مقارنة شاملة بين إقليم كوردستان العراق و«الإدارة الذاتية» في شمال وشرق سوريا

آدمن الموقع
0
إعداد المادة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
 
1) الوضع القانوني والاعتراف

إقليم كوردستان العراق (KRI): يتمتع باعتراف دستوري كامل داخل دولة اتحادية؛ فالدستور العراقي لعام 2005 يعترف رسمياً بالإقليم وسلطاته كـ«إقليمٍ اتحادي» مع مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية قائمة. هذا يمنحه مظلة شرعية تتيح له التفاوض وتقاسم الصلاحيات والموارد مع بغداد ضمن أطر قانونية اتحادية.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (AANES): كيانٌ de facto نشأ في سياق الحرب السورية، يعتمد «العقد الاجتماعي» (نسخة 2023) أساساً مرجعياً ينظم سلطاته ومبادئه، لكنه يفتقر للاعتراف الدستوري على المستوى السوري والدولي، وإنْ شهد انخراطاً وظيفياً وتنسيقاً أمنياً وسياسياً محدوداً مع أطراف دولية.

2) هندسة الحكم والمؤسسات

كوردستان العراق: بنية مؤسسية مكتملة نسبياً: رئاسة حكومة، برلمان إقليمي، وزارات، وهيئات رقابية، وقضاء إقليمي. تمت مأسسة قوات البيشمركة والأمن الداخلي (الآسايش) ضمن إطارٍ يتقاطع مع مؤسسات الدولة الاتحادية، وإنْ ظلت ملفات الدمج والتوحيد والتنسيق مع بغداد قيد التفاوض الدائم.
الإدارة الذاتية: تعتمد نظام مجالس/هيئات بهيكلة لا مركزية (كانتونات/أقاليم/نزاعات)، مع جهاز قضائي ولجان تنفيذية متفرعة، وتستند أمنياً إلى قوات سوريا الديمقراطية SDF وشرطةٍ محلية (الآسايش). شهد مطلع 2025 حديثاً متزايداً عن صيغ دمج/تنسيقٍ عسكري وإداري مع مؤسسات الدولة السورية بصيغة لامركزية، من دون حسم بنيوي حتى الآن.

3) المشهد الأمني والعسكري

كوردستان العراق: البيشمركة جزء من المنظومة الأمنية العراقية على أساس «قوات إقليمية» تتعاون مع التحالف الدولي ضد داعش، مع تحديات أمنية متكررة على الحدود (تهديدات من فلول داعش/قصف تركي ضد PKK داخل العراق) وحاجة مستمرة لإصلاح وهيكلة ودمج ألوية البيشمركة.

الإدارة الذاتية: تعتمد أساسيّاً على SDF التي نشأت من تحالف فصائل محلية بقيادة كردية، لعبت دور القوة البرية الرئيسة للتحالف ضد داعش، لكنها تواجه ضغطاً مزدوجاً: تهديدات داعش الكامنة، وضغطاً عسكرياً وسياسياً من تركيا، مع حوارٍ متقطّع حول مستقبلها وعلاقتها بمنظومة الدفاع السورية. 4) الاقتصاد والموارد

كوردستان العراق: اقتصادٌ ريعيٌّ نفطيٌّ نسبيّاً مع قطاع خاص وتجاري وخدمي متنامٍ. أكبر ملف بنيوي هو صادرات نفط الإقليم عبر خطّ جيهان التركي التي توقفت منذ آذار/مارس 2023 إثر حكم تحكيمي دولي ضد تركيا بسبب صادراتٍ «منفردة» من الإقليم؛ ومنذ ذلك التاريخ بقي الاستئناف رهناً باتفاق بغداد–أنقرة–أربيل وآليات تسويق SOMO وحصص أوبك. في صيف 2025 توالت الإعلانات عن قرب الاستئناف ولكن دون انتظامٍ ثابتٍ للتدفق حتى الآن، كما أعلنت أنقرة في تموز/يوليو 2025 عدم تجديد اتفاقية خطّ الأنابيب التاريخية ما أضاف تعقيداتٍ قانونية وتجارية. هذه الهشاشة تؤثر مباشرة على إيرادات الإقليم ورواتب القطاع العام وسلاسل المدفوعات. 

الإدارة الذاتية: تعتمد على مزيجٍ من الزراعة (قمح/قطن/شعير) والمنتجات الهيدروكربونية المحلية بسعاتٍ محدودة، واقتصادٍ محلي متأثر بالعقوبات وسلاسل الإمداد المعقّدة ومعابر غير مستقرة (أبرزها معبر سيمالكا/فيشخابور باتجاه كردستان العراق، والمعابر الداخلية مع مناطق الحكومة والمعارضة). البنية الإنتاجية والخدمية «كثيفة المخاطر» وتعاني قلّة الاستثمار والبنية التحتية المتهالكة وقيود الوصول إلى الأسواق العالمية. 
الخلاصة الاقتصادية: يتمتع الإقليم باندماجٍ أعلى في النظام المالي العالمي وإمكانيات تمويل واستثمار، لكنه مرتهنٌ لسياسة الطاقة الإقليمية ونزاعاتها؛ فيما تظل الإدارة الذاتية أقل اندماجاً خارجياً وأكثر ارتباطاً باقتصاد اكتفائي هشّ ومتقلب. 
 
