تركيا: قانون انتخابي يكرس تراجع الديموقراطية!

آدمن الموقع
0


كرم سعيد / كاتب مصري

تتراجع الديموقراطية في تركيا، بينما تتصاعد السلطوية. هذا ما توحي به الأحداث في السنوات الأخيرة، وآخرها إدخال تعديلات على قانون النظام الانتخابي. حيث وافق البرلمان التركي في 13 آذار (مارس) الجاري على قانون الانتخابات الجديد، والذي سيعمل به في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. ولم يكن تعديل القانون الانتخابي وحده هو الكاشف عن تراجع الديموقراطية في تركيا، فقد سبقه في نيسان (أبريل) من العام الماضي الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي حولت البلاد لجهة النظام الرئاسي. وإذا كانت تلك التعديلات أدت إلى إحداث هزة في أسس النظام السياسي التركي، وتفضي بدورها إلى تقويض التوازنات بين مكوناته ومؤسساته، فإن تعديلات القانون الانتخابي تفتح المجال للتزوير، وتهدد نزاهة العملية الانتخابية، التي طالما حافظت الحكومات التركية عليها منذ العام 1950، بما فيها مراحل الوصاية والانقلابات العسكرية. وتسمح التعديلات الجديدة بظهور التحالفات الحزبية المؤلفة من حزبين أو أكثر؛ وتوسع صلاحيات مندوبي الأحزاب في اللجان الانتخابية، إذ يحق لهم استدعاء الشرطة للتعامل مع أي موقف، كما سيكون من حق الناخبين التقدم بشكاوى ضد مندوبي اللجان.

في سياق متصل، منح التعديل الجديد الهيئة العليا للانتخابات سلطة دمج دوائر انتخابية، ونقل صناديق اقتراع من دائرة إلى أخرى. كما سمح التعديل بإعادة توزيع بعض لجان الاقتراع في شرق تركيا وجنوب شرقيها، حيث مناطق النفوذ والتركز السكاني الكردي. ومن أكثر المواد إثارة للجدل في القانون الجديد، وترسخ للتوجه السلطوي في البلاد، هو السماح باستخدام أوراق انتخابية غير ممهورة من لجنة الانتخابات، وغير معروفة المصدر في الانتخابات، وهو ما يفتح الباب واسعاً لتصاعد الشكوك بشأن نزاهة العملية الانتخابية من جهة، وإضفاء الشرعية من جانب آخر على قرار اتخذته لجنة الانتخابات عشية التعديلات الدستورية في 2017، عندما سمحت بقبول أوراق اقتراع غير ممهورة، وهو ما أثار غضباً واسعاً بين القطاعات الحية في المجتمع، وقلق الخارج، سيما أنه يكشف عن إفلاس سياسي، وتغليظ للقيود التي يمكن أن تساهم في تكريس السلطوية.

والأرجح أن تعديل القانون الانتخابي سيزيد تعقيد عدد من الملفات التركية أولها تعميق حالة الاستقطاب في الشارع السياسي، ففي الوقت الذي ترى الحكومة في التعديلات فرصة لتأمين الحياة السياسية، والقضاء على الترهيب الذي قد يمارسه حزب العمال الكردستاني المحظور على الناخبين في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية. ففي المقابل ترفض المعارضة التعديلات، باعتبار أنها لا تطاول التفاصيل والتوازنات التي كرسها القانون الانتخابي قبل تعديله، بل ستغير هوية السلطة وجوهر العلاقة بين الدولة والقوى السياسية، فهي ستحجم من نفوذ المعارضة ودورها لأدنى مقدار ممكن، بينما تمنح الموالاة امتيازات غير مسبوقة، حيث تنص التعديلات على أنه في حالة تخطي التحالف الانتخابي نسبة الـ10 في المئة تكون جميع الأحزاب المشاركة في التحالف قد تخطتها أيضاً، وهو ما يعني في جوهره طوق نجاة لحزب الحركة القومية الذي فقد جزءاً معتبراً من قاعدته الانتخابية، وشهد طوال الشهور التي خلت انشقاقات بالجملة أطاحت رصيده الشعبي.

