مصير العلويين في سوريا بعد سقوط النظام

Site management
0
قراءة سياسية لـ إبراهيم كابان
يمثل الحديث عن مصير العلويين في سوريا بعد سقوط النظام تحدياً معقداً في ظل الواقع السوري الممزق والانقسامات الطائفية والعرقية التي تجذرت على مدى 13 عاماً من الحرب. يتسم المشهد السوري اليوم بصراع طائفي عميق، وبتشكّل هويات فرعية متصارعة، ما يضع العلويين أمام معضلات وجودية تتعلق بالبقاء والهوية والاندماج في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

الوضع الحالي والمشهد العلوي في سوريا

لطالما ارتبطت الطائفة العلوية بشكل كبير بالنظام السوري الذي يعتمد على قاعدة أساسية من أبناء هذه الطائفة، سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية. مع سقوط النظام، سيجد العلويون أنفسهم في مواجهة مصير غير محسوم، إذ أن هذا الارتباط جعلهم في نظر بعض الأطراف مسؤولين عن سياسات النظام القمعية والدموية.
في مناطق العلويين، مثل الساحل السوري، بدأت بالفعل تظهر بوادر فوضى وانقسامات داخلية بسبب تراجع سلطة النظام المركزي واستنزاف الموارد. عانى العلويون من نسب مرتفعة من الضحايا في الحرب، ما أدى إلى شلل اجتماعي واقتصادي كبير، فضلاً عن حالة من التململ المتصاعد بسبب سياسات النظام التي جلبت المزيد من الأعداء. بعد سقوط النظام، من المتوقع أن تعاني هذه المناطق من:
1. الفوضى الأمنية: نتيجة غياب سلطة مركزية وانعدام الثقة بين العلويين والجماعات الأخرى.
2. الانتقامات الطائفية: الصراع بين السنة والعلويين، الذي غذته سنوات من القتل والدمار، قد يؤدي إلى موجة من الانتقام في المناطق التي يتواجد فيها العلويون.
3. انعدام الاستقرار الاقتصادي: انهيار النظام سيؤدي إلى مزيد من التهميش لهذه المناطق التي تعاني أصلاً من مشكلات اقتصادية حادة.

خيار البقاء والمقاومة

مع سيطرة الجماعات المتطرفة أو المعارضة المسلحة ذات الطابع السني على مساحات واسعة من سوريا، يتراجع الأمل في بناء دولة موحدة قائمة على المواطنة. قد يضطر العلويون إلى البحث عن خيار المقاومة من خلال تشكيل ميليشيات محلية، كما فعلت بعض الطوائف الأخرى. ولكن هذا الخيار يحمل تحديات كبيرة في ظل انعدام الدعم الخارجي والتفكك الداخلي.

الخيار الجغرافي: اللجوء إلى الجبال والساحل

قد يسعى العلويون إلى تعزيز وجودهم في المناطق الجبلية والساحلية، التي تشكل معاقل تاريخية للطائفة. يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى خلق "جيب علوي" يهدف إلى حماية الطائفة من الانتقام الطائفي، لكنه قد يصبح هدفاً للحصار والعزل، خاصة إذا رفضت القوى المحلية والإقليمية الاعتراف بهذا الكيان أو دعمه.

الاندماج أو البحث عن تحالفات جديدة

في ظل واقع الأقليات الآخر، مثل الأكراد والدروز، الذين تمكنوا من إقامة إدارات شبه ذاتية مدعومة بقوات عسكرية منظمة، قد يسعى العلويون إلى استلهام هذه التجارب. يمكن أن يكون الخيار الأفضل هو البحث عن تحالفات مع القوى الإقليمية أو المحلية التي تمتلك تأثيراً على الأرض، مثل قوات سوريا الديمقراطية أو الفصائل المعتدلة.

التحديات والخيارات المستقبلية

1. التفاوض مع القوى الإقليمية: قد يحاول العلويون الاستفادة من علاقاتهم التاريخية مع إيران وروسيا، لكن انهيار النظام سيضعف هذه التحالفات بشكل كبير.
2. التكيف مع إدارة لامركزية: في حال تبلور نظام سياسي لا مركزي في سوريا، قد يكون أمام العلويين خيار المشاركة في إدارة محلية تعطيهم بعض الاستقلالية، لكنها قد تضعهم تحت هيمنة القوى الكبرى في المنطقة.
3. الهجرة الجماعية: في حال تفاقمت الأمور، قد تجد الطائفة العلوية نفسها أمام موجة هجرة جماعية مشابهة لما حدث لطوائف أخرى في المنطقة، وهو خيار يحمل مخاطر فقدان الهوية.

هل سيكون لعلويي تركيا دور في تخفيف معاناة علويي سوريا؟

في سياق البحث عن خيارات العلويين في سوريا بعد سقوط النظام، يبرز سؤال مهم حول الدور المحتمل لعلويي تركيا، وما إذا كانوا قادرين على لعب دور إيجابي في تخفيف معاناة علويي سوريا. للإجابة عن هذا السؤال، يجب تحليل العلاقة بين الطائفتين في كلا البلدين، وموقف علويي تركيا من الأزمة السورية، والديناميات السياسية والإقليمية التي قد تؤثر على ذلك الدور.

