محسن عوض الله
في 22 سبتمبر الماضي، وفي أحد ساحات مدينة أربيل، وقف مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، أمام حشد كبير من أنصاره، معلنًا رفضه لكل الضغوط الدولية التي مورست عليه من أجل تأجيل الاستفتاء أو إلغائه، ومعلنًا استعداده للموت في سبيل استقلال كردستان، وفي 17 أكتوبر، في مدينة كركوك، انسحبت قوات البشرمكة الكردية، التي يعد برزاني قائدها الأعلى، دون قتال مسلمة المدينة للقوات العراقية.
فصل بين المشهدين أقل من 25 يومًا، ولكن النتائج المترتبة عليهما أعادت الأكراد سنوات طويلة للخلف.
نكسة كردية
في صبيحة 17 أكتوبر، فوجئ شعب كردستان العراق بدخول ميليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية مدينة كركوك، وبسيطرتها على مطار المدينة ومعسكراتها ومنشآتها النفطية، دون أدنى مقاومة من البشمركة الكردية التي تُعد هي جيش الدفاع الكردستاني.
مدينة كركوك، الغنية بالنفط والغاز والتي وصفها الزعيم الكردي الراحل مؤخرًا، والرئيس السابق للعراق، جلال طالباني، بأنها «قدس الأكراد»، هي إحدى المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والسلطة المركزية في بغداد، بالإضافة إلى محافظة نينوى وديالى وصلاح الدين، فرسميًا، لا تنتمي كركوك لإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ سنة 1974.
لم يصدّق الأكراد أعينهم وهم يرون علم كردستان يُنزَل من فوق ديوان محافظة كركوك ويُستبدل به العلم العراقي، مع إقالة محافظ المدينة الكردي نجم الدين كريم وتعيين آخر تابع للحكومة الاتحادية.
مع غروب شمس 17 أكتوبر، كانت القوات العراقية قد أحكمت سيطرتها على مدينة كركوك بالكامل، لأول مرة منذ عام 2014، معلنة ذلك في بيان رسمي.
نظر الأكراد حولهم، فلم يجدوا قائدهم مسعود برزاني الذي أعلن منذ أقل من شهر واحد استعداده للموت دفاعًا عن استقلال كردستان، فضلًا عن تأكيده على أن قوات الإقليم لن تنسحب من مناطق «سُفك دم كردي على ترابها»، بحسب تعبيره الذي يشير لمشاركة الأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش في مناطق متنازع عليها مع بغداد، أبرزها كركوك.
خيانة أم تنسيق مشترك؟
اختفي برزاني، البالغ من العمر 68 عامًا، والذي يحكم كردستان منذ إنشاء النظام الرئاسي عام 2005، مكتفيًا بإصدار بيان عن القيادة العامة لقوات البشمركة حذّر فيه الحكومة العراقية من كونها «ستدفع ثمنًا باهظًا لحملتها على كركوك»، ومتهمًا فصيلًا من الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الرئيسيين في الإقليم، بـ«الخيانة لمساعدته بغداد في العملية».
ورغم الإعلان المسبق عن كلمة مرتقبة للبرزاني، إلا أنه جرى إبدالها ببيان من رئاسة الإقليم يصف ما حدث في كركوك بـ«المجزرة» التي تعرض لها الشعب الكردي، ويتهم في الوقت نفسه سياسيين أكرادًا بالتورط في الأحداث.
كما شبه كوسرت رسول، والنائب الأول لرئيس الإقليم، ما حدث في كركوك بـ«مجزرة الأنفال» التي شنها صدام حسين ضد الأكراد، متهمًا عناصر بحزبه بالتآمر والخيانة.
لكن تصريحات برزاني ونائبه، قد تتناقض مع تصريحات فاضل ميراني، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتولي رئاسته مسعود برزاني رئيس الإقليم، حيث كشف ميراني في تصريحات تليفزيونية لفضائية «الحدث» أن انتشار القوات العراقية بكركوك استند على تنسيق مسبق مع بغداد. لافتًا إلي أنه كان هناك اتفاق بين البشمركة مع رئاسة أركان الجيش والدفاع العراقية، في اجتماع عُقد بتاريخ 29 سبتمبر، على عودة البشمركة لحدود ما قبل معركة الموصل.
