الابادة الاقتصادية على روج افا - شمال سوريا

آدمن الموقع
1

تحليل: عاطف صبري
خاص/ الموقع الجيوستراتيجي


تعدّ مناطق روج افا، الممتدّة في الشمال السوريّ، غنيةً بالثروات الطبيعية فمنها  الباطنية والسطحية. وكانت ولاتزال  تمدّ سورية بمعظم مواردها، إذ إن نسبة مساهمتها في تكوين الناتج المحليّ الإجماليّ تتجاوز 50%. وبالرغم من ذلك كانت هذه المناطق تعاني من الفقر المدقع نتيجة السياسات الاقتصادية الممارسة ضدها وفق منهجيةٍ إقصائيةٍ أدّت إلى حرمان معظم أبنائها من الاستفادة من الموارد المتوافرة فيها، ما أدى إلى حدوث موجات هجرةٍ مستمرّةٍ نحو المدن الكبرى.
 واستمرّ الحال على هذا  المنوال لغاية بداية الأحداث السورية في آذار 2011، عندما بدأت، اعتباراً من ذلك التاريخ، موجة هجرةٍ عكسيةٍ إلى مناطق روج آفا ولكن نتيجة حدوث فراغٍ اقتصاديٍّ لم يتمكن الكثير من العائدين من الاستقرار في روج آفا، ولذلك حدثت موجةٌ أخرى، يمكن تصنيفها ضمن موجة الهجرة السورية الشاملة، نحو جنوب كردستان وتركيا ومنها إلى اوربا
 أمام هذا الواقع الاستثنائيّ حاولت الإدارة الذاتية في روج آفا وضع أسس منظومةٍ اقتصاديةٍ مميزةٍ وجاذبةٍ للقوى العاملة وللمستثمرين على حدٍّ سواء، وكانت خطوة البداية في السعي إلى تحقيق استقرارٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ واجتماعيٍّ لتشكل الأرضية المناسبة للاستقرار والتنمية الاقتصادية.
 يتطلب هذا الأمر النظر إلى مختلف المواضيع السورية من زاويةٍ مختلفةٍ عما هو سائدٌ في عموم سورية. وأعتقد أنه قد تحقق نجاحٌ نسبيٌّ في الانطلاقة الاقتصادية، إذ تضاعف حجم النشاطات الصناعية والزراعية والتجارية في بعض مناطق روج آفا.ولكن ما سبق، وعلى الرغم من أهميته، لم يرتقِ إلى مستوى الاستراتيجيات الاقتصادية. ويجب على الادارة في روج افا ان تبذل  المزيد من الجهود لبناء قاعدةٍ اقتصاديةٍ سليمةٍ وقائمةٍ على أسسٍ استراتيجية. ولن يتحقق هذا الأمر إلا من خلال منح أهميةٍ خاصّةٍ لاستكمال مشروع وضع المنظومة الفكرية المعتمدة في روج آفا.
 أن القائمين على الادارة  في  شمال سوريا  باتوا يملكون الخبرة في التعامل مع المواقف السياسية والعسكرية، نتيجة تعاملهم لآجالٍ طويلةٍ في هذا المجال. ولذلك كانوا محقين، في روج آفا، عندما اختاروا نهج الطريق الثالث، القائم على عدم الوقوف إلى جانب أيّ طرفٍ من أطراف الصراع السوريّ إلا بقدر ما يعترف ذلك الطرف بالقضية الكردية، ويقبل الاحترام المتبادل المستند إلى المساواة بين الأطراف. ونأوا بأنفسهم عبر عدم الغوص في وحل الحرب السورية. وقد ساعدهم ذلك في الحفاظ على البنية التحتية، باعتبار أن كلّ المرافق الموجودة في مؤسّسات الدولة هي ملكهم وليست ملك السلطات الحاكمة.

