مستقبل الكورد في سوريا: تحديات الوحدة والاستراتيجيات المطلوبة

Site management
0
نقطة نظام: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
مع التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا بعد نجاح حكومة أحمد الشرع في توحيد غالبية القوى العسكرية والسياسية العربية السنية، يواجه الكورد تحديًا استراتيجيًا معقدًا يتمثل في توحيد قواهم السياسية والعسكرية لمواجهة التهميش المتزايد والاضطرابات الإقليمية. فبينما أصبحت الإدارة الذاتية الكوردية في الشمال الشرقي خارج سيطرة دمشق، ومع بقاء السويداء مستقلة بفضل الحراك الدرزي، يواجه الساحل السوري أزمة هوية نتيجة التغيرات السياسية الجديدة. فكيف يمكن للكورد مواجهة هذه التحديات؟ وما هي الاستراتيجيات المطلوبة لضمان بقائهم كقوة فاعلة في مستقبل سوريا؟

واقع الكورد في سوريا بعد التغيرات السياسية

شهد الكورد في سوريا فترات متباينة من التعاون والصراع مع الحكومة المركزية، حيث تمكنوا خلال الحرب الأهلية من بناء إدارة ذاتية مستقلة بدعم عسكري من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وغطاء دولي أميركي. ولكن مع استعادة دمشق لجزء كبير من سلطتها، يجد الكورد أنفسهم أمام واقع جديد يتطلب إعادة ترتيب أولوياتهم السياسية والعسكرية.
1. التهميش السياسي والتحديات الداخلية
رغم أن الكورد يشكلون مكونًا رئيسيًا في سوريا، إلا أنهم ظلوا يعانون من تهميش تاريخي، تفاقم بعد التغيرات الأخيرة التي جعلت من حكومة دمشق الجديدة أقوى وأكثر سيطرة على المشهد السياسي. تعزز هذا التهميش بسبب:
الخلافات الداخلية: انقسامات بين القوى السياسية الكوردية، أبرزها بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والأحزاب المرتبطة بالمجلس الوطني الكوردي (ENKS)، ما أضعف الموقف التفاوضي الكوردي.
العلاقات الإقليمية المعقدة: ارتباط بعض الفصائل الكوردية بأجندات إقليمية متباينة، خصوصًا بين تركيا والولايات المتحدة وإيران، مما جعل التوافق الداخلي صعبًا.
غياب الاعتراف الدولي الكافي: رغم الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية، فإن هذا الدعم يظل مرهونًا بالتحولات السياسية الكبرى في المنطقة، ما يجعل الكورد عرضة للضغوط.
2. المخاطر العسكرية والتوازنات الإقليمية
من الناحية العسكرية، تواجه القوات الكوردية تحديات كبيرة بعد الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية واحتمالية إعادة انتشار القوات التركية في مناطق الشمال. ومع ذلك، هناك فرصة استراتيجية للكورد إذا تمكنوا من توحيد جهودهم وتشكيل قوة عسكرية أكثر تماسكًا واستقلالية.

الخيارات الاستراتيجية أمام الكورد

1. توحيد البيت الكوردي سياسيًا
لكي يتمكن الكورد من حماية مكتسباتهم السياسية والإدارية، فإن الخطوة الأولى هي توحيد البيت الكوردي عبر:
إجراء حوار داخلي شامل بين القوى الكوردية المختلفة لإنهاء الانقسامات الداخلية وإيجاد رؤية سياسية موحدة.
بناء تحالفات أوسع مع المكونات السورية الأخرى، خاصة مع الفصائل العربية التي تتبنى نهجًا غير متطرف، ومع القوى الدرزية والساحلية التي تبحث عن صيغة سياسية جديدة تحفظ مصالحها.
الضغط دوليًا للحصول على ضمانات من القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، للحفاظ على الاستقلالية السياسية والعسكرية.
2. تعزيز القوة العسكرية بشكل مستقل
إعادة هيكلة قوات سوريا الديمقراطية بحيث تشمل مكونات سورية أوسع، مما يجعلها قوة وطنية غير مقتصرة على الأكراد فقط.
تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية عبر التفاوض مع تركيا لتخفيف حدة العداء، خاصة من خلال تبني سياسات أكثر براغماتية تجاه الأمن القومي التركي.
إيجاد شراكات عسكرية جديدة، سواء مع القوات الروسية أو عبر التفاوض مع دمشق بشروط تحافظ على الإدارة الذاتية.
3. استثمار الوضع الإقليمي لصالحهم
في ظل التغيرات الجارية، يستطيع الكورد الاستفادة من التوازنات الإقليمية عبر:
تعزيز علاقتهم مع الولايات المتحدة لضمان بقاء دعمها، حتى لو كان محدودًا، والاستفادة من الضغط الأميركي على دمشق.
محاولة استغلال الانقسامات داخل النظام السوري، خصوصًا مع عدم استقرار الوضع في الساحل والجنوب، لدفع دمشق نحو تقديم تنازلات سياسية للكورد.
تعزيز العلاقات مع المعارضة السورية المعتدلة لإيجاد صيغة جديدة للحكم الذاتي ضمن إطار الدولة السورية.

المحصلة

بينما ينجح أحمد الشرع وحكومته في فرض هيمنة سياسية على معظم سوريا، يواجه الكورد تحديًا تاريخيًا في تثبيت وجودهم السياسي والعسكري ضمن هذه الخارطة المتغيرة. الخيار الوحيد أمامهم هو تبني استراتيجية موحدة تجمع بين التوافق الداخلي، والتحالفات الإقليمية، والاستفادة من التوازنات الدولية، لتجنب التهميش ولعب دور فاعل في مستقبل سوريا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!