المؤثرون الحقيقيون في سياسات نظام أحمد الشرع

آدمن الموقع
0

نقطة نظام: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
 
خلفية التحوّل وشرعية ما بعد الانهيار

التحولات الحادة التي شهدتها سوريا خلال العام الماضي أدت إلى إعادة ترتيب خارطة السلطة بسرعة غير متوقعة. سقوط النظام السابق وتفكك بعض هياكله المركزية أتاحا مجالًا لفعَلٍ محليٍّ قويٍّ استطاع أن يتحول من كيان ميداني إلى بنية حكم انتقالية. في هذا السياق، تحوّل اسم أحمد الشرع من قائد ميداني إلى رأس سلطة ذات غطاء مؤسسي مؤقت، مع خطوات رسمية (زيارات دبلوماسية، اتفاقيات أولية، إعلان دستور مرحلي) تُعطي لهذا التحوّل صفة شرعية جزئية يمكن التفاوض حولها دولياً. هذا السياق يجعل أي تفسير للحكم في الشام غير قابل للاختزال إلى فعل داخلي محض؛ إذ إن الشرعية والقدرة على الاستمرارية تحتاجان شبكة دعم إقليمية ودولية.
 
تركيا: من مرساة نفوذ إلى شريك بنّاء (وأحياناً ضابط إيقاع)

تركيا، بحكم قربها الجغرافي والمصالح الأمنية الطويلة الأمد، كانت بالفعل لاعباً مركزياً في ديناميكيات الشمال السوري على مدى سنوات. مع بداية الانهيارات، وجدت أنقرة فرصة لتحويل نفوذها التكتيكي إلى نفوذ بنيوي؛ ذلك أنها سعت إلى ضمان حدودها ومنع فراغٍ أمني يسبّب تدفقات لجوء أو تأسيس ممارسات أمنية تهدد الداخل التركي. في عملها هذا، اتبعت أنقرة مزيجًا من الضغوط الميدانية والدبلوماسية والاقتصادية: دعم فصائل محلية، فتح قنوات اتصال رسمية وغير رسمية مع قيادات انتقالية، وتسليم جزء من ملفات إدارة الحدود والتأمين للدولة الجديدة مقابل ضمانات أمنية واقتصادية. هذه السياسة لم تَقُم على سيطرة مطلقة بقدر ما قامت على خلق تبعيات متبادلة — أنقرة تمنح غطاء اقتصادي وسياسي وتطمينات حدودية، وفي المقابل تطالب بآليات لإدارة التهديدات الحدودية والحضور في إعادة الإعمار والتسوية. الأرقام الأولية للتبادل التجاري وإشارات فتح قنوات إنشائية بين تركيا وسوريا الجديدة تؤكد رغبة أنقرة في نسج علاقة عملية قابلة للاستمرار. 
 
قطر: الوسيط المالي والدبلوماسي الذي يريده العالم

قطر تبنت عبر السنوات صيغة «الوسيط الفاعل» التي ظهرت بقوة في وساطتها الدولية المتعددة، وها هي تُطبّق نفس الصيغة في الملف السوري الجديد. دور الدوحة ليس بالضرورة سيطرة عسكرية أو استخبارية، بل وصلات تمويلية، غطاء دبلوماسي، ووسائل للتسويق الدولي لفرضيات سياسية من أجل قبولها ضمن المشهد الدولي. الدوحة تسعى لأن تكون القناة التي تربط النظام الجديد بمسارات الشرعية الدولية عبر تسهيلات إنسانية، دعم إعادة الإعمار، وبينات وسياسات ثقة مع أطراف غربية، وهذا ما عززت مكانتها كمُقوّم تفاوضي مهم في قضايا أخرى بالمنطقة أيضاً. نجاحاتها الأخيرة في ملفات وساطات إقليمية أعطتها زخماً للاشتباك مع اللاعب السوري الجديد بمنطق «الشرعية التدريجية» مقابل خدمات مالية وسياسية. 
 
الأطراف الغربية: من الرفض الرسمي إلى إدارة الواقع براغماتية

المجتمع الغربي يتوزع بين موقف رمزي صارم (قوائم وتصنيفات سابقة، تحفظات على الوجوه السابقة) وبين إدارة واقع جديد يتطلب الحدّ من الأنشطة التي تزعزع الاستقرار الإقليمي. في الفترة الأخيرة ظهرت إشارات إلى تحول براغماتي لدى بعض الأطراف الغربية، شملت مراجعات لسياسات تصنيف وفعل استثنائيٍّ بخصوص التعامل مع قوى كانت سابقاً معزولة سياسياً. هذا التعديل لا يعني قبولًا مطلقًا أو شرعية كاملة، ولكنه يعكس قناعة عملية مفادها أن استقرار سوريا وقطع الطرق أمام فراغات أوسع لهما الأولوية، حتى لو تطلب ذلك التفاوض مع هيئات انتقالية غير تقليدية. خطوات إجرائية مثل مراجعة تصنيفات قديمة أو فتح قنوات تواصل محدودة تؤشر إلى محاولة غربنة لإدارة الواقع بدل الإصرار على مواقف لا تطبق سياسياً على الأرض. 
 
