تحليل استشرافي لخطاب عبد الله أوجلان المرتقب في 15 شباط 2025: دلالاته وتداعياته المحتملة

Site management
1
يترقب الشارع الكردي والإقليمي خطابًا محوريًا من الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، المقرر إلقاؤه في 15 شباط 2025، والذي يأتي في ظل تقارير إعلامية عن إطلاق "عملية سلام جديدة" بينه وبين الدولة التركية. هذا الخطاب يثير تساؤلات جوهرية حول محتواه المحتمل، ومدى تأثيره على الصراع الطويل الأمد بين حزب العمال الكردستاني (PKK) وأنقرة، وما إذا كان أوجلان سيدعو إلى نزع السلاح أو الدخول في عملية سلام تدريجية، وما إذا كانت هذه المبادرة ستلقى قبولًا من مختلف الأطراف المعنية.

في هذا التحليل، سنحاول استشراف أهم النقاط التي قد يتضمنها خطاب أوجلان، إضافة إلى تقييم السيناريوهات المحتملة بناءً على المعطيات السياسية الحالية والمواقف التاريخية للطرفين.

أولًا: الخلفية السياسية والتوقيت الحساس للخطاب

يأتي خطاب أوجلان في توقيت حساس للغاية، سواء على الصعيد الكردي أو التركي أو الإقليمي. فبعد أكثر من عقدين من اعتقاله في جزيرة إيمرالي، ظل أوجلان شخصية محورية في القضية الكردية، رغم عزله شبه التام عن العالم الخارجي منذ 2019، حيث توقفت محاموه عن زيارته وسط تكهنات بشأن وضعه الصحي والسياسي.
في السياق التركي، تشهد البلاد اضطرابات سياسية واقتصادية مع تصاعد الاستقطاب الداخلي، مما يدفع الحكومة التركية للبحث عن خيارات جديدة لضمان الاستقرار. على الصعيد الكردي، تعيش الحركة الكردية مرحلة حرجة، إذ تواجه قوات سوريا الديمقراطية (SDF) تحديات في شمال سوريا، في حين تواصل تركيا عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا. كل هذه العوامل تجعل الخطاب حدثًا استثنائيًا يمكن أن يرسم ملامح المرحلة المقبلة للصراع الكردي-التركي.

ثانيًا: السيناريوهات المحتملة لمضمون خطاب أوجلان

1. دعوة إلى نزع السلاح مقابل السلام: خطوة جذرية أم مناورة؟

هناك احتمالية أن يتبنى أوجلان موقفًا مشابهًا لما طرحه خلال عملية السلام السابقة بين 2013 و2015، حيث دعا آنذاك إلى إنهاء الكفاح المسلح مقابل ضمانات سياسية وحقوقية للأكراد. إذا تضمن خطابه دعوة واضحة لحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية لإلقاء السلاح، فقد يكون ذلك مؤشرًا على اتفاق سري بينه وبين أنقرة لإحياء عملية السلام.

لكن السؤال الأهم هنا هو: هل سيقبل حزب العمال الكردستاني بذلك؟

يُعرف الحزب بتوجهه الأيديولوجي المتشدد، وقد رفض في السابق أي محاولات لإنهاء العمل المسلح دون تحقيق مكاسب واضحة. ومن ثم، فإن موقف قيادته العسكرية في قنديل سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد مدى إمكانية تطبيق هذه الدعوة على أرض الواقع.

2. مبادرة "الخطوة مقابل الخطوة": نهج تدريجي لحل الأزمة

نظرًا لانعدام الثقة التاريخي بين الكرد والحكومة التركية، قد يعتمد أوجلان مقاربة تدريجية بدلًا من نزع السلاح الفوري، بحيث يقترح خطوات متبادلة، تبدأ بها الحكومة التركية بتقديم تنازلات سياسية وحقوقية، مثل:إعادة إحياء مفاوضات السلام الرسمية، وضمان إشراك ممثلين سياسيين أكراد معترف بهم دوليًا.
تحسين أوضاع المعتقلين السياسيين الكرد، بما في ذلك تخفيف العزلة عن أوجلان نفسه.
تعزيز الحقوق الثقافية والسياسية للكرد داخل تركيا، مثل زيادة استخدام اللغة الكردية في المؤسسات العامة والإعلام.
في المقابل، سيكون مطلوبًا من حزب العمال الكردستاني اتخاذ خطوات تدريجية، مثل وقف الهجمات المسلحة على الأراضي التركية، أو تخفيض نشاطه العسكري في جبال قنديل وسوريا.
هذا النموذج قد يكون أكثر واقعية من دعوة مباشرة لنزع السلاح، لكنه يتطلب التزامًا سياسيًا من الطرفين، وهو أمر غير مضمون نظرًا للتجارب السابقة.