وتجلى الخصام بين مكونات المجتمع التركي عشية تمرير البرلمان حزمة التعديلات على القانون الانتخابي، في تأكيد المعارضة التركية تمسكها بالاعتراض على هذه التعديلات التي أطلق عليها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، «قانون تزوير الانتخابات»، كما وعدت المعارضة بالتوجه أمام المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الأوروبية من أجل إلغاء هذه التعديلات.

في المقابل قد تتأثر علاقة الدولة بالأكراد بفعل التغيرات السياسية التي ستعقب تعديل قانون الانتخابات. وكان حزب الشعوب الديموقراطي الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض مواجهة مسلحة مع الدولة منذ صيف العام 2015، قد رفض هذه التعديلات، باعتبار أنها تقضي على الأسس العادلة والشفافة والحرة للانتخابات، وتستهدف القضاء على الطموح الكردي بالانخراط في الحياة السياسية والتمثيل في هياكل الدولة ومؤسساتها.

على صعيد ذي شأن، قد يستمر الشد والجذب في العلاقات التركية الأوروبية مع ترسيخ أردوغان حكمه. ويرى الاتحاد أن مثل هذه التعديلات تكرس التوجه السلطوي، كما أنها تزيل ضوابط وتوازنات ضرورية في هوية النظام التركي وطبيعة العلاقة بين مؤسساته وهياكله.

لذا فإن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تشويه الصورة النمطية لتركيا في الخارج، لاسيما أن الاتحاد الأوروبي كشف في سلسلة تقاريره في السنوات الثلاث الماضية عن انحراف تركيا عن قيم الديموقراطية، وتراجع مؤشر الحريات فيها.

والواقع أن الاتحاد يخشى من أن يكون تعديل القانون الانتخابي، ومن قبله الانتقال للنظام الرئاسي مدخلاً لحكم شمولي ديكتاتوري يقضي على التنوع وقواعد اللعبة الديموقراطية في البلاد. وكانت العلاقة بين تركيا وأوروبا شهدت تدهور حاداً، بعد سلسلة من الفعل ورد الفعل، وتطورت بشكل متسارع منذ رفض التعديلات التي حولت البلاد لجهة النظام الرئاسي في البلاد.

على صعيد ذي شأن، فإن تعديل القانون الانتخابي الذي يسعى أردوغان من ورائه إلى تأمين احتفاظه وحزبه بالانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، قد يساهم في تكريس بقائه في المشهد حتى العام 2024، الذي يصادف مرور مئة عام على تأسيس الجمهورية التركية، ويعزز في الوقت ذاته ولادة الجمهورية الأردوغانية، وتواري جمهورية أتاتورك العلمانية.

غير أن ردود فعل قطاعات معتبرة من المجتمع التركي السياسي، والأهلي بشأن تعديل قانون الانتخابات كشفت تراجع شعبية العدالة والتنمية، والرئيس التركي الذي طالما يريد الإمساك بمفاصل الدولة حتى أصغر شأن فيها، وربما ذلك ستكون تداعياته سلبية على الحزب في أي استحقاقات انتخابية مقبلة.

القصد أن التعديل الراهن للقانون الانتخابي المعمول به في تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي، قد يفضي إلى تراجع انتكاسة للديموقراطية في تركيا التي طالما ظلت نموذجاً نال ثقة الغرب لفترة طويلة. وبرغم معارضة قوية في الداخل التركي لتعديل القانون الانتخابي، باعتباره خطوة سلبية نحو إفراز بيئة مواتية للتزوير، ويشتل بذور السلطوية في النظام السياسي التركي فضلاً عن انتقادات الخارج إلا أن العدالة والتنمية ومعه حزب الحركة القومية يراه لم يعد يلبي حاجات تركيا وتطوره. ويحاول أردوغان والموالون له منذ سنوات تبرير رغبتهم في تعديل النظام الانتخابي، باعتباره من أجل استقرار الدولة وحماية المواطن التركي وحقوقه، لكن تبقى النوايا أبعد من ذلك، فحلم إحياء الإمبراطورية العثمانية، وخطاب الهيمنة مشتعل في ذهن السلطان رجب.

جريدة الحياة 16.3.2018

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!