تراشق سياسي واتهامات بسرقة النفط
على الناحية المقابلة، من جبهة معارضة برزاني، كانت ردود فعل قيادات حزب الاتحاد قوية، ومعبّرة عن حجم الانقسام داخل الإقليم والخلافات حول مسألة الاستفتاء، حيث أرجع الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو نفسه قيادي في حزب الاتحاد الكردستاني، سبب ما حدث في كركوك لخطوة الاستفتاء التي أقدم عليها رئيس الإقليم برزاني، وما أثارته من خلافات مع حكومة بغداد.
وأشارت وسائل إعلام كردية وإيرانية أن هيرو إبراهيم طالباني، زوجة الراحل جلال طالباني، اتهمت بارزاني «بالتواطؤ» من أجل مصالحه الشخصية.
لاهور شيح جنكي، نجل شقيق الزعيم الكردي جلال طالباني، والمسؤول عن جهاز مكافحة الإرهاب بحزب الاتحاد، أعلن أن حزبه لن يضحي بأبنائه من أجل تعزيز سلطة مسعود برزاني، مضيفًا: «كنا نقوم بحماية الشعب الكردي بينما كان برزاني يسرق النفط».
كما كرر حسين إسماعيل، عضو برلمان كردستان عن الجماعة الإسلامية، اتهام رئيس كردستان المنتهية ولايته، مسعود بارزاني، بسرقة النفط طيلة الأعوام السابقة لصالح عائلته وحزبه، داعيًا الأحزاب الكردية لمنع بارزاني من الاستمرار في السلطة لوقت آخر.
تذكير بتسعينيات الأكراد
اتهامات الخيانة المتبادلة بين أكبر حزبين بالإقليم، دفعت البعض للتخوف من تطورات الأوضاع لمواجهة عسكرية وحرب أهلية تعيد للأذهان أجواء الحرب الأهلية بالإقليم في التسعينات.
حيث توقع ملا بختيار، مسؤول المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، اندلاع حرب أهلية في إقليم كردستان وانقسامه إلى إدارتين بسبب الأزمة الحالية، محملًا قادة الإقليم المسؤولية عن هذا، بسبب إجرائهم الاستفتاء وتداعياته.
كما رجّح النائب عن ائتلاف «دولة القانون» بالبرلمان العراقي، كامل الزيدي، احتمالية حدوث انقلاب ضد رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني.
وكان الإقليم قد شهد في التسعينات حربًا دموية بين حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» بقيادة جلال طالباني، وحزب «الديمقراطي الكردستاني» بقيادة مسعود بارزاني. وقتها تقدمت قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، التي تحظى بعلاقات جيدة بإيران، نحو أربيل، وانتزعت السيطرة على عاصمة الإقليم من حزب بارزاني، فما كان من الأخير إلا أن ذهب إلى بغداد طالبًا العون من صدام حسين، والذي تدخل بقوات الجيش العراقي لينتزع السيطرة على العاصمة من طالباني ويسلمها لبارزاني.
ولكن منذ إطاحة الغزو الأمريكي بصدام حسين عام 2003، تعاون الحزبان إلى حد كبير في إدارة المنطقة الكردية، حيث سيطرت قوات «الاتحاد الوطني» على السليمانية، وتحكمت قوات «الديمقراطي» بأربيل ودهوك. وبينما تولى البرزاني رئاسة الإقليم، تولى جلال طالباني، القيادي بحزب الاتحاد الوطني، رئاسة العراق وقتها، وهو منصب شرفي خُصّص للأكراد في عراق ما بعد صدام.
غضب شعبي: ارحل!
