إستراتيجية نظام أحمد الشرع في تقليد آليات نظام الأسد الدعائية: قراءة في استنساخ الاستبداد واختلاف الشعارات

Site management
0
قضية ساخنة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
منذ تولي أحمد الشرع مقاليد السلطة في دمشق قبل خمسة أشهر، دخلت الساحة السورية مرحلة جديدة من الحكم الشمولي، تُخفي خلف وعود التغيير استمراراً بآليات النظام السوري السابق، وإن بصيغة مختلفة وشعارات جديدة. فالنظام الحالي، الذي جاء في أعقاب مرحلة من الفوضى والعنف المركب، سرعان ما كشف عن ملامح مشروعه السياسي الذي وإن تظاهر بالقطيعة مع منظومة الأسد، إلا أنه لا يبتعد كثيراً عنها في الجوهر، بل يُعيد إنتاجها باستخدام أدوات جديدة وتعبيرات لغوية مغايرة.

إيديولوجيا الإقصاء وشيطنة الآخر

إحدى أبرز الملامح التي تجمع بين نظامي الأسد والشرع هي استراتيجية اتهام المختلف بالعداء للدولة أو الوطن. هذه الآلية، التي استخدمها النظام البعثي لعقود لتجريم الحركات السياسية البديلة واتهامها بالعمالة أو الإرهاب، يُعاد اليوم استخدامها من قبل أحمد الشرع بلبوس جديد: من يعارض رؤية النظام يُتهم مباشرةً بمعاداة "الثوابت الدينية" أو "تخريب النسيج الوطني"، في حين كان الأسد يختبئ خلف شعارات العروبة والمقاومة. الشرع يوظف لغة دينية تُعطي معارضيه صفة "الفتنة" أو "الانحراف العقدي"، وهي لغة تفتح الباب واسعًا أمام التصفيات السياسية المغلفة بخطاب ديني شعبي.

السلفية السياسية مقابل القومية البعثية

فيما كان النظام البعثي يُكرّس مشروعًا قوميًا-عروبياً يخلط بين القومية والاشتراكية العسكرية، فإن نظام الشرع يبدو منشغلاً بترسيخ أجندة سلفية محافظة تُقصي كل ما هو مدني، علماني، أو تعددي. هذه النقلة لا تعني قطيعة مع الاستبداد بل تمثل فقط تغييرًا في الواجهة الفكرية، فبدلاً من «أمة عربية واحدة» باتت شعارات «تطبيق الشريعة» و«الدولة الراشدة» هي الغطاء الدعائي الجديد. وكما جرى توظيف العروبة في خدمة السلطة في عهد الأسد، فإن السلفية اليوم تُستثمر كإطار قيمي لشرعنة القمع والهيمنة على الحياة العامة.

توحيد التفكير وتحنيط الوعي

كما عمل نظام الأسد على توجيه المجتمع نحو سردية سياسية موحدة من خلال الإعلام والتعليم والمؤسسات الثقافية، يكرر نظام الشرع الأسلوب نفسه ولكن بمضامين دينية ومحافظة. الإعلام الرسمي والرقابة التعليمية يُعاد بناؤهما بطريقة تحاصر التعدد الفكري وتُفرض على السوريين منهجية فكرية واحدة معلبة، قائمة على تفسير ديني محدد للتاريخ والهوية والسياسة. المفكرون، الفنانون، وأساتذة الجامعات الذين لا يتوافقون مع هذه المنظومة يواجهون النفي أو الإسكات، تمامًا كما حدث في العقود السابقة، ولكن هذه المرة تُستخدم لغة "الردة عن القيم الأصيلة" بدل "الخروج عن النهج القومي".

الشمولية بدل التشاركية

من المفارقات الصارخة أن نظام الشرع، الذي جاء بعد ثورة طويلة طالبت بالديمقراطية والمشاركة، يُعيد إنتاج آليات الحكم الشمولي الرافض لأي مشروع تشاركي. كما حارب الأسد أي محاولة لبناء بدائل سياسية، يواجه الشرع اليوم أي تنظيم مجتمعي مستقل بوصفه تهديدًا لهيبة الدولة. المجالس المدنية، الاتحادات، وحتى المبادرات الثقافية التي لا تصدر من المركز الحاكم تُعتبر "انفصالية" أو "موجهة من الخارج". هذا النفور من التعددية يعكس خوفًا متجذرًا من فقدان السيطرة، تمامًا كما كان عليه الأمر في عهد النظام البعثي.

غياب المشروع السياسي الجديد

رغم الخطاب التعبوي عن "النهضة" و"العودة إلى الجذور"، فإن نظام الشرع يفتقر لرؤية جديدة لسوريا تتجاوز شعارات الهوية والدين. ما يُقدَّم اليوم هو برنامج سلطوي يرتكز على إعادة إنتاج بنية الدولة الأمنية تحت مسميات أخلاقية ودينية. لا توجد خطة اقتصادية واضحة، ولا تصور لإعادة الإعمار أو العدالة الانتقالية، بل تهيمن فكرة "القيادة المنقذة" التي يجب أن يُطاع لها الجميع دون نقاش. إنها عودة إلى منطق الفرد-الرمز الذي لا يُسأل، وهو ذات منطق حافظ وبشار في العقود السابقة، مع تغير في الواجهة التعبيرية لا أكثر.

المشاعر الدينية مقابل المشاعر القومية

من أخطر سمات نظام الشرع هو توظيف المشاعر الدينية والطائفية لتجميع الناس حول سلطة متسلطة، وهي الآلية ذاتها التي استخدمها الأسد عبر العروبة والمقاومة. الجديد أن الشرع يُراهن على الانقسام العمودي داخل المجتمع لإنتاج قاعدة جماهيرية متدينة ومُخيفة في آن واحد. هذا الخطاب يعمل على شيطنة الطوائف الأخرى، ونفي وجود الهويات الموازية، ويؤسس لمنظومة ولاء مطلقة. إنه استثمار في الجرح الطائفي والمقدس، وهو ما يشكل تهديداً بنيوياً لمستقبل سوريا كوطن متعدد.

العنف كأداة “شرعية”

ربما لا يختلف الشرع عن الأسد في شيء أكثر من استخدامه للأدوات الإجرامية في تصفية الخصوم، مع فارق في التبرير. فبينما كان النظام البعثي يُخفي جرائمه تحت بند "أمن الدولة"، فإن نظام الشرع يُبرر عمليات القتل والإخفاء القسري بأنها نتاج "رد فعل شعبي غاضب" أو "مشاعر دينية لا يمكن ضبطها". بهذا، تتحول السلطة إلى حكم غوغائي يختبئ خلف "العفوية المجتمعية" التي تُستخدم لتبرير الوحشية المنظمة، وهي محاولة مقلقة لإضفاء طابع أخلاقي على القمع.

المحصلة: استبداد يتقن فنّ التنكر

ما نشهده اليوم في دمشق ليس نظامًا جديدًا، بل هو نسخة هجينة من نظام الأسد، تم تحديثها لتتناسب مع المزاج الشعبي بعد الحرب، وتطعيمها بخطاب ديني جذاب لشرائح متعبة من النزاع. التغيير في الشعارات لا يُخفي استمرارية في البنية الاستبدادية، التي تقوم على الإقصاء، الشمولية، والتقديس الزائف للزعيم. وبينما كان الأسد يُجيد الحديث عن الدولة والمقاومة، يُجيد الشرع الحديث عن الدين والفضيلة، لكن في كلا الحالتين، الهدف واحد: حكم الفرد وسحق المجتمع.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!