النفط السوري قبل الثورة وبعدها وفي الوقت الحالي: تحليل معمق

Site management
0
إعداد: جمال محمود/ شانا قاسم/ خاص الجيوستراتيجي للدراسات
يُعتبر النفط واحدًا من أهم الثروات الطبيعية في سوريا، حيث كان يشكل مصدرًا رئيسيًا للإيرادات الحكومية، ويؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي والسياسات الخارجية. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهد هذا القطاع تحولات جذرية أثرت على موازين القوى داخل البلاد. في هذا التحليل المعمق، سنستعرض واقع النفط السوري قبل الثورة، وأثناء الحرب، وفي المرحلة الحالية، بالإضافة إلى مناقشة دلالات توقيع حكومة دمشق عقدًا لشراء النفط من سلطة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
 
أولًا: النفط السوري قبل الثورة – قطاع حيوي في ظل سيطرة الدولة

قبل عام 2011، كانت سوريا تمتلك قطاعًا نفطيًا مستقرًا نسبيًا، حيث تركز الإنتاج في حقول دير الزور، الحسكة، والرقة، وهي المناطق الشرقية الغنية بالنفط. وقد كان النفط يشكل حوالي 25% إلى 30% من إجمالي إيرادات الحكومة، حيث بلغ الإنتاج ذروته في التسعينيات، مسجلًا نحو 600 ألف برميل يوميًا، قبل أن يبدأ في التراجع التدريجي في العقد الأول من الألفية الثالثة بسبب استنزاف الحقول وعدم الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة.
كانت الحكومة السورية تعتمد على تصدير النفط بشكل رئيسي إلى أوروبا، خاصةً إيطاليا وفرنسا، حيث كان يتم تصدير حوالي 150 ألف برميل يوميًا، بينما يُستهلك الباقي محليًا لتلبية احتياجات الطاقة.
العوامل التي أثرت على القطاع قبل الثورة:
1. ضعف الاستثمارات: لم تشهد سوريا استثمارات كبيرة في قطاع النفط بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة منذ عام 2004.
2. إدارة حكومية غير كفوءة: كانت عمليات التنقيب والإنتاج تدار من قبل "المؤسسة العامة للنفط" وبعض الشركات الأجنبية مثل "توتال" الفرنسية و"شل" الهولندية، ولكن الإدارة الحكومية لم تكن فاعلة في تطوير القطاع.
3. تراجع الاحتياطيات: بحلول عام 2010، انخفض الإنتاج إلى 385 ألف برميل يوميًا، مما كان ينذر بتحديات مستقبلية.

ثانيًا: النفط السوري أثناء الثورة – انهيار القطاع واستغلاله من قبل الفصائل المسلحة

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تأثر قطاع النفط بشكل كبير نتيجة العقوبات الدولية، والصراع العسكري، وظهور قوى جديدة سيطرت على الحقول النفطية.
أبرز التغيرات في هذه المرحلة:
1. فقدان الحكومة السيطرة على الحقول:
بحلول عام 2013، سيطرت المعارضة المسلحة على بعض الحقول النفطية، مما أدى إلى توقف الإنتاج المنظم.
في عام 2014، فرض تنظيم "داعش" سيطرته على أكبر الحقول النفطية في دير الزور والرقة، حيث استغل النفط كمصدر تمويل رئيسي.
كانت تقديرات الإنتاج في ذروة سيطرة داعش تصل إلى 40 - 50 ألف برميل يوميًا، حيث تم بيع النفط في السوق السوداء عبر وسطاء محليين ودوليين.
2. تدمير البنية التحتية:
تعرضت الحقول النفطية للقصف من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مما أدى إلى تدمير العديد من المنشآت.
توقفت عمليات التصدير تمامًا بسبب العقوبات الغربية، وأصبح السوق الداخلي هو المصدر الوحيد لتصريف النفط.
3. التهريب والأسواق السوداء:
أصبح النفط يُباع عبر وسطاء إلى مناطق النظام السوري، تركيا، وحتى العراق، مما خلق شبكة غير رسمية لتجارة النفط.