تطورات الأحداث في كركوك، والاتهامات المتبادلة بين أكبر حزبين بالإقليم، أثارت حالة من الاحتقان بين القوى السياسية الأخرى والنشطاء الأكراد، حيث اعتبرت «حركة التغيير»، أحد القوى السياسية المؤثرة بالإقليم، أن الوضع في كردستان لن ينصلح إلا بتنحي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم.
كما أن رئيس برلمان إقليم كردستان «المعطَّل»، يوسف محمد، طالب رئيس الإقليم، مسعود برزاني، بتقديم استقالته «حفاظًا على ماء وجهه» بحسب تعبيره.
وفي بيان لها، طالبت قائمة «الجيل الجديد» الكردستانية بارزاني وقيادة الأحزاب الحاكمة في الإقليم بتقديم استقالاتهم فورًا، لكونهم «السبب في الأوضاع الحالية»، مهددة باللجوء للشارع لإسقاط الحكومة الفاشلة في حال لم تقر قيادات الإقليم بالمسؤولية عن هذه الاحداث.
وعلى المستوى الشعبي، اشتعلت حالة من الغضب بين النشطاء الأكراد على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث ظهرت دعوات تطالب برحيل مسعود برزاني والتخلص من كل الزعامات التي أضاعت حقوق الشعب الكردي لخدمة مصالحها الحزبية والقبلية.
وتظاهر العشرات من شباب كردستان صباح الأربعاء الماضي أمام مقر حزب الاتحاد الوطني متهمين قياداته بالتورط في تسليم كركوك للجيش العراقي والحشد الشعبي.
مستقبل الإقليم
لا يبدو مستقبل إقليم كردستان مبشرًا، وقد تشهد الأيام المقبلة اختفاء اسم الإقليم من المشهد الدولي بشكل كامل، في ظل الهجمة العسكرية العراقية على الإقليم، واستخدام ساسة العراق مصطلح «شمال العراق» بدلًا من لفظ «الإقليم الكردي».
كما أن نائب قائد القوات البرية بالجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، وفي تصريحات صحفية أمس الأحد، كشف عن النية العراقية لـ«احتلال» الإقليم بالكامل خلال الأيام المقبلة.
وبعيدًا عن التهديدات بالاحتلال العسكري، فالأزمة المعيشية تتصاعد نتيجة الحصار الاقتصادي وانخفاض صادرات النفط عبر ميناء جيهان التركي لأقل من الثلث، ولا تزال المرتبات معطّلة نتيجة الحصار المفروض من قبل حكومة بغداد.
سياسيًا، وفي ظل الخلاف الشديدة بين حزبي الاتحاد والديمقراطي، فإن تمزق الإقليم بين إداراتين وارد بشدة، حيث طُرح احتفاظ الحزب الديمقراطي، بقيادة برزاني، بإدارة مدينتي أربيل ودهوك، وفي المقابل يدير حزب الاتحاد، في ظل علاقته الجيدة بحكومة بغداد، مدينة كركوك ومحافظة السليمانية.
وطالب أعضاء في مجلس السليمانية بفك الارتباط المالي مع كردستان، ووقع 12عضوًا بالمجلس على بيان يطالب بعقد اجتماع عاجل لمناقشة تأمين الحكومة العراقية لميزانية المحافظة والوقود فيها.
أما برزاني نفسه، وفي ظل الدعوات الشعبية والسياسية لإقالته، فقد أضحى مستقبله في مهب الريح، حتى أن الأمر وصل لدعوة حركة التغيير لإلغاء منصب رئيس الإقليم أصلًا، وتوزيع صلاحياته على رئاسة البرلمان والحكومة.