وقد سهّل تبنّيهم هذا الموقف مهمتهم في تأمين مستلزمات الحياة في عموم مناطق روج آفا، إذ إن سياسات الإدارة الذاتية كانت الأكثر براغماتيةً في عموم سورية. إلى جانب ذلك قامت الإدارة الذاتية بتأسيس عشرات المؤسّسات التي تسهم في تحقيق الاستقرار السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ، وتحقق التنمية في جميع مجالات الحياة. أعتقد أنه ليس بالأمر الاعتياديّ أن نرى مهرجاناتٍ سينمائيةً وفنيةً ورياضيةً وثقافيةً في ظلّ الحرب، وهذا هو ما يحدث في شمال سوريا تحديداً.
 أن مناطق روج آفا كانت تعاني الكثير في المرحلة التي سبقت الأزمة السورية. وهي بدأت تدخل الآن في مرحلة انتعاشٍ اقتصاديٍّ نتيجة مجموعة عوامل، كالاستقرارين السياسيّ والأمنيّ، وكذلك إتاحة فرص العمل والاستثمار فيها أمام أبنائها وأبناء المناطق السورية الأخرى. لكن، وبالرغم من ذلك، تعاني مناطق روج آفا من حصارٍ مستمرٍّ منذ خمس سنوات، بهدف كسر الإرادة التي ظهرت فيها، تلك الإرادة المناقضة لرغبات العديد من القوى الخارجية.
 وقد أدى هذا الأمر إلى أن ترتفع أسعار المواد التي لا يتمّ إنتاجها في مناطق روج آفا، إلى جانب انخفاض أسعار المواد التي تنتج فيها، وحدث نوعٌ من الخلل في توازن أسواق السلع المختلفة. ويجب أن لا ننسى تأثير انهيار الليرة في عموم سورية، بما في ذلك روج آفا، فأدّى ذلك إلى ارتفاعٍ جنونيٍّ في أسعار جميع السلع المستوردة، بسبب تدهور سعر صرف الليرة السورية التي ما  يزال كامل سوريا تتعامل بها.
بالرغم من كلّ ذلك استطاعت مناطق روج آفا أن تكون مصدراً للعديد من المنتجات بالنسبة إلى المستهلك السوريّ، وتمكنت الإدارة الذاتية من جعلها مناطق مميّزةً مقارنةً بغيرها.
لا شك أن اختيار الطريق الثالث، والتأسيس لمنهجيةٍ متكاملةٍ سياسياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً، يعدّ أمراً صعباً للغاية في ظروفٍ كتلك التي تمرّ بها سورية عموماً. إلا أن عدم القيام بمثل هذه الخطوة يعدّ جريمةً في حقّ أبناء روج آفا، لأنه لا تنمية ولا تطوّر دون منهجيةٍ متكاملة، وللوقوف في وجه الابادة الاقتصادية الممنهجة التي تمارس بحق شمال سوريا روج افا كان لا بدّ من القيام بخطوةٍ نحو وضع الأسس الاقتصادية لروج آفا وكانت مقولة القائد ابو  ((لنجعل من حياتنا كوميناً للمياه والأرض والطاقة)) .أي علينا أن نختار منهجيةً اقتصاديةً تعتمد على التضامن والتشارك، من خلال بناء خلايا اجتماعيةٍ-اقتصادية، وبالاستفادة من وجود المساحات الجغرافية الزراعية والحياة الريفية، وكذلك الصناعات الصغيرة، للوصول إلى نموذجٍ اقتصاديٍّ لا استغلاليّ، إذ يشارك المجتمع كله في العملية الإنتاجية، دون تطبيق سياساتٍ تأميميةٍ تجرّد الملّاك من أملاكهم، على غرار التجربة السوفياتية وبعض الدول المتخلفة.
 لقد كان كونفرانسا الاقتصاد في عفرين و رميلان مثابة استجابةٍ فعليةٍ للتساؤلات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، وإيجاد الأجوبة المناسبة عن تلك التساؤلات. والهدف من عقد الكونفرانسين هو وضع المنهجية الفكرية للاقتصاد في روج آفا أولاً، ومن ثمّ وضع السياسات التنموية في مختلف القطاعات الاقتصادية استناداً إلى المنهجية الفكرية التي بدأت ملامحها تتوضح بعد الكونفرانسين.
 أما بالنسبة إلى مدينة عفرين فقد اكتسبت خصوصيتها الاقتصادية في هذه الظروف من تأثير مجموعةٍ من العوامل، لعلّ أهمها أنها مرّت بظروف حربٍ أقلّ نسبياً مقارنةً مع مناطق روج آفا الأخرى، قبل احتلالها من قبل الارهاب التركي ومرتزقته فهي كانت الأكثر حصانةً، كما أنها كانت  تتعرّض لحالات حصارٍ خانقٍ من قبل القوى المتطرّفة، وتعرّضت لحربٍ اقتصاديةٍ منهجية، وهي تتمتع ببيئةٍ رائعةٍ تسهم في تطوير القطاع الزراعيّ، وتطوّرت فيها المؤسّسات الاقتصادية بشكلٍ أفضل من مختلف المناطق السورية، مما أدّى إلى أن تصبح منطقةً جاذبةً لرؤوس الأموال المادية والبشرية، وكانت  تشهد حركةً اقتصاديةً وعمرانيةً لم تشهدها طيلة تاريخها قبل التاسع عشر من تموز 2012.وكانت السبب الرئيسي في استهدافها من قبل تركياومرتزقتها وكان الهدف تدمير البنية التحتية فيها وسرقة معاملها ومنشاتها اضافة الى تهجير اهلها وتغيير ديمغرافيتها
بشكلٍ عامٍّ تمكنت الإدارة الذاتية في روج افا ان تخطوا خطوات جيدة رغم الحصار على المنطقة، وحالة الحرب السورية كانت السبب الأساسي لهروب الكفاءات العلمية والمهنية والحرفية الماهرة الى خارج البلاد الامر الذي ادى الى احداث خلل ونقص في الكوادر الادارية والعلمية والحرفية في موسسات الادارة الذاتية الديمقراطية من هنا نستنتج ان مشروع الابادة الاقتصادية على  روج افا لم يشمل فقط اغلاق المعابر والحدود بل كان الاساس فيها هي افراغ روج افا من الايدي العاملة والكفاءات العلمية البارزة والشابة بغية افشال مشروع الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا وديمقرطة سوريا

