قراءة إستراتيجية لـ إبراهيم كابان
في خضم المشهد السوري المعقد، الذي تتشابك فيه التفاعلات الدولية مع التناقضات الداخلية، يبدو أن إحدى أكثر الأدوات فعالية في المواجهة مع النظام السوري ليست بالضرورة التصعيد العسكري أو الرد المباشر، وإنما تكمن في فن إدارة الوقت والهدوء الإستراتيجي. هذا النهج الذي بدأت به الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يثبت يوماً بعد آخر أنه أحد أعمدة العمل السياسي والعسكري الذكي، في مواجهة نظام طالما احترف خلق الأزمات والاحتماء خلف لغة المؤامرة والانقسام المجتمعي والطائفي.
في خضم المشهد السوري المعقد، الذي تتشابك فيه التفاعلات الدولية مع التناقضات الداخلية، يبدو أن إحدى أكثر الأدوات فعالية في المواجهة مع النظام السوري ليست بالضرورة التصعيد العسكري أو الرد المباشر، وإنما تكمن في فن إدارة الوقت والهدوء الإستراتيجي. هذا النهج الذي بدأت به الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يثبت يوماً بعد آخر أنه أحد أعمدة العمل السياسي والعسكري الذكي، في مواجهة نظام طالما احترف خلق الأزمات والاحتماء خلف لغة المؤامرة والانقسام المجتمعي والطائفي.
الهدوء لا يعني الخنوع بل استثمار الزمن
لطالما اعتاد النظام السوري أن يختبر خصومه على قاعدة "الصبر حتى الإنهاك"، عبر استنزافهم عسكرياً أو عبر خلق التشققات الداخلية في صفوفهم. لكن يبدو أن الحالة الكردية في شمال وشرق سوريا قد فهمت اللعبة جيداً، وبدأت بقلب المعادلة: كلما طال أمد الهدوء السياسي والعسكري في التعامل مع دمشق، كلما انكشفت نواياها الحقيقية أمام الرأي العام المحلي والدولي.
فبينما يراكم الكرد مؤسساتهم الإدارية، ويطوّرون أداءهم الأمني والعسكري، ويُعزّزون الجبهة الداخلية، يزداد ارتباك النظام الذي لا يجيد سوى العمل في فوضى. إن ضبط النفس، وبناء الهياكل القوية، وإعطاء الوقت للعمل المؤسسي، هي في جوهرها أعمال مقاومة ذكية، تُفقد النظام عنصر المبادرة، وتُبرز عجزه المزمن عن التحول إلى قوة مقبولة محلياً أو دولياً.
لطالما اعتاد النظام السوري أن يختبر خصومه على قاعدة "الصبر حتى الإنهاك"، عبر استنزافهم عسكرياً أو عبر خلق التشققات الداخلية في صفوفهم. لكن يبدو أن الحالة الكردية في شمال وشرق سوريا قد فهمت اللعبة جيداً، وبدأت بقلب المعادلة: كلما طال أمد الهدوء السياسي والعسكري في التعامل مع دمشق، كلما انكشفت نواياها الحقيقية أمام الرأي العام المحلي والدولي.
فبينما يراكم الكرد مؤسساتهم الإدارية، ويطوّرون أداءهم الأمني والعسكري، ويُعزّزون الجبهة الداخلية، يزداد ارتباك النظام الذي لا يجيد سوى العمل في فوضى. إن ضبط النفس، وبناء الهياكل القوية، وإعطاء الوقت للعمل المؤسسي، هي في جوهرها أعمال مقاومة ذكية، تُفقد النظام عنصر المبادرة، وتُبرز عجزه المزمن عن التحول إلى قوة مقبولة محلياً أو دولياً.