يبدو أن سقوط حلم «الدولة المستقلة»، أو تأجيله، قد يغيران كثيرًا من الأوضاع بكردستان العراق، وفي كل الأحوال، فإن أوضاع كردستان بعد 17 أكتوبر ستختلف تمامًا عن الأوضاع قبلها، سواء لحسابات سياسية داخلية أو عبر ضغوط دولية أو حتى لاندلاع انتفاضة شعبية محتملة.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تبقى الكلمة للشعب الكردي، فهو الأدرى بمصالحه والأجدر بالتعبير عنها.
madamasr
في 22 سبتمبر الماضي، وفي أحد ساحات مدينة أربيل، وقف مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، أمام حشد كبير من أنصاره، معلنًا رفضه لكل الضغوط الدولية التي مورست عليه من أجل تأجيل الاستفتاء أو إلغائه، ومعلنًا استعداده للموت في سبيل استقلال كردستان، وفي 17 أكتوبر، في مدينة كركوك، انسحبت قوات البشرمكة الكردية، التي يعد برزاني قائدها الأعلى، دون قتال مسلمة المدينة للقوات العراقية.
فصل بين المشهدين أقل من 25 يومًا، ولكن النتائج المترتبة عليهما أعادت الأكراد سنوات طويلة للخلف.
نكسة كردية
في صبيحة 17 أكتوبر، فوجئ شعب كردستان العراق بدخول ميليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية مدينة كركوك، وبسيطرتها على مطار المدينة ومعسكراتها ومنشآتها النفطية، دون أدنى مقاومة من البشمركة الكردية التي تُعد هي جيش الدفاع الكردستاني.
مدينة كركوك، الغنية بالنفط والغاز والتي وصفها الزعيم الكردي الراحل مؤخرًا، والرئيس السابق للعراق، جلال طالباني، بأنها «قدس الأكراد»، هي إحدى المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والسلطة المركزية في بغداد، بالإضافة إلى محافظة نينوى وديالى وصلاح الدين، فرسميًا، لا تنتمي كركوك لإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ سنة 1974.
لم يصدّق الأكراد أعينهم وهم يرون علم كردستان يُنزَل من فوق ديوان محافظة كركوك ويُستبدل به العلم العراقي، مع إقالة محافظ المدينة الكردي نجم الدين كريم وتعيين آخر تابع للحكومة الاتحادية.
مع غروب شمس 17 أكتوبر، كانت القوات العراقية قد أحكمت سيطرتها على مدينة كركوك بالكامل، لأول مرة منذ عام 2014، معلنة ذلك في بيان رسمي.
نظر الأكراد حولهم، فلم يجدوا قائدهم مسعود برزاني الذي أعلن منذ أقل من شهر واحد استعداده للموت دفاعًا عن استقلال كردستان، فضلًا عن تأكيده على أن قوات الإقليم لن تنسحب من مناطق «سُفك دم كردي على ترابها»، بحسب تعبيره الذي يشير لمشاركة الأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش في مناطق متنازع عليها مع بغداد، أبرزها كركوك.
خيانة أم تنسيق مشترك؟
اختفي برزاني، البالغ من العمر 68 عامًا، والذي يحكم كردستان منذ إنشاء النظام الرئاسي عام 2005، مكتفيًا بإصدار بيان عن القيادة العامة لقوات البشمركة حذّر فيه الحكومة العراقية من كونها «ستدفع ثمنًا باهظًا لحملتها على كركوك»، ومتهمًا فصيلًا من الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الرئيسيين في الإقليم، بـ«الخيانة لمساعدته بغداد في العملية».
ورغم الإعلان المسبق عن كلمة مرتقبة للبرزاني، إلا أنه جرى إبدالها ببيان من رئاسة الإقليم يصف ما حدث في كركوك بـ«المجزرة» التي تعرض لها الشعب الكردي، ويتهم في الوقت نفسه سياسيين أكرادًا بالتورط في الأحداث.
كما شبه كوسرت رسول، والنائب الأول لرئيس الإقليم، ما حدث في كركوك بـ«مجزرة الأنفال» التي شنها صدام حسين ضد الأكراد، متهمًا عناصر بحزبه بالتآمر والخيانة.
لكن تصريحات برزاني ونائبه، قد تتناقض مع تصريحات فاضل ميراني، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتولي رئاسته مسعود برزاني رئيس الإقليم، حيث كشف ميراني في تصريحات تليفزيونية لفضائية «الحدث» أن انتشار القوات العراقية بكركوك استند على تنسيق مسبق مع بغداد. لافتًا إلي أنه كان هناك اتفاق بين البشمركة مع رئاسة أركان الجيش والدفاع العراقية، في اجتماع عُقد بتاريخ 29 سبتمبر، على عودة البشمركة لحدود ما قبل معركة الموصل.
