روجآفا .. والتوجهات السعودية المحتملة

آدمن الموقع 5:16:00 م 5:16:13 م
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A



تحليل وقراءة سياسية لــ إبراهيم كابان
خاص - الجيوستراتيجي


خلال المراحل الماضية من الثورة السورية اعتمدت المملكة العربية السعودية بعض الحركات والتجمعات السورية في إظهار حضورها على المشهد السوري الداخلي، وهيمنتها على بعض مفصل المعارضة المسلحة، وعلى رأس تلك الجماعات والكتائب ما يعرف بـ جيش الإسلام، الذي أتخذ في المناطق الحساسة داخل سوريا مرتعاً ومراكز لتحركاتها وعملياتها، لاسيما ريف محافظة دمشق، إلا أن التوازنات العسكرية والسياسية الجديدة بعد الإتفاقيات الروسية – التركية لإخلاء معظم مناطق المعارضة لحساب النظام، وفتح المجال أمام الأتراك في منع الكرد التواصل بين منبج وعفرين، إلى جانب طبيعة العمليات الروسية العنيفة، والاتفاقيات الأخيرة مع الأمريكيين حول المسائل الأساسية في سوريا، جعلت الكتائب والجماعات المسلحة تتراجع كثيراً في عدة نقاط هامة، لاسيما في دمشق وحمص وحلب والتي كانت مراكز تحرك الكتائب التي دعمتها السعودية، وبذلك فإن المناطق التي سيطرت عليها هذه الكتائب وتخطيتها بتحرير دمشق من النظام، بات غير منطقياً بسبب التراجع الكبير للمعارضة المسلحة في ريف دمشق، وخروج أعداد كبيرة منها بعد التنسيق والاتفاق مع النظام بوساطة روسية إلى مناطق ريف إدلب، والتي بدورها تسيطر عليها جبهة النصرة وأحرار الشام / جبهة فتح الشام/ التابعتين لمنظمة القاعدة المتطرفة التي بسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب وبعضاً من ريف حلب، والتي لا تسلم مناطقها لأي فصيل آخر لاسيما الاتفاق الأمريكي الروسي على قصف مواقع الداعش والنصرة، وبذلك فإن رصيد ما يعرف بجيش الإسلام أصبح ضئيلاً جداً، تراجعت إلى درجة لن يجد هذه الكتائب مكان للسيطرة عليها في ظل تحرك النظام السوري والطائرات الروسية في قصف مناطقهم بالغوطة الشرقية في دمشق، ويكرر بذلك النظام السوري سيناريو أحداث داريا والمعضمية والزبداني والمضايا والقابون والبرزه، مناطق خروج المعارضة المسلحة ومؤيديها المدنيين بالاتفاق مع النظام السوري بوساطة روسية..