العلاقة المتبادلة: آليات الدعم وشبكات التبعية

شبكة الدعم التي تلقاها النظام الجديد ليست بنية هرمية تفرض إرادتها بل مجموعة علاقات تنسج تبعيات متبادلة. تركيا تقدّم الحماية الحدودية والموارد اللوجستية والاقتصادية؛ قطر توفّر التمويل والقبول الدبلوماسي وغطاءً وساطيّاً؛ أجزاء من الدول الغربية تميل إلى إدارة مخاطر الانهيار عبر تفاعل محدود؛ روسيا تبقى فاعلاً ذا مصالح استراتيجية (قواعد، طرق بحرية وجوية) تتفاوض على استمرارها مقابل ضمانات تضمن مصالحها الإقليمية. هذه الشبكة لا تمنح «حكمًا مطلقًا» للجهة الممولة، لكنها توفر موارد البقاء والشرعية الجزئية التي تحتاجها السلطة الانتقالية لفرض إدارة يومية للدولة. فكرة «الاستقلال الكامل» لقيادة انتقالية في هذا الواقع تصبح أسطورة: كل سياسات الحكم مرتبطة بشبكات خارجية بالضرورة، وإن بدرجات سيطرة وتأثير متفاوتة. 
 
دلالات استراتيجية وإقليمية: كيف يغيّر هذا المشهد قواعد اللعبة؟

تحوّل مركز القرار في دمشق إلى قيادة خرجت من رحم منصة ميدانية سلفًا يعني أن قواعد احتكار الدولة الراسخة قد تغيرت. هذا التحول يعيد رسم المصالح: ملفات كالانتقال السياسي، إعادة الإعمار، عائدات الطاقة والطرقات الدولية ستُصبح ساحة تفاوضية لحلفاء الداخل والخارج. تركيا تستغل هذا الوضع لتقوية شوكتها الإقليمية، قطر تستثمر في رأس مالها الدبلوماسي والمالي، والغرب يُجري موازنة بين المبادئ والواقعية. على المدى المتوسط، هذا قد يُفضي إلى تسويات تفصيلية تُتيح بقاء قواعد إقليمية لمناطق محددة، مع خطر تجزئة السيادة المركزية وتحويل سوريا إلى رقعة نفوذ متعددة اللاعبين — وهو ما يخلق لحظة انتقالية هشة تتطلب ضمانات كبيرة لمنع انزلاقٍ جديد نحو العنف أو تفكك أعمق.
 
مخاطر سياسة التبعية وإشكاليات الشرعية الداخلية

الاعتماد المفرط على دعم خارجي يحمل مخاطره: تحويل القرار إلى موازنة مصالح خارجية يمكن أن يولّد رفضًا شعبيًا أو حركات مضادة، كما أن شبكات الدعم الإقليمية قد تتضارب فيما بينها، ما يضع السلطة الانتقالية تحت ضغط تنافس خارجي قد ينعكس داخليًا كأزمات سياسية أو أمنية. الشرعية الداخلية تتطلب أكثر من غطاء خارجي؛ تتطلب آليات محاسبة، مؤسسات قضائية مستقلة، تمثيل فعلي للأقليات، وبرامج إعادة بناء اقتصادية مع العدالة الانتقالية. غياب هذه العناصر سيبقي الحكم هشًا ومفتوحًا لصدمات إقليمية قد تعيد ترتيب الأوراق بسرعة.  

توصيات لمن يريد أن يتعامل مع الواقع الجديد

أولاً، على الجهات الإقليمية الداعمة العمل بلغة الشفافية الأداء: دعم مؤسسات بناء الدولة (المدنية والقضائية) أفضل من دعم شخصيات أو فصائل فقط؛ هذا يعزز الاستقرار ويقلل مخاطر الانفجار. ثانياً، على الفاعلين الغربيين تبني آليات مراقبة إنسانية وشرطية لإعادة الإعمار، أي ربط الموارد بتحقُّق إصلاحات ملموسة. ثالثًا، يجب تشجيع مسارات مصغرة للحوار الداخلي تُعطي مساحة لتمثيل المجتمعات المحلية والأقليات، لأن أي حل شرعي يستند إلى قبول داخلي لا خارجي فقط. رابعًا، ينبغي للقوى الإقليمية أن تتفق على «حدود عدم التدخل» المتفق عليها للحفاظ على استقرار طويل الأمد، وإلا ستتحول سوريا إلى ساحة تنافس مفتوح.
 
خاتمة تحليلية موجزة

ما نشهده اليوم في الشام ليس عملية نهاية لسلطة واحدة فحسب، بل هو بداية فصل جديد من إدارة النفوذ متعدد الجهات، حيث تلعب تركيا دورَ الضابط العملي، وتستثمر قطر دورها الوساطي والمالي، وتُعايِن القوى الغربية بين المبادئ والواقعية. السلطة الانتقالية (بقيادة الشرع) لا تعمل في فراغ؛ استمرارها مرهون بتحالفات تتيح لها موارد الأمن والاقتصاد والاعتراف، لكنها أيضًا مقيّدة بهذه التحالفات. قراءة المشهد تحتاج أن تدمج البعد الميداني مع البعد الدبلوماسي والاقتصادي؛ وإدارة هذه المرحلة بنجاح تتطلب رؤية إقليمية منسّقة تضع مصالح إعادة البناء والاستقرار فوق تسويات لمصالح آنية قصيرة الأمد.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!