الاتفاق العسكري بين حكومة أحمد الشرع وتركيا: قراءة في الأبعاد الإستراتيجية والمخاطر والشرعية

آدمن الموقع
0
  
إعداد التقرير: فريق الجيوستراتيجي للدراسات 
في خطوة مفاجئة، وقع وزير الدفاع في حكومة أحمد الشرع اتفاقاً عسكرياً مع وزير الدفاع التركي، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها الساحة السورية، والانقسامات الداخلية، والتدخلات الإقليمية والدولية. هذه الخطوة تطرح أسئلة جوهرية حول الأهداف التركية، موقف حكومة الشرع، مدى شرعية الاتفاق، وأبعاده على مستقبل الصراع في سوريا. 
  
السياق السياسي والإستراتيجي

يأتي الاتفاق في ظل مرحلة ضعف سياسي وعسكري تعاني منها حكومة الشرع، سواء من حيث محدودية السيطرة على الأرض أو من حيث ضعف الشرعية الداخلية والدعم الشعبي. تركيا، التي تملك نفوذاً واسعاً في الشمال السوري، وجدت في هذا الوضع فرصة لتثبيت نفوذها عبر اتفاق رسمي يضفي على تدخلها العسكري غطاءً قانونياً شكلياً. 
  
الأبعاد الإستراتيجية للاتفاق

ترسيخ النفوذ التركي في سوريا: من خلال هذا الاتفاق، تسعى أنقرة إلى تثبيت وجودها العسكري بشكل دائم في مناطق محددة، بما يشمل القواعد العسكرية ونقاط المراقبة، ما يمنحها قدرة أكبر على التحكم بالمعادلة الميدانية. 
إعادة تشكيل الخارطة العسكرية: الاتفاق قد يمنح تركيا شرعية للتدخل المباشر في عمليات قتالية ضد خصومها، خاصة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو حتى فصائل أخرى تعتبرها تهديداً. 
تعزيز موقع تركيا في المفاوضات الدولية: عبر توقيع اتفاق رسمي مع جهة سورية، يمكن لأنقرة أن تدعي أنها ليست قوة احتلال، بل "شريكاً رسمياً" بناءً على طلب طرف محلي، وهو ما قد تستخدمه في المحافل الدولية. 
تطويق الدور الكردي: أحد الأهداف الواضحة هو إضعاف المشروع الكردي في شمال وشرق سوريا، وقطع الطريق على أي كيان ذاتي أو فيدرالي. 
  
المخاطر المترتبة على الاتفاق

فقدان السيادة الوطنية: توقيع اتفاق عسكري يمنح دولة أجنبية الحق في التواجد العسكري داخل الحدود السورية، في ظل غياب إجماع وطني أو برلمان منتخب، يعني عملياً تنازلاً عن جزء من السيادة. 
تكريس الانقسام الداخلي: الاتفاق سيعمّق الانقسامات بين القوى السورية المختلفة، إذ سيُنظر إليه كتحالف مع قوة أجنبية ضد أطراف سورية أخرى. 
تصعيد الصراع المسلح: من المرجح أن يؤدي الاتفاق إلى زيادة العمليات العسكرية التركية أو المدعومة منها، ما يهدد بموجات نزوح جديدة وتفاقم الأزمة الإنسانية. 
شرعنة التدخل الخارجي من خلال هذا الاتفاق، تفتح حكومة الشرع الباب أمام مزيد من التدخلات الأجنبية بذريعة الاتفاقات الثنائية. 
  
المخططات التركية وراء الاتفاق

تركيا تدير سياستها السورية وفق رؤية طويلة المدى، يمكن تلخيصها في: إنشاء منطقة نفوذ تركية دائمة في الشمال السوري، على غرار شمال قبرص. والهندسة الديموغرافية عبر إعادة توطين لاجئين سوريين من تركيا في مناطق ذات غالبية كردية، لتغيير التوازن السكاني. واستخدام الملف السوري كورقة مساومة في ملفاتها الإقليمية والدولية، سواء مع روسيا أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وضمان أمنها القومي من منظورها الخاص، أي منع أي شكل من الحكم الذاتي الكردي على حدودها. 
  
البعد القانوني وشرعية الاتفاق  
 
من منظور القانون الدولي، هناك نقاط إشكالية جوهرية وتتمحور هذه النقاط في غياب الاعتراف الدولي بحكومة الشرع: إذا لم تكن حكومة الشرع معترفاً بها من الأمم المتحدة كممثل شرعي للدولة السورية، فإن الاتفاق يفتقر إلى الأساس القانوني الدولي. 
مخالفة مبدأ السيادة: وفق ميثاق الأمم المتحدة، أي اتفاق يمس السيادة الإقليمية يجب أن يكون من خلال حكومة شرعية معترف بها دولياً، وإلا يعتبر غير ملزم. 
إمكانية الطعن فيه دولياً: الأطراف السورية أو المجتمع الدولي قد يطعنون في شرعية الاتفاق، ويصنفونه كغطاء للاحتلال أو كعمل أحادي غير قانوني. 
  
السيناريوهات المستقبلية:
 
توسيع التواجد التركي إذا لم يقابل الاتفاق برد داخلي أو دولي قوي. 
تصعيد عسكري بين تركيا وخصومها المحليين، خاصة القوات الكردية. 
ضغوط دولية لإلغاء الاتفاق أو تعديله، خصوصاً إذا أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني. 
تثبيت وضع أمر واقع شبيه بتجارب دولية سابقة حيث تحولت مناطق النفوذ المؤقتة إلى احتلال طويل الأمد.

المحصلة: الاتفاق العسكري بين حكومة أحمد الشرع وتركيا لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي للصراع السوري. فهو خطوة تحمل في طياتها أبعاداً إستراتيجية خطيرة، تهدد بتقويض ما تبقى من السيادة السورية، وتعميق الانقسام الداخلي، وإعطاء غطاء قانوني لتدخل خارجي لطالما اعتبرته أطراف سورية احتلالاً. المخططات التركية واضحة في سعيها لفرض واقع جيوسياسي جديد في الشمال السوري، بينما تفتقر حكومة الشرع إلى القوة والشرعية اللازمة لمواجهة هذه التداعيات.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!