الصراع على النفوذ 

تحجيم سيطرة الجماعات المدعومة من السعودية وعملية تضعيف الرصيد السعودي في مناطق المعارضة وتراجع سيطرته على الفصائل الرئيسية، إلى جانب استمرار دولة قطر في التحكم بجبة النصرة وأحرار الشام، والتدخل التركي في جرابلس وبسط سيطرتها على إعزاز وبلدة الراعي والباب، وتحويلها إلى محميات تركية خاصة، وإجراء تغييرات ديموغرافية لصالح كتائب السلطان مراد المدربة من قبل الاستخبارات التركية وعدد كبير من عناصره متطوعين أتراك وتركمان العراق وتركمانستان والقوقاز.
إلى جانب توسع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لتصل جنوب السد الفرات والطبقة والاحياء القريبة من مدينة الرقة، وفي المقابل سيطرة النظام السوري على بلدة تادف بجانب الباب ضيقت على الكتائب المدعومة من السعودية بعد توغل جماعة الأخوان المسلمين ومسلحيها بين الكتائب والجماعات المسلحة للمعارضة، وخروج الجماعات المسلحة من عدة احياء بالعاصمة دمشق بعد الإتفاق مع النظام السوري بوساطة تركية قطرية، وذلك لتحجيم الدور السعودي حول دمشق وفي ريف حلب وإدلب، حيث إن جميع هذه المناطق أصبحت خادعة لسلطة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وإٍستخباراتها التي تحاول بشتى الوسائل تسليم المناطق البعيدة عن حدودها للنظام السوري في المقابل الحصول على الموافقة الروسية للتوغل في إدلب وجرابلس وإعزاز والباب المحاذية مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
التقارب التركي الإيراني دافعاً لتوجه السعودية إلى روجآفا
مشهد المعارك العنيفة التي وقعت في مدينة الحسكة بين وحدات حماية الشعب ونظام بشار الاسد قبل ثلاث شهور، والتفوق الذي أبداه الكرد والقوى العربية والسريانية والآشورية والتركمانية المتحالفة معهم في تحجيم وجود النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، أظهرت أرجحيه عدم وجود علاقات بين نظام بشار الاسد والكرد، وتلك الهالة الإعلامية المضادة والبروبغندا التي كانت تتغنى بها المعارضة السورية والأتراك حول وجود علاقات بين الكرد والنظام، تبين إنها مجرد إستراتيجية اتخذتها تركيا لتوجيه المعارضة ضد الكرد وروجآفا، واستخدام الائتلاف والكتائب المسلحة لأغراض ومشاريع خاصة بالأمن التركي، وليس مشروع وطني سوري لإنقاذ البلاد،  وهو ما أراح الخليجيين عموماً والمصريين والسعوديين والأردنيين بشكل خاص. إلى جانب التقارب التركي الإيراني وإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد وصولاً لدمشق والبقاع اللبنانية، الهاجس الذي يدفع بالخليجيين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية إلى خلق تحالف جديد وإعادة ترتيب علاقاتها مع الأطراف داخل النزاع السوري بعد فقدانها لقوة المعارضة وتراجع أملها بالتحالف مع الأتراك ووجود الصراع مع النظام الموالي لإيران، وبما إن المعارضة أصبحت ضعيفة بحكم التأثير التركي نتيجة للعلاقات مع روسيا، فإن الخيار السعودي سيكون التوجه نحو الكرد وإن كان بشكل غير مباشر، وكلما تعمقت العلاقات بين إيران وتركيا فإن السعوديين سيبحثون عن حليف جديد له القوى على الأرض في سوريا وبنفس الوقت يدعمهم الأمريكيين والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بما إنه ليس هناك مؤثر حقيقي في المنطقة فإن من مصلحة السعوديين وحلفائها التقرب من الكرد في ظل التحالف الأمريكي مع الكرد وترعرع قوة وانتشار مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

الخيار الوحيد
أمام هذه الحقائق على الأرض تراجعت بقعة سيطرة الجهات المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية، مما تفرض عليها الوقائع والأحداث الجديدة البحث عن أماكن أخرى داخل سوريا، حتى تبقى للمصالح السعودية تواجدها داخل الكعكة السورية التي باتت تتقاسم بين قوى محددة وتتضح يوماً بعد آخر طبيعة التوزيع والمصالح والاتفاقيات الجارية بين أمريكا وروسيا وعودة الأتراك إلى الحضن الإيراني.

