الحملة التكنولوجية لمناهضة الفكر المتطرف والإرهاب ..!؟ - ماذا يحمل العقل المتطرف..!؟

آدمن الموقع 3:22:00 م 4:20:44 ص
للقراءة
كلمة
1 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي

لا تزال الحملة التكنولوجية لمناهضة الفكر المتطرف تكشف هذه الظاهرة المعقدة لعلها تساهم في كشف هذا الأخطبوط العالمي الذي يهدد االإنسانية جمعاء. .واليوم سنتناول ماذا يحمل هذاالعقل المتطرف؟ ليعلم الشباب هذه الشرذمة الضالة التي استحوذت على عقولهم باسم الدين والدين منهم براء. في هذه المقالة سنهتم بما يسمى التوجه السلفي الراهن والذي صار يجعل من التسلف أو السلفية مذهبا إسلاميا وإن كان أصحاب هذا الاتجاه ينفون كونهم يمثلون مذهبا ما. ولهذا فإن مفهوم "السلف" عندما نمعن النظر في ما آل إليه مع هؤلاء يتضح بأنه لم يعد فقط تعبيرا عن مرحلة زمنية مباركة، بل تحول لاقتداء ظاهري يركز على الشكل في التعبير عن الانتماء والمغايرة والاختلاف الذي يعتبره هؤلاء اقتداء بالسلف، بينما هم لا يتجاوزون في تمثلهم واقتدائهم القشور والشكليات العرضية ودون أن يعبروا إلى روح السلف الصالح رضوان الله عليهم. لأنهم بكل بساطة بعيدون عن فكرهم وطريقة نظرهم وتعاملهم مع الأمور وكيفية تدبيرهم لها.فـ"الاقتداء له حدان، حد النوايا والمقاصد وحد المماثلة الحرفية"، ولعل ما يؤكد لنا تسطيحية أصحاب هذا التوجه وميلهم للقشور بدل اللباب، مفهومهم للبدعة والتي تم حصرها عندهم في أمور بات نقاشها مثارا للفتن والإمعان في التشتت لأفراد هذه الأمة أكثر مما هي عليه في واقعها المأساوي الراهن. حيث نجدهم يركزون على قضايا من قبيل القبض والسدل واللباس واللحية والسواك والخفين وصبغ الشعر والبسلمة وشكل التسليمة في الصلاة وكيفية التكبير وعدد الأذان في الجمعة والدعاء في ختام الصلاة..الخ. مما يختلف بين المسلمين حسب مناطقهم الجغرافية وانتماءاتهم الثقافية والمذهبية التاريخية. بينما همشت في المقابل أشكال التنمية والتعليم والتقدم التي يمكن لمجتعاتنا أن تتخذها قصد أن تتقدم وتساير ركب الحضارة.ولعلنا إذا ما قاربنا المسألة بمنطق علم مقاصد الشريعة كما أرساه الشاطبي في "موافقاته" وعلماء الإسلام من بعده سنجد أن هؤلاء لا يهمهم أصول أو قواعد الفقه الكلية ومقاصد الشرع الجامعة في ما يقدمون عليه من أفعال أو مواقف وتصورات، فنجدهم يفرقون بدل أن يوحدوا كلمة المسلمين، تفريقا لم تسلم منه حتى الأعياد الدينية، ولا مساجدهم في الصلاة حيث صار الفقيه الفلاني مبتدعا فلا تجوز الصلاة خلفه، بل بلغ اندماجهم في تصور أحادي يعتقدون بصوابيته المطلقة دونا عن غيره حتى على مستوى القراءات القرآنية فمجدوا قراءة حفص عن عاصم في مقابل قراءات أخرى كقراءة ورش عن نافع، وهي قراءات وقع التوافق عليها تاريخيا بين مجموع المسلمين حسب اختلافاتهم الجغرافية والمذهبية والثقافية والتي كانت تجسد مرونة الإسلام وانفتاحه على الانتماءات الثقافية والخصوصيات التي تميز تجمعات المسلمين بعضها عن بعض وإن وحدتهم الثوابت القطعية.فبدل أن يشجع أصحاب هذا التوجه على الاندماج المجتمعي في قاطرة التطور والبناء قاموا بخلق المزيد من هواجس التوجس والريبة من كل ما هو جديد، لتزيد بذلك عقد النقص عند المسلمين، وبدل أن يشجعوا على ترسيخ منهجية "فقه الأولويات" يرسخون أجواء مغلقة لا تحاكي حقيقة ما عليه هموم المسلم وآماله، وإنما تستنسخ آراء لا علاقة لها ببيئته وظروفه فتجعل منه كائنا يعيش خارج إحداثيات الزمان والمكان، بدل أن يكون ابن زمانه حسب عبارة العارفين.ولعل أهم ما اشتهرت به هذه الجماعة الدينية اليوم هو تكفيرها للمسلمين دون تحوط في ذلك، ودون وجه حق، هذا إن كان لنا الحق أصلا أو لأي مسلم في أن يكفر غيره، وقد نذر أن نسمع عن عالم من علماء الإسلام الأوائل في مجموعهم من ساق التكفير على عواهنه وكفر كل من خالفه فيما يعتقد ويتصور بأنه الصحيح. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما) أخرجه مسلم، وفي حديث آخر (كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب فمن أكفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب) أخرجه الطبراني. وإنها لعمري البدعة بعينها في مخالفة السماحة والاختلاف الذي كان يطبعان حياة السلف في تقبلهم لبعضهم البعض.وفي السياق عينه يقول الإمام أبي الحسن الأشعري – رحمه الله ورضي عنه – وهو يعرض عقيدة أصحاب الحديث وأهل السنة من السلف وما اتفقوا عليه بأنهم "لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم مما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر". فلنتأمل هذه السماحة والحكمة التي تميز هذا الفكر الإسلامي الذي هو وليد ثقافة وفعل السلف، غير أن التبحر في التراث وكتب الفقه وتاريخ المسلمين بعيد كل البعد عن ثقافة أصحاب هذا التوجه الهجين، قصد التثبت قبل القول والحكم على الأشياء، ولهذا يطبع سلوكاتهم وأفكارهم التسرع في التقول على الأشخاص والجماعات، فلم يسلم من تبديعهم حجة الإسلام الغزالي ولا ابن القيم وغيرهم من علماء المسلمين الذين أجمعت أمة الإسلام على عدلهم وثقتهم وورعهم وقيمتهم العلمية الرصينة. ومن كان هذا حاله فلابد أن يسلك تجاه من يخالفه ويحاججه برؤى من تراث السلف أنفسهم سبيل العنف الرمزي بتكفيرهم ووسمهم بالزنادقة، وبالطبع سيصل هذا العنف حد العنف المادي بسفك دمهم والترغيب في أجر ذلك لمن استطاع إليه سبيلا.ولعلنا نحتاج أمام أمثال هذه الرؤى المتشددة والمتعصبة للمنهج العرفاني الرباني، الذي لا يخلق فواصل بين العبد والعبد ولا حدود، وإنما يؤصل للتعايش لا على مستوى القطر الواحد فقط وإنما على مستوى الإنسانية جمعاء، ونقصد هنا السلفية الأصيلة لا الهجينة، ولا تجلي لهذه الأخيرة إلا في استيعاب تراثنا كله لا التعامل معه مجزء مقصوصا وغير متكامل، في كل الأبعاد التي يحملها من تسامح وحرية وأخلاق وهداية وعلم وحكمة.

-----------------------------------------
رئيس المركز الدولي - وباحث في الحركات الإسلامية

شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الموقع

الكاتب آدمن الموقع

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

1 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/