قراءة جيوسياسية في دعوة أوجلان إلى الحوار وإفشال المخططات القوموية التركية والسورية ضد قوات سوريا الديمقراطية

آدمن الموقع
0


المادة: قراءة جيوسياسية
لـ إبراهيم مصطفى ( كابان )
خاص/ الموقع الجيوستراتيجي للدراسات

بشكل مفاجئ أعلن محامو المفكر والفيلسوف والقائد الكردي عبد الله أوجلان، اللقاء به في عزلته المفروضة عليه بجزيرة إمرالي منذ 2012، وإن هذا اللقاء بموكلهم تم بتاريخ 02.05.2019، حيث تضمن اللقاء رسالة من أوجلان إلى الرأي العام، لا سيما طرح بوادر حل للازمