السعودية والجهاد: من أفغانستان إلى سوريا — دراسة نقدية لتحولات النفوذ وأثرها على الدولة

آدمن الموقع
0
إعداد المادة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات 
لطالما كانت نزاعات العالم — سواء تحت مظلة الحرب الباردة أو صراعات ما بعد الانتفاضات العربية — مسرحًا لدور فاعل للدول والقوى الإقليمية. إحدى هذه الدول، السعودية، استخدمت الأيديولوجيا الدينية، التحالفات الدولية، والشبكات غير الرسمية للدعم؛ أولاً في إطار “مواجهة الشيوعية” في أفغانستان، ثم في سوريا بعد 2011، عبر دعم فصائل مسلحة متفاوتة التوجهات، بعضها جهادي/سلفي. هذه الدراسة تحلل كيف أُعيد إنتاج هذا النموذج، ماذا كانت مفاعيله، وما تداعياته على بناء دولة مدنية أو مشروع ديمقراطي في سوريا. 
 
التحليل التاريخي والسياسي للدعم السعودي
من الجهاد الأفغاني إلى إرث القاعدة

في حقبة الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي، شكلت السعودية — بالتعاون مع جهات دولية — إحدى الركائز الأساسية لدعم المجاهدين العرب والأفغان. الدعم شمل تمويلًا عبر جمعيات خيرية، تبرعات فردية، تسهيل سفر مقاتلين، تدريب، لوجستيات، وتعبئة أيديولوجية دينية. هذا الدعم ساهم في بناء بنية جهادية عابرة للدول، سبّب في النهاية ظهور تنظيمات مثل القاعدة، التي امتازت بطابع عالمي وتنظيمي بعد ما بدأت كحركات مقاومة في بيئة محلية. 
هذا التاريخ يوضّح أن ما بدا كـ "مجاهدة ضد احتلال" تحوّل — بفعل التمويل والدعم الخارجي — إلى "جهاد دولي/عابر"، ما يعني أن الأثر لا يبقى محصورًا في ساحة صراع واحدة، بل يمتد ليصير تهديدًا أمنيًا واستقرارًا دوليًا لاحقًا. 
 
إعادة تعبئة نموذج الدعم في سوريا

عند اندلاع الأزمة السورية عام 2011، ومع انقسام المعارضة وتعدد الفصائل، برزت وظيفة دعم خارجي للفصائل المسلحة — سواء عبر دول أو شبكات خاصة — على أنها وسيلة لتحقيق أهداف جيو‑سياسية، وليس بالضرورة ولاء أيديولوجي صرف. وفق تحليل في تقرير لـ Foundation for the Defense of Democracies / معهد بحثي مشابه، السعودية إلى جانب جهات غربية دعمت مادية وتنظيميًا "قوى معارضة سنّية" ضد النظام.
من أبرز الأمثلة على الفصائل المدعومة: (جيش الإسلام) الذي تأسّس أواخر 2013، وكان من الفصائل التي تلقت تمويلًا وتسليحًا، ضمن محاولات سعودية لتوطين المعارضة المسلحة بعيدًا عن فصائل مرتبطة تنظيميًّا بـ القاعدة. 
الدعم السعودي لم يقتصر على الأسلحة فقط، بل شمل محاولات “بناء بدائل سنّية معتدلة / ذات صلة بالرياض” لمناهضة النظام وخصومه الجهاديين، في ما سُمِّي أحيانًا “الحرب المزدوجة”: ضد النظام وضد توسُّع تنظيمات القاعدة/داعش. 
 
تداعيات الدعم على بناء الدولة – لماذا يُحتمل أن يقوّض مشروع الديمقراطية في سوريا:
 
1. إضعاف القاعدة السياسية للمجتمع المدني: عندما يهيمن السلاح وتصبح الفصائل المسلحة — بدعم خارجي — هي الفاعل الأبرز في الواقع، يتضاءل دور المجتمع المدني. المناصب الأمنية والعسكرية تستولي على المكانة، أما المؤسسات المدنية — مجالس محلية، جمعيات مدنية، منابر سياسية مستقلة — فتُهمش. 
دراسة تحليلية لواقع النزاع تشير إلى أن "صعود الجهاديين – وتدفق المقاتلين الأجانب – قوض البنية القاعدية للثورة المدنية"، وحد من قدرة المجالس المحلية الوليدة على فرض حوكمة مدنية وتنظيم يعبر فعّليًا عن السكان المحليين، بدل فصائل مسلحة. 
2. ترسيخ أيديولوجيا “حكم شرعي/ديني” بدل دولة مدنية: الفصائل التي تلقّت دعمًا — مثل Jaysh al‑Islam أو فصائل ضمن Islamic Front (Syria) — ركّزت على بناء تنظيم قائم على مرجعية دينية/سلفية. بعد 2013، تحالفات مثل Islamic Front سعت لتطبيق الشريعة وإنشاء دولة “إسلامية” بديلة عن الدولة العلمانية أو المدنية، ما يناقض الرؤية الديمقراطية التعددية.
هذا التوجه يجعل من الصعب إقامة حكم مدني ديمقراطي、طوائفي، أو مجتمع مدني برؤية تشارك مجتمعية، لأن التطور يُقاد من قوى مسلحة ذات أيديولوجيا محددة لا تقبل التنوع. 
3. تعزيز منطق السلاح والانقسام — بدلاً من التحاور والبناء المدني: الدعم الخارجي للفصائل المسلحة يحوّل الصراع إلى “صراع قوة/سلاح” بدل “صراع سياسي”. والنتيجة غالبًا تكون تسليع الأزمة، تشظي المعارضة، صراع ميليشياوي داخلي، وتكميم صوت المدنيين. 
تقارير متعددة ترى أن الفصائل المسلحة — رغم دعمها — لم تُمكَّن المعارضة من حسم الصراع أو بناء بنية سياسية مستقرة؛ بل إن التنازع الداخلي بين الفصائل، صراعات على النفوذ، وخلافات أيديولوجية، ساهمت في عرقلة مشروع الدولة المدنية أو الانتقال الديمقراطي. 
 
مسؤولية الفاعلين الخارجيين والرهان على بدائل

من الواضح أن دعم دولة مثل السعودية — أو جهات مرتبطة بها — لفصائل مسلحة في دول تتحول نحو صراع معقد، إن لم يصحب بخطة سياسية واضحة لدولة مدنية ما بعد الحرب، فإنه يسهّل انتشار العنف وتفتيت المجتمع بدلاً من بنائه. 
التجربة الأفغانية سابقًا أثبتت أن ما يبدأ كجهاد مقاومة قد يتحول إلى شبكة إرهابية دولية يصعب السيطرة عليها. دعم في سوريا، تحت عباءة “معارضة” أو “مقاومة نظام فعّال”، يحمل مخاطر مماثلة أو أشدّ، لجهة تفكيك المجتمع، تعطيل الديمقراطية، وترسيخ أيديولوجيا دينية ضيقة كـ “بديل” عن الدولة الوطنية الحديثة. 
إن الفاعلين الخارجيين — سواء دول أو شخصيات — يتحمّلون مسؤولية أخلاقية وسياسية إذا لم يرافق دعمهم أي مشروع سياسي واضح، أي رؤية لدولة تعددية، دفع للمجتمع المدني، بناء مؤسسات، وضمان مشاركة شعبية حقيقية بعد الحرب. 
  
ملاحظات منهجية وهوامش

تجنّبت في الدراسة استخدام "أرقام دقيقة" أو "إحصائيات مفصلة" بسبب كثرة التقديرات المتضاربة في المصادر، مما قد يضعف الحجة إذا اعتمدت على أرقام غير مؤكدة. 
اعتمدت على مصادر تحليلية وتقارير دولية/عربية — منها دراسة لـ Foundation for the Defense of Democracies (FDD) عن التمويل والدعم للفصائل السورية.
استخدمت أيضًا تحليلًا لوضع المعارضة السورية داخليًا: هشاشة القيادة، صعوبة بناء مؤسسة سياسية قادرة على تمثيل الفصائل المسلحة والمدنية.
لاحظت أن بعض الفصائل المدعومة — مثل Jaysh al‑Islam — حاولت بناء مؤسسات (مثل "المجلس القضائي الموحد") في المناطق التي سيطرت عليها، ما يشير إلى أن الخيارات لم تكن دائمًا "سلاح فقط" إنما كان هناك سعي محدود لبناء حكم بديل.
رغم ذلك، الطبيعة الأيديولوجية والدينية الصارمة لهذه الفصائل تجعل من بناء دولة مدنية وحكم تعددي مشروع صعب، خصوصًا إذا بقي التمويل والدعم مرتبطًا بالخارج، وليس بجماهير محلية تشارك بحرية وربط سياسي واجتماعي حقيقي. 
  
بعض المصادر الرئيسية المستخدمة

“Saudi Arabia and the Syrian Civil War” — تقرير FDD / معهد دراسات (2016). jstor.org
“Saudi Arabia boosts Salafist rivals to al Qaeda in Syria” — تقرير Reuters (2013). Reuters
“Syria crisis: Saudi Arabia to spend millions to train new rebel force” — The Guardian (2013). The Guardian
التحليل حول بنية الفصائل السلفية بعد 2011 — “The Rise of the Syrian Islamic Front” (UI study) (2013). ui.se
تحليل ديناميات الحكم المحلي في مناطق النزاع السوري بعد 2011 — SWP Berlin (“Local Dynamics in the Syrian Conflict”) (2016). Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP)
ملف “Jaysh al‑Islam” وتحليل دوره وأيديولوجيته (mappingmilitants.org, 2016).


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!