الأرضية المطلوبة
تدرك المملكة العربية السعودية إن مساحة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن ثقة التحالف الدولي - شعبياً وحكومات- باتت راسخة في هزيمة منظمة "الداعش" على يد قوات سوريا الديمقراطية، المشكلة من المكونات الرئيسية داخل الجغرافية السورية، كما إن طبيعة إدارة روجآفا والقوات المشكلة باتت هي القوى الرئيسية المدعومة من حلفاء المملكة العربية السعودية، وإنه ليس من المنطق أن تعادي المملكة حلفاء حلفائها، إلى جانب طبيعة التواصل السعودي مع الداخل السوري من خلال العشائر العربية في محافظتي دير الزور والرقة، وهي مناطق باتت تحريرها قاب قوسين من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وإن خسرت المملكة تلك المناطق فإن وجودها في غوطة دمشق غير فعال بسبب سيطرة القطريين والأتراك على الكتائب والجماعات المعارضة، لهذا إن المملكة مضطرة للتعامل مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في المرحلة القادمة، وإن لم تتواصل بشكل مباشر مع الإدارة، فإنها مضطرة لدفع بعض القبائل القريبة منها وبعض الكتائب الصغيرة في دير الزور والرقة والحسكة للتواصل مع قوات سوريا الديمقراطية والتعاون والشراكة من أجل إيجاد مصالح للسعوديين في الرقة ودير الزور بعد تحريرهما، كما إن السعودية تدرك تماماً إن وحدات حماية الشعب ممثل روجآفا داخل قوات سوريا الديمقراطية لن يبقى في دير الزور والرقة بعد تحريرهما، وهذا ما شاهدناه بعد تحرير مدينة منبج التي تعد بحجم مدينة الرقة أو الدير الزور، وهذا أيضاً دافع إستراتيجي للخليجيين وخاصة السعودية في النظر إليها.

الخلاصة
الهدف التركي من عملية احتلال جزء من شمال سوريا، وإظهار حقيقة اتفاقياتها مع الروس والإيرانيين والنظام السوري، إلى جانب إدخال المعارضة السورية في حالة خناق تام بعد توجيهها من قبل الأتراك ومحاولة تسليمها للنظام السوري بطرق ذكية، وسيطرة الكتائب المدعومة من قطر على ما تبقى من مناطق المعارضة، وخيار المحسوم من قوات التحالف الدولي في دعم قوات سوريا الديمقراطية، وخسارة المناطق الشاسعة للكتائب المدعومة من السعودية، والجاهزية والإمكانيات التي عليها قوات سوريا الديمقراطية، وطبيعة الدعم المفتوح لها من الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة مع المملكة العربية السعودية، وسيطرة النظام السوري على مناطق ونقاط حساسة بدعم روسي إيراني، وطبيعة مشروع قوات سوريا الديمقراطية وتطبيق وإظهار نجاحها وجوهرها في مدينة منبج والطبقة وحول الرقة، وتجمع القوى العربية السنية والعشائر حولها، وانضمام قوى عربية سنية إليها.
جميع هذه المسائل كفيلة لتوجه المملكة العربية السعودية إلى إيجاد أرضية للتواصل مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وإن كانت في هذه المرحلة بشكل غير مباشر حتى لا تستفز تركيا، إلا أن التحركات التركية الأخيرة وتطبيع علاقاتها مع إيران والنظام السوري، دفعت بالمملكة العربية السعودية إلى إعادة ترتيب تواصلها وعلاقاتها أيضاً، لاسيما وإن ترعرع النفوذ الشيعة في المنطقة تهدد أمن وسلامة السعودية وجميع دول الخليج والسنة. ولعل التحركات السعودية الأخيرة في الإبتعاد شيء فشيء من التنسيق مع الأتراك، وإتهام قطر بدعم المتطرفين وجماعة اخوان المسلمين، وتسليح الأمريكي لوحدات حماية الشعب بشكل مباشر بعد تراجع العلاقات الأمريكية التركية، والمواقف الأخيرة للسعودية ومصر والأردن حيال الخطط التركية هو جوهر وشاهد حي وخلاصة تحليلنا الإستراتيجي واستشرافنا لمستقبل الأحداث.
-------------------------------
تنويه: معظم جوانب هذا التحليل تم نشرها للكاتب على جريدة الزمان المصري بتاريخ 8 أكتوبر 2016
http://www.elzmannews.com/t~31651

شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الموقع

الكاتب آدمن الموقع

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/