ثالثًا: النفط السوري في الوقت الحالي – سيطرة "قسد" وتراجع الإنتاج

واقع السيطرة على النفط بعد 2019:
بعد هزيمة "داعش" في سوريا، انتقلت السيطرة على معظم الحقول النفطية إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وأصبح شمال شرق سوريا هو المصدر الرئيسي للنفط في البلاد.
أهم الحقول التي تسيطر عليها قسد حاليًا:
حقل العمر: أكبر حقل نفطي في سوريا، يقع في دير الزور، وتقدر طاقته الإنتاجية بحوالي 90 ألف برميل يوميًا قبل الحرب، لكنه يعمل الآن بطاقة أقل بسبب الأضرار التي لحقت به.
حقل التنك: من أكبر الحقول في شرق سوريا.
حقول رميلان: في الحسكة، تحتوي على أكثر من 1300 بئر نفطي.
الطاقة الإنتاجية الفعلية:
يقدر إنتاج النفط حاليًا بنحو 40 - 50 ألف برميل يوميًا، وهو أقل بكثير من مستويات ما قبل الحرب.
يتم تهريب النفط إلى مناطق النظام السوري أو بيعه محليًا بأسعار مرتفعة بسبب نقص الوقود.

رابعًا: توقيع حكومة دمشق عقد شراء النفط من سلطة الإدارة الذاتية – دلالات سياسية واقتصادية

في خطوة غير مسبوقة، وقعت الحكومة السورية عقدًا لشراء النفط من سلطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة.
دلالات الاتفاق:
1. اعتراف ضمني بالإدارة الذاتية:
يعكس الاتفاق اعترافًا غير مباشرًا بسلطة الإدارة الذاتية كجهة قائمة بحد ذاتها تدير الموارد النفطية في شمال وشرق سوريا.
رغم أن دمشق لا تعترف رسميًا بالإدارة الذاتية، إلا أن الحاجة للنفط فرضت عليها التعامل معها.
2. حاجة دمشق إلى النفط:
يواجه النظام السوري أزمة وقود خانقة بسبب العقوبات الغربية، خاصة بعد توقف الواردات الإيرانية مؤخرًا.
يهدف الاتفاق إلى تخفيف الأزمة في مناطق سيطرة الحكومة، حيث تعاني دمشق والمدن الأخرى من نقص حاد في الوقود.
3. استمرار الاعتماد على مناطق "قسد":
حتى مع التوترات بين دمشق والإدارة الذاتية، لا تزال الأخيرة هي المزود الأساسي للنفط في البلاد، مما يجبر الحكومة على التعاون معها.
هذا قد يفتح المجال لمفاوضات أوسع حول مستقبل الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا.
4. تراجع الدور الروسي في تأمين النفط للنظام:
في السنوات السابقة، كانت روسيا تساعد النظام في تأمين النفط عبر إيران، لكن العقوبات الغربية وصعوبة نقل النفط عبر البحر قللت من هذا الدعم.
يشير الاتفاق إلى محاولة دمشق إيجاد بدائل داخلية بدلاً من الاعتماد على الإمدادات الخارجية.

خامسًا: مستقبل النفط السوري – إلى أين؟

1. تحديات إعادة الإعمار:
يحتاج قطاع النفط إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل الحقول والمصافي، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل العقوبات والعزلة السياسية.
2. إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية:
إذا استمر التعاون بين دمشق وسلطة الإدارة الذاتية، فقد يشكل ذلك نواة لحوار أوسع حول مستقبل الحكم في سوريا.
3. التنافس الدولي على النفط السوري:
الولايات المتحدة تدعم "قسد"، بينما تحاول روسيا والنظام استعادة السيطرة على الموارد.
تركيا ترفض وجود الإدارة الذاتية، مما يعقد أي اتفاق طويل الأمد بشأن النفط.

المحصلة

يُعد قطاع النفط السوري واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا في الصراع السوري، حيث يشكل نقطة تلاقٍ بين المصالح المحلية والدولية. وبينما لا تزال سوريا بعيدة عن استعادة عافيتها النفطية، فإن الاتفاق الأخير بين دمشق والإدارة الذاتية قد يكون خطوة نحو تفاهم اقتصادي وسياسي أوسع، رغم العقبات العديدة التي تعترضه.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!