دمشق بين القناع والطبيعة الأصلية
حين نتحدث عن النظام السوري، فإننا لا نشير فقط إلى منظومة حكم بوليسية، بل إلى أداة دائمة لإعادة إنتاج العنف السياسي والاجتماعي والطائفي، تم تغليفها منذ نصف قرن بشعارات المقاومة والممانعة. لكن في كل منعطف تاريخي، كان هذا النظام يزيل القناع عن وجهه، مظهراً وحشيته الكامنة.
لقد ارتكب هذا النظام بحق أبناء طائفته من العلويين مجازر رمزية حين زجّ بهم في حرب لا تخصهم، ثم انتقل إلى ارتكاب جرائم إبادة ضد الدروز، وتهديد الوجود المسيحي، والآن يعمل، عبر أدواته ومرتزقته، على استهداف الكرد عبر حملات متكررة وممنهجة، سواء بالتضييق العسكري أو بمحاولات خلق الفتنة الداخلية.
كلما طال أمد الهدوء الكردي، وتماسكت البنية المجتمعية والإدارية والعسكرية، كلما بدا هذا النظام مكشوفاً، وبدت أفعاله فاقدة للمشروعية حتى في نظر أقرب حلفائه. هذا الهدوء لا يترك له منفذاً سوى كشف قبحه الأصلي، الذي لم يستطع تمويهه رغم كل محاولات التجميل الإعلامي والسياسي.
حين نتحدث عن النظام السوري، فإننا لا نشير فقط إلى منظومة حكم بوليسية، بل إلى أداة دائمة لإعادة إنتاج العنف السياسي والاجتماعي والطائفي، تم تغليفها منذ نصف قرن بشعارات المقاومة والممانعة. لكن في كل منعطف تاريخي، كان هذا النظام يزيل القناع عن وجهه، مظهراً وحشيته الكامنة.
لقد ارتكب هذا النظام بحق أبناء طائفته من العلويين مجازر رمزية حين زجّ بهم في حرب لا تخصهم، ثم انتقل إلى ارتكاب جرائم إبادة ضد الدروز، وتهديد الوجود المسيحي، والآن يعمل، عبر أدواته ومرتزقته، على استهداف الكرد عبر حملات متكررة وممنهجة، سواء بالتضييق العسكري أو بمحاولات خلق الفتنة الداخلية.
كلما طال أمد الهدوء الكردي، وتماسكت البنية المجتمعية والإدارية والعسكرية، كلما بدا هذا النظام مكشوفاً، وبدت أفعاله فاقدة للمشروعية حتى في نظر أقرب حلفائه. هذا الهدوء لا يترك له منفذاً سوى كشف قبحه الأصلي، الذي لم يستطع تمويهه رغم كل محاولات التجميل الإعلامي والسياسي.
قسد والإدارة الذاتية.. القوة الهادئة
لم تعد قوات سوريا الديمقراطية كما كانت في السنوات الأولى من الحرب. لقد تطورت من قوة مقاومة محلية إلى فاعل عسكري وسياسي إقليمي يُحسب له ألف حساب. والآن، أكثر من أي وقت مضى، تمتلك هذه القوات، ومعها الإدارة الذاتية، أدوات قوة متعددة: الشرعية الشعبية، التجربة الإدارية، التفوق الأمني، والعلاقات الدولية النامية.
وهذا ما يجعل التمسك بسياسة الهدوء لا يعني ضعفاً، بل استراتيجية تفكيك وتعرية خصم سياسي متهالك. وفي الوقت نفسه، يمنح هذا النهج مزيداً من الشرعية والوقت لبناء تحالفات أوسع مع باقي المكونات السورية المتضررة من النظام، سواء من العرب أو السريان أو الأرمن أو الآشوريين أو حتى بعض الشخصيات العلوية المنشقة عن النظام.
لم تعد قوات سوريا الديمقراطية كما كانت في السنوات الأولى من الحرب. لقد تطورت من قوة مقاومة محلية إلى فاعل عسكري وسياسي إقليمي يُحسب له ألف حساب. والآن، أكثر من أي وقت مضى، تمتلك هذه القوات، ومعها الإدارة الذاتية، أدوات قوة متعددة: الشرعية الشعبية، التجربة الإدارية، التفوق الأمني، والعلاقات الدولية النامية.
