلية، ويزيد من احتمالية وجود اضطرابات داخلية قد تشتت تركيزه عن المواجهة مع الهيئة.
ب. الانقسام داخل حلفاء النظام:
التوترات بين روسيا وإيران: على الرغم من أن كلا الدولتين تدعمان النظام، هناك اختلافات في الأهداف الاستراتيجية بينهما، مما قد يؤدي إلى ضعف التنسيق في مواجهة الهيئة.
التباين داخل القوى المحلية: يعتمد النظام على ميليشيات متعددة ذات ولاءات متباينة، مما قد يضعف خط الدفاع الموحد ضد أي هجوم للهيئة.
ج. الاضطرابات الإقليمية والدولية:
تراجع الاهتمام الدولي بسوريا: مع انشغال القوى الدولية بأزمات أخرى مثل أوكرانيا أو النزاعات في شرق آسيا، قد تجد الهيئة فرصة للتوسع في ظل غياب تدخل دولي حاسم.
التغير في المواقف التركية: إذا تغيرت المصالح التركية نتيجة لصفقات مع المعارضة أو روسيا، قد تتغير موازين القوى لصالح الهيئة.
3. قدرة النظام على بناء تحالف لإفشال تقدم الهيئة:
أ. التحالفات الإقليمية:
روسيا وإيران: النظام يعتمد بشكل أساسي على الدعم الروسي والإيراني. موسكو توفر غطاءً جويًا ودعمًا سياسيًا في المحافل الدولية، بينما تقدم طهران الدعم الأرضي عبر ميليشياتها.
التطبيع العربي: مؤخرًا، شهدنا توجهًا من بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري. قد يُترجم هذا إلى دعم مالي أو سياسي يمنح النظام قوة إضافية لصد أي هجوم من الهيئة.
ب. دور الميليشيات المحلية والدولية:
حزب الله اللبناني: يلعب حزب الله دورًا أساسيًا في حماية المناطق المحيطة بدمشق وتأمين الخطوط الحيوية للنظام.
الميليشيات الإيرانية: انتشار هذه الميليشيات في المناطق الجنوبية والغربية لسوريا يشكل خط دفاع قوي ضد أي تقدم محتمل للهيئة.
ج. الدعم الدولي:
دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي: النظام يعتمد على إثارة مخاوف الإرهاب في المنطقة لكسب تعاطف المجتمع الدولي، مما قد يؤدي إلى تدخل دولي لدعمه ضد هيئة تحرير الشام.
المحصلة:
وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق يواجه تحديات هائلة، أهمها التفوق الجوي للنظام وداعميه، غياب الدعم الشعبي في المناطق المحيطة بالعاصمة، وقوة التحالفات الإقليمية التي يبنيها النظام. في المقابل، نجاح الهيئة يعتمد على انهيار داخلي كبير للنظام أو تغيرات إقليمية ودولية جوهرية تدعم تقدمها.
في الوقت الحالي، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الجمود الميداني، مع تصعيدات محلية ومحدودة من الهيئة دون تحقيق اختراقات استراتيجية.
إعداد المادة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات/ قسم "إستشراف الأحداث المستقبلية"