الروابط بين علويي سوريا وعلويي تركيا

رغم الانتماء إلى نفس الطائفة، فإن علويي تركيا (أو العلويين الأناضوليين) يختلفون ثقافياً وسياسياً ودينياً إلى حد ما عن علويي سوريا. علويو تركيا يُعرفون بهويتهم المتأثرة بالتقاليد الأناضولية وبتداخلها مع الثقافة الصوفية، ويميلون أكثر إلى العلمانية واليسار السياسي، في حين أن علويي سوريا ارتبطوا بشكل أوثق بالنظام السوري ودوره في الحكم.
هذه الاختلافات تجعل العلاقة بين الطائفتين محدودة إلى حد ما على المستوى السياسي والاجتماعي، لكنها لا تلغي إمكانية وجود تضامن في حال تعرض علويي سوريا لاضطهاد أو انتقام طائفي.

دور علويي تركيا في الأزمة السورية

علويو تركيا يمثلون حوالي 15-20% من سكان البلاد، ويتمتعون بثقل سياسي وثقافي في المشهد التركي. ومع ذلك، فإن دورهم في السياسة الخارجية التركية محدود، حيث إنهم ليسوا جزءاً أساسياً من هيكل الدولة التركية الذي تقوده أحزاب ذات طابع قومي أو إسلامي. لكن هناك عدة عوامل يمكن أن تسهم في تحديد دورهم في الأزمة السورية:

1. الدور السياسي والضغط الداخلي:
علويو تركيا يعانون من مشكلات خاصة بهم داخل تركيا، حيث يشعرون بالتهميش في ظل حكم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية. مع ذلك، يمكن لقياداتهم ومؤسساتهم أن تضغط على الحكومة التركية لتبني موقف أكثر توازناً تجاه علويي سوريا، خاصة إذا تفاقمت أوضاعهم بعد سقوط النظام.
2. التضامن الإنساني والثقافي:
هناك إمكانية لظهور جهود تضامنية غير رسمية من علويي تركيا لدعم علويي سوريا من خلال تقديم المساعدات الإنسانية أو استضافة اللاجئين. هذا الدور قد يبرز إذا تم توجيهه عبر منظمات المجتمع المدني أو الحركات اليسارية التركية التي تتبنى قضايا إنسانية عابرة للحدود.
3. المعادلة التركية-الإيرانية:
يُنظر إلى علويي تركيا كمكون غير مرتبط مباشرة بالتحالف الإيراني-الشيعي الذي يدعم النظام السوري، لكن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي ودورها في الأزمة السورية، يمكن أن تكون وسيطاً مهماً. في هذا السياق، قد يسهم علويو تركيا بشكل غير مباشر في تخفيف الضغط على علويي سوريا إذا استخدمت الحكومة التركية نفوذها لاحتواء الجماعات المتطرفة أو تخفيف الانتقام الطائفي.

التحديات أمام تدخل علويي تركيا

على الرغم من الإمكانيات، هناك تحديات كبيرة تواجه علويي تركيا إذا حاولوا لعب دور محوري في مساعدة علويي سوريا:
1. التوازن الداخلي في تركيا:
الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية لا تُظهر اهتماماً كبيراً بدعم قضايا الأقليات، وقد تقف موقفاً معادياً لأي نشاط من علويي تركيا يُفسر على أنه يهدد السياسة الرسمية تجاه سوريا.
2. التوترات الطائفية والإقليمية:
أي دور علوي تركي في مساعدة علويي سوريا قد يتم استغلاله لتأجيج التوترات الطائفية داخل تركيا، خاصة في ظل الانقسام بين السنة والعلويين الأتراك أنفسهم.
3. الدعم الإقليمي والدولي:
علويو تركيا لا يملكون الدعم الإقليمي أو الدولي الكافي لتقديم مساعدة ذات تأثير واسع النطاق لعلويي سوريا. هذا يعزز الاعتماد على جهود محدودة ذات طابع إنساني وثقافي، أكثر من التدخل السياسي.

هل يمكن أن يكون لعلويي تركيا تأثير طويل الأمد؟

من الناحية الواقعية، قد يكون تأثير علويي تركيا محدوداً، لكنه يمكن أن يلعب دوراً مهماً في المجالات التالية:
1. خلق قنوات تواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لتسليط الضوء على معاناة علويي سوريا.
2. تقديم الدعم الإنساني المباشر، سواء عبر الحدود أو من خلال استقبال اللاجئين.
3. الضغط السياسي الداخلي في تركيا لدفع الحكومة نحو موقف أكثر توازناً تجاه الأزمة السورية.

الإستنتاج: تأثير محدود ولكنه محتمل

مصير العلويين في سوريا بعد سقوط النظام يتوقف على مجموعة معقدة من العوامل: مدى قبول القوى المحلية والدولية لبقاء الطائفة في مناطقها التقليدية، ودرجة العداء الطائفي المتجذر، فضلاً عن قدرة العلويين على إعادة تنظيم أنفسهم سياسياً وعسكرياً في غياب النظام.
يبدو أن الطائفة تواجه مفترق طرق وجودي، حيث سيكون عليها الاختيار بين المقاومة، الاندماج، أو البحث عن مخرج عبر تحالفات جديدة. وفي النهاية، يبقى مستقبل سوريا نفسها – كدولة جامعة – حاسماً في تحديد مصير العلويين وغيرهم من المكونات.
على الرغم من الاختلافات والقيود، يمكن أن يكون لعلويي تركيا دور في التخفيف من معاناة علويي سوريا، خاصة من خلال الجهود الإنسانية والضغط السياسي. ومع ذلك، فإن هذا الدور يعتمد على إرادة سياسية داخلية في تركيا، وعلى استعداد المجتمع الدولي لدعم مبادرات كهذه. يبقى الأمر رهناً بالتطورات الإقليمية ومدى قدرة علويي تركيا على تجاوز تحدياتهم الداخلية للمساهمة بشكل فعّال في حماية أبناء طائفتهم في سوريا.

- مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!