إرسال تعليق

1تعليقات

  1. هناك ظاهرة جديدة و خطيرة قد بدات بالانتشار في مؤسسات الادارة الذاتية وهي (الفساد) و في بعض الاحيان تتم باسم مؤسسة عوائل الشهداء بالذات. وقد قلتها سابقا. هؤلاء الاشخاص الفاسدين والغير المؤهلين اداريا هم في الحقيقة عبارة الطابور الخامس في الادارة الذاتية الطابور الذي يعمل لدى الاعداء و في مصلحة الاعداء.
    نعلم جميعا ان قتل المناضلات الثلاث في باريس بفرنسا (جنكيز, ليلى, فيدان) قد تم من خلال اشخاص كانوا في صفوف الحركة (او ما يطلق عليهم سياسيا, رفيق درب النضال) اذا يوجد مندسيين من هم من ابناء جلدتنا ولكن يعملون ضدنا.
    و بنفس النمط و نفس السيناريو لليس من المستبعد ابدا ان اللذين هم يقومون بالفساد في مؤسسات الادارة الذاتية هم في عبارة عن عملاء للمخابرات التركية تحديدا او غيرها , عملهم الاساسي نهش مؤسسات الادارة الذاتية من الداخل مثلما تفعل الدودة مع الشجرة.

    لذلك يجب محاربة الفساد بكل جدية وامان و دون هوادة او التسامح مع مرتكبيها. والتركيز على محاربة الفساد ايضا . جنبا الى جنب مع محاربة الاهارب.
    والاهم هو اقامة دورات من اجل توعية المواطن على محاربة الفساد, وان يكون المواطن عين الادارة ضد الفساد.

    حتى الامس القريب كنت متقائلا بهذه الادارة كنموذج جيد على الساحة الكوردستانية . وانها لن تكون نسخة عن اقليم كوردستان في مسالة الفساد و السرقات, وبالاخص بان لن مكرر اخطائهم على الساحة السياسية .... ولكن يبدو اني مخطئ وهذا ما لا اريده.

    ردحذف
إرسال تعليق

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!