قراءة جيوسياسية لـ إبراهيم كابان
السياق الحالي
1. قوات سوريا الديمقراطية (قسد):
تعد قسد الكيان العسكري والسياسي المسيطر على شمال وشرق سوريا، وتستمد قوتها من دعم الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تتركز أهدافها في الحفاظ على الحكم الذاتي الكردي وضمان الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها.
2. هيئة تحرير الشام (HTS):
الهيئة هي القوة المهيمنة في إدلب والمناطق المجاورة، وتهدف إلى بناء نظام إسلامي محلي بعيداً عن نفوذ دمشق. ورغم اعتبارها منظمة إرهابية من قبل العديد من الدول، فإنها أظهرت مؤخراً إشارات على السعي لإعادة صياغة صورتها كقوة معتدلة.
3. الولايات المتحدة وإسرائيل:
الولايات المتحدة: تعتبر حليفة قسد وتراها شريكاً استراتيجياً في المنطقة. في المقابل، تتعامل بحذر مع HTS بسبب تصنيفها كمنظمة إرهابية.
إسرائيل: معنية بكبح النفوذ الإيراني في سوريا وقد تضغط لتحقيق استقرار سياسي محلي يقلل من فرص التوسع الإيراني.
السيناريوهات المستقبلية
1. سيناريو المواجهة:
قد تكون المواجهة العسكرية بين قسد وHTS احتمالاً وارداً للأسباب التالية:
اختلاف الأيديولوجيات: قسد تعتمد أيديولوجيا علمانية تمثل الطموحات الكردية في الحكم الذاتي، بينما تسعى HTS إلى إقامة حكم إسلامي لا يتماشى مع هذه الرؤية.
صراع النفوذ: السيطرة على مناطق شمال وشرق سوريا الغنية بالموارد، مثل النفط والزراعة، قد تكون دافعاً لصراع بين الطرفين.
موقف تركيا: يمكن أن تدعم تركيا HTS ضد قسد للحد من النفوذ الكردي على حدودها، مما يزيد احتمالات التصعيد.
2. سيناريو الاتفاق:
على الرغم من التوترات الأيديولوجية والسياسية، يمكن للطرفين التوصل إلى تفاهم مشترك بناءً على عدة عوامل:
ضغط الولايات المتحدة: قد تضغط واشنطن على الطرفين لتجنب أي تصعيد يعطل استراتيجيتها في المنطقة. يمكن أن تدفع باتجاه مفاوضات مباشرة كوسيلة لتوحيد الجهود ضد دمشق أو إيران.
الحاجة إلى استقرار محلي: تدرك HTS وقسد أن التصعيد سيؤدي إلى مزيد من الفوضى، ما قد يفتح الباب أمام عودة تنظيم داعش أو تعزيز نفوذ النظام السوري.
مخاوف مشتركة من دمشق وإيران: إذا وجدت HTS وقسد أن لديهما عدواً مشتركاً في النظام السوري المدعوم إيرانياً، فقد تتقاربان للتنسيق في قضايا محددة.
هل ستضغط الولايات المتحدة على HTS للتفاوض؟
من غير المرجح أن تضغط واشنطن بشكل علني أو مباشر على HTS للتفاوض مع قسد للأسباب التالية:
تصنيف HTS كمنظمة إرهابية: يجعل من الصعب على الولايات المتحدة إقامة أي اتصال رسمي معها دون إثارة انتقادات دولية.
تركيز واشنطن على قسد: تفضل واشنطن تعزيز موقف قسد كقوة شرعية في المنطقة بدلاً من تقوية HTS.
ومع ذلك، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى أطراف وسيطة، مثل تركيا أو قطر، لنقل رسائل غير مباشرة إلى HTS، بهدف دفعها نحو تنازلات تخدم استقرار المنطقة.
هل ستتدخل إسرائيل في الضغط على دمشق؟
قد يكون لإسرائيل دور محدود وغير مباشر في تقريب وجهات النظر بين قسد وHTS من خلال:
إضعاف النظام السوري: عبر شن هجمات على أهداف إيرانية في سوريا، ما يضعف موقف دمشق ويدفعها إلى قبول حلول سياسية بديلة.
التنسيق مع الولايات المتحدة: يمكن لإسرائيل أن تدعم مساعي واشنطن لتقريب الفصائل المعارضة للنظام السوري إذا رأت أن ذلك يساهم في تقليل النفوذ الإيراني.
ومع ذلك، فإن تدخل إسرائيل سيكون محفوفاً بالمخاطر، إذ إن أي دور واضح لها قد يُستغل من قبل النظام السوري أو إيران لتشويه سمعة أي اتفاق بين قسد وHTS.
العوامل الحاسمة
1. موقف تركيا:
تلعب تركيا دوراً رئيسياً في توازن القوى بين قسد وHTS، حيث يمكن أن تدعم الأخيرة لتعزيز نفوذها في مواجهة قسد.
2. مستقبل إدلب:
إذا نجحت HTS في تعزيز وضعها كقوة سياسية "معتدلة"، فقد تتمكن من الحصول على قبول ضمني من المجتمع الدولي، ما يسهل الحوار مع قسد.
3. ديناميات النظام السوري وإيران:
قد تؤدي الضغوط الدولية والإسرائيلية على دمشق إلى فتح باب للمفاوضات بين جميع الأطراف المعارضة، بما في ذلك قسد وHTS.
الخلاصة
يبقى مستقبل العلاقة بين قسد وHTS محكوماً بعدة عوامل إقليمية ودولية. ورغم أن المواجهة العسكرية قد تبدو أكثر احتمالاً نظراً للتباينات الأيديولوجية والصراعات الجيوسياسية، فإن فرص الاتفاق تظل قائمة إذا ما ضغطت القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وتركيا، لتحقيق استقرار محلي يمنع تمدد النفوذ الإيراني ويضمن بقاء التوازن الاستراتيجي في شمال سوريا.