تراشق سياسي واتهامات بسرقة النفط
على الناحية المقابلة، من جبهة معارضة برزاني، كانت ردود فعل قيادات حزب الاتحاد قوية، ومعبّرة عن حجم الانقسام داخل الإقليم والخلافات حول مسألة الاستفتاء، حيث أرجع الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو نفسه قيادي في حزب الاتحاد الكردستاني، سبب ما حدث في كركوك لخطوة الاستفتاء التي أقدم عليها رئيس الإقليم برزاني، وما أثارته من خلافات مع حكومة بغداد.
وأشارت وسائل إعلام كردية وإيرانية أن هيرو إبراهيم طالباني، زوجة الراحل جلال طالباني، اتهمت بارزاني «بالتواطؤ» من أجل مصالحه الشخصية.
لاهور شيح جنكي، نجل شقيق الزعيم الكردي جلال طالباني، والمسؤول عن جهاز مكافحة الإرهاب بحزب الاتحاد، أعلن أن حزبه لن يضحي بأبنائه من أجل تعزيز سلطة مسعود برزاني، مضيفًا: «كنا نقوم بحماية الشعب الكردي بينما كان برزاني يسرق النفط».
كما كرر حسين إسماعيل، عضو برلمان كردستان عن الجماعة الإسلامية، اتهام رئيس كردستان المنتهية ولايته، مسعود بارزاني، بسرقة النفط طيلة الأعوام السابقة لصالح عائلته وحزبه، داعيًا الأحزاب الكردية لمنع بارزاني من الاستمرار في السلطة لوقت آخر.
تذكير بتسعينيات الأكراد
اتهامات الخيانة المتبادلة بين أكبر حزبين بالإقليم، دفعت البعض للتخوف من تطورات الأوضاع لمواجهة عسكرية وحرب أهلية تعيد للأذهان أجواء الحرب الأهلية بالإقليم في التسعينات.
حيث توقع ملا بختيار، مسؤول المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، اندلاع حرب أهلية في إقليم كردستان وانقسامه إلى إدارتين بسبب الأزمة الحالية، محملًا قادة الإقليم المسؤولية عن هذا، بسبب إجرائهم الاستفتاء وتداعياته.
كما رجّح النائب عن ائتلاف «دولة القانون» بالبرلمان العراقي، كامل الزيدي، احتمالية حدوث انقلاب ضد رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني.
وكان الإقليم قد شهد في التسعينات حربًا دموية بين حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» بقيادة جلال طالباني، وحزب «الديمقراطي الكردستاني» بقيادة مسعود بارزاني. وقتها تقدمت قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، التي تحظى بعلاقات جيدة بإيران، نحو أربيل، وانتزعت السيطرة على عاصمة الإقليم من حزب بارزاني، فما كان من الأخير إلا أن ذهب إلى بغداد طالبًا العون من صدام حسين، والذي تدخل بقوات الجيش العراقي لينتزع السيطرة على العاصمة من طالباني ويسلمها لبارزاني.
ولكن منذ إطاحة الغزو الأمريكي بصدام حسين عام 2003، تعاون الحزبان إلى حد كبير في إدارة المنطقة الكردية، حيث سيطرت قوات «الاتحاد الوطني» على السليمانية، وتحكمت قوات «الديمقراطي» بأربيل ودهوك. وبينما تولى البرزاني رئاسة الإقليم، تولى جلال طالباني، القيادي بحزب الاتحاد الوطني، رئاسة العراق وقتها، وهو منصب شرفي خُصّص للأكراد في عراق ما بعد صدام.
غضب شعبي: ارحل!
تطورات الأحداث في كركوك، والاتهامات المتبادلة بين أكبر حزبين بالإقليم، أثارت حالة من الاحتقان بين القوى السياسية الأخرى والنشطاء الأكراد، حيث اعتبرت «حركة التغيير»، أحد القوى السياسية المؤثرة بالإقليم، أن الوضع في كردستان لن ينصلح إلا بتنحي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم.
كما أن رئيس برلمان إقليم كردستان «المعطَّل»، يوسف محمد، طالب رئيس الإقليم، مسعود برزاني، بتقديم استقالته «حفاظًا على ماء وجهه» بحسب تعبيره.
وفي بيان لها، طالبت قائمة «الجيل الجديد» الكردستانية بارزاني وقيادة الأحزاب الحاكمة في الإقليم بتقديم استقالاتهم فورًا، لكونهم «السبب في الأوضاع الحالية»، مهددة باللجوء للشارع لإسقاط الحكومة الفاشلة في حال لم تقر قيادات الإقليم بالمسؤولية عن هذه الاحداث.
وعلى المستوى الشعبي، اشتعلت حالة من الغضب بين النشطاء الأكراد على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث ظهرت دعوات تطالب برحيل مسعود برزاني والتخلص من كل الزعامات التي أضاعت حقوق الشعب الكردي لخدمة مصالحها الحزبية والقبلية.
وتظاهر العشرات من شباب كردستان صباح الأربعاء الماضي أمام مقر حزب الاتحاد الوطني متهمين قياداته بالتورط في تسليم كركوك للجيش العراقي والحشد الشعبي.
مستقبل الإقليم
لا يبدو مستقبل إقليم كردستان مبشرًا، وقد تشهد الأيام المقبلة اختفاء اسم الإقليم من المشهد الدولي بشكل كامل، في ظل الهجمة العسكرية العراقية على الإقليم، واستخدام ساسة العراق مصطلح «شمال العراق» بدلًا من لفظ «الإقليم الكردي».
كما أن نائب قائد القوات البرية بالجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، وفي تصريحات صحفية أمس الأحد، كشف عن النية العراقية لـ«احتلال» الإقليم بالكامل خلال الأيام المقبلة.
وبعيدًا عن التهديدات بالاحتلال العسكري، فالأزمة المعيشية تتصاعد نتيجة الحصار الاقتصادي وانخفاض صادرات النفط عبر ميناء جيهان التركي لأقل من الثلث، ولا تزال المرتبات معطّلة نتيجة الحصار المفروض من قبل حكومة بغداد.
سياسيًا، وفي ظل الخلاف الشديدة بين حزبي الاتحاد والديمقراطي، فإن تمزق الإقليم بين إداراتين وارد بشدة، حيث طُرح احتفاظ الحزب الديمقراطي، بقيادة برزاني، بإدارة مدينتي أربيل ودهوك، وفي المقابل يدير حزب الاتحاد، في ظل علاقته الجيدة بحكومة بغداد، مدينة كركوك ومحافظة السليمانية.
وطالب أعضاء في مجلس السليمانية بفك الارتباط المالي مع كردستان، ووقع 12عضوًا بالمجلس على بيان يطالب بعقد اجتماع عاجل لمناقشة تأمين الحكومة العراقية لميزانية المحافظة والوقود فيها.
أما برزاني نفسه، وفي ظل الدعوات الشعبية والسياسية لإقالته، فقد أضحى مستقبله في مهب الريح، حتى أن الأمر وصل لدعوة حركة التغيير لإلغاء منصب رئيس الإقليم أصلًا، وتوزيع صلاحياته على رئاسة البرلمان والحكومة.
يبدو أن سقوط حلم «الدولة المستقلة»، أو تأجيله، قد يغيران كثيرًا من الأوضاع بكردستان العراق، وفي كل الأحوال، فإن أوضاع كردستان بعد 17 أكتوبر ستختلف تمامًا عن الأوضاع قبلها، سواء لحسابات سياسية داخلية أو عبر ضغوط دولية أو حتى لاندلاع انتفاضة شعبية محتملة.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تبقى الكلمة للشعب الكردي، فهو الأدرى بمصالحه والأجدر بالتعبير عنها.
madamasr