5) السكان والتنوّع واللغة والتعليم

حجم السكان: تقديرات ما بعد التعداد العراقي (تشرين الثاني/نوفمبر 2024) تشير إلى نحو 6.37 مليون نسمة في إقليم كوردستان (قرابة 14% من سكان العراق). تقديرات موثّقة لمناطق الإدارة الذاتية تضع السكان بنحو 4.2 مليون نسمة (تفاوت بحسب الموجات والحركة السكانية). 
التنوّع: كلا المنطقتين متعدّدتا المكونات (كرد، عرب، تركمان، سريان/آشوريون، أرمن… إلخ) مع اختلافٍ في النِّسَب وتوزع الجغرافيا.

اللغة والتعليم:

في كوردستان العراق تُستخدم الكردية (سوراني/كرمانجي) والعربية والإنجليزية في المدارس والجامعات، ضمن منظومة تعليمية مؤسّسة أقدم وأكثر اندماجاً، مع اعتراف مؤسساتي واسع. 
في الإدارة الذاتية طُبّق منهجٌ تعدّدي باللغات الكردية والعربية والسريانية، لكنه يواجه تحديات الاعتراف خارج مناطق السيطرة وصعوبات الموارد وإعداد الكوادر. 
 
6) العلاقات الخارجية والشرعية الدولية

كوردستان العراق: يمتلك تمثيلياتٍ خارجية ومكاتب علاقات في عواصم عديدة، ويتعامل مع الحكومات والشركات وفق إطار الاعتراف الدستوري العراقي، ما يسهّل الشراكات الاقتصادية والأكاديمية والأمنية (ولو عبر بوابة بغداد قانوناً). 

الإدارة الذاتية: تؤمّن قنوات اتصالٍ مع أطراف دولية (التحالف الدولي/بعض العواصم الغربية) بشكلٍ «وظيفي» مرتبط بالحرب على داعش والملفات الإنسانية/الأمنية، لكن دون اعترافٍ سياسي رسمي؛ ويُقيّد ذلك قدراتها في التجارة والاستثمار والدبلوماسية. العقد الاجتماعي لعام 2023 يؤكد حقوق المكونات ويضع مبادئ الحكم المحلي والديمقراطية التشاركية، لكنه ليس بديلاً عن اعترافٍ دستوري سوري جامع. 
 
7) حقوق الإنسان والحريات والإعلام (ملف متحوّل)

كلا الكيانين يواجهان انتقاداتٍ دورية حول حرية التعبير، استقلال القضاء، وممارسات أجهزة الأمن—مع وجود فروقاتٍ داخلية بين المحافظات/الإدارات، وتباين في المعايير تبعاً للظروف الأمنية. بيئة النزاع الممتد في سوريا تزيد التحديات أمام الإدارة الذاتية، بينما تؤثر الاستقطابات الحزبية والتجاذبات بين أربيل والسليمانية على مشهد الحريات في الإقليم. (تخضع هذه المؤشرات لتقارير دورية متغيّرة من منظمات دولية مستقلة.)
خلاصة مركّزة 
الشرعية: كوردستان العراق كيانٌ اتحاديٌّ معترفٌ به دستورياً داخل دولةٍ ذات سيادة؛ الإدارة الذاتية كيانٌ أمرُ واقعٍ يستند لعقدٍ اجتماعي محلي دون اعترافٍ دستوري سوري. 
المؤسسات: الإقليم يمتلك مؤسسات دولةٍ إقليمية مكتملة وارتباطات مالية وقانونية واضحة مع بغداد؛ الإدارة الذاتية تعتمد نموذج مجالس ولا مركزية مع ذراعٍ عسكري مركزي (SDF) وتنسيقٍ تدريجي قابل للتطور مع دمشق. 
الاقتصاد: الإقليم أكثر انفتاحاً واستثماريّةً لكنه مُعرَّضٌ لصدَمات الجغرافيا السياسية للطاقة (خطّ جيهان/التحكيم/أنقرة–بغداد–أربيل). الإدارة الذاتية أقل اندماجاً وأكثر اعتماداً على الموارد المحلية مع قيود عبورٍ وعقوبات. 
المجتمع والتعليم: كلاهما متعدد المكونات؛ الإقليم أقدم مؤسسياً في التعليم العالي، فيما رسخت الإدارة الذاتية منهجاً ثلاثيّ اللغة (كردي/عربي/سرياني) يواجه تحديات الاعتراف والموارد. 
الأمن: البيشمركة ضمن إطار دولةٍ اتحادية وشراكات دولية؛ SDF قوة رئيسة ضد داعش مع ملفات حساسة تجاه تركيا ومفاوضات لتموضعٍ جديد داخل الهيكلية السورية.

حكم تقويمي: إذا أردنا توصيف الفرق الجوهري باختصار:
 
إقليم كوردستان العراق هو نموذج «حكمٍ ذاتي اتحادي مُقعّد قانونياً» لكنه مكشوف لمعادلات الطاقة والجوار الإقليمي؛ بينما الإدارة الذاتية هي نموذج «حكمٍ محلي لا مركزي أمرِ واقع» بنضجٍ اجتماعي–مؤسساتي متفاوت، لكنه يفتقر إلى اعترافٍ دستوري ويعمل تحت قيود أمنية واقتصادية أشدّ.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!