وهذا ما يجعل التمسك بسياسة الهدوء لا يعني ضعفاً، بل استراتيجية تفكيك وتعرية خصم سياسي متهالك. وفي الوقت نفسه، يمنح هذا النهج مزيداً من الشرعية والوقت لبناء تحالفات أوسع مع باقي المكونات السورية المتضررة من النظام، سواء من العرب أو السريان أو الأرمن أو الآشوريين أو حتى بعض الشخصيات العلوية المنشقة عن النظام.
المجتمع الدولي.. عين ترقب دمشق وأخرى تتفهم الكرد
لا يمكن إنكار أن للمجتمع الدولي مصالحه المتشابكة في سوريا، ولكن في الوقت ذاته، فإن الرأي العام الغربي والمؤسسات الدولية تراقب كل تطور بعيون مفتوحة. وكلما ساد الهدوء النسبي في مناطق الإدارة الذاتية، وبرز الأداء السياسي والعسكري المنضبط، فإن ذلك يرسّخ صورة أن هناك نموذجًا سوريًا بديلًا أكثر اتزاناً من النظام المركزي الاستبدادي.
في المقابل، فإن كل سلوك عدائي من دمشق – سواء أكان عبر القصف أو التحريض أو تهديد الوجود الكردي – يُسجَّل في الذاكرة السياسية الدولية، ويعزز من قناعة الكثير من الفاعلين الدوليين بأن هذا النظام لا يمكن التفاهم معه دون ضغوط قاسية.
الحكمة ووحدة الموقف.. مفاتيح المستقبل
الواقع الجديد يفرض على الكرد، وعلى حلفائهم في شمال وشرق سوريا، ألا يقعوا في فخ الاستفزازات اليومية، وألا ينجرّوا إلى ردود أفعال عاطفية أو تكتيكات قصيرة النظر. بل المطلوب هو:
الواقع الجديد يفرض على الكرد، وعلى حلفائهم في شمال وشرق سوريا، ألا يقعوا في فخ الاستفزازات اليومية، وألا ينجرّوا إلى ردود أفعال عاطفية أو تكتيكات قصيرة النظر. بل المطلوب هو:
- التمسك بوحدة الموقف السياسي والعسكري والإعلامي.
- العمل على احتواء أي خلاف داخلي بين القوى الكردية، وتحديداً بين المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية.
- فتح قنوات التعاون والتفاهم مع باقي القوى السورية التي ترى في النظام تهديدًا مشتركًا.
- التركيز على تحسين الأداء المؤسساتي والعدالة الاجتماعية، بما يعزز الشرعية الداخلية.
- إن الحكمة لا تعني الضعف، والهدوء لا يعني القبول بالأمر الواقع. بل هما سلاحان في حرب طويلة الأمد لتفكيك منظومة الطغيان، وإعادة بناء سوريا من الأساس.
إستراتيجية النفس الطويل
في السياق السوري الحالي، حيث تعثرت كل الحلول السياسية، وظهرت حدود القوة العسكرية، تبدو إستراتيجية الهدوء الكردي كأداة فعالة ومبدعة في مواجهة نظام يحترف الفوضى. إنها ليست مجرد حالة انتظار، بل عملية نضال مؤسساتي وجماهيري وصبر استراتيجي، تجعل من كل يوم يمر فرصة إضافية لتعريه النظام وكشف وجهه الحقيقي.
الرهان الآن ليس على إسقاط النظام بالقوة، بل على خلق نموذج حيّ مناقض له في شمال وشرق سوريا، نموذج يُقنع الداخل قبل الخارج، ويُربك الحسابات الإقليمية والدولية، ويفتح الباب أمام إعادة رسم مستقبل البلاد بما يتجاوز منطق القهر والاحتكار.