3. موقفه من قوات سوريا الديمقراطية (SDF): تأييد أم تخلي؟

قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) عمودها الفقري، تعد من الفاعلين الرئيسيين في المعادلة الكردية الإقليمية، وهي تخوض صراعًا مزدوجًا ضد تركيا من جهة، وضد التهديدات الأمنية من تنظيم داعش وبقية الفصائل المسلحة من جهة أخرى.
إذا دعا أوجلان إلى وقف القتال مع تركيا، فقد يكون لذلك تأثير مباشر على مستقبل قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتمد على دعم الولايات المتحدة، ولكنها في الوقت ذاته تحاول تجنب صدام مباشر مع أنقرة. في حال طلب أوجلان من SDF إعادة هيكلة نفسها والابتعاد عن حزب العمال الكردستاني، فقد يكون ذلك إشارة إلى اتفاق تركي-أمريكي بشأن الملف الكردي في سوريا.
ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ستواجه معارضة شديدة من القيادات العسكرية الكردية في سوريا، والتي ترى في نفسها قوة مستقلة غير خاضعة مباشرة لأوجلان أو لحزب العمال الكردستاني.

ثالثًا: تداعيات الخطاب على الأطراف المختلفة

1. رد الفعل التركي: قبول مشروط أم مناورة سياسية؟

إذا قدم أوجلان طرحًا جادًا للسلام، فقد تستغله الحكومة التركية لتحسين صورتها داخليًا ودوليًا، خاصة أن أي مبادرة سلام قد تخفف الضغوط الغربية على أنقرة بشأن ملف الأكراد وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن موقف المؤسسة العسكرية التركية، التي لطالما فضلت النهج الأمني على التفاوض، سيكون حاسمًا في تحديد مدى استجابة الدولة لهذا الطرح.

2. موقف حزب العمال الكردستاني: انقسام داخلي؟

يواجه الحزب انقسامًا داخليًا بين تيارين:التيار البراغماتي، الذي قد يرحب بالمبادرة إذا تضمنت ضمانات سياسية حقيقية.
التيار المتشدد، الذي يرى أن أي وقف للصراع دون تحقيق الاستقلال أو حكم ذاتي قوي هو بمثابة استسلام.
لذلك، قد يؤدي الخطاب إلى انقسامات داخل الحزب، حيث يمكن أن ترفض بعض الفصائل المسلحة التخلي عن الكفاح المسلح، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد بدلًا من التهدئة.

3. موقف الشعب الكردي: بين الأمل والتخوف

الكثير من الكرد سيرون في الخطاب فرصة نادرة لإنهاء عقود من الصراع، لكن هناك مخاوف من أن تكون هذه المبادرة مجرد تكتيك سياسي آخر من أنقرة للالتفاف على المطالب الكردية دون تنفيذ إصلاحات حقيقية.
كما أن التجربة التاريخية مع محاولات السلام السابقة تجعل الكرد أكثر حذرًا، خاصة إذا لم تكن هناك ضمانات دولية حقيقية لتنفيذ أي اتفاق محتمل.

الخاتمة: إلى أين تتجه الأمور؟

سيكون خطاب عبد الله أوجلان في 15 شباط 2025 لحظة تاريخية فارقة. فإذا كان جادًا في الدعوة إلى حل سلمي، فإن ذلك قد يشكل بداية جديدة لمسار القضية الكردية. لكن نجاح أي مبادرة سلام سيعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات حقيقية، فضلًا عن الدور الذي قد تلعبه الأطراف الدولية في ضمان تنفيذ أي اتفاق محتمل.
بين الترقب والحذر، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه لحظة تحول حقيقية، أم مجرد فصل جديد في الصراع الطويل بين الأكراد وتركيا؟

إعداد المادة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات/ قسم "إستشراف الأحداث المستقبلية"

إرسال تعليق

1تعليقات

  1. برأي الخاص أن قوات الكريلا لم يلقوا السلاح إذا لم يكن هناك طرف دولي بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني وان يكون السلام العادل للقضية الكوردية خطوة بخطوة

    ردحذف
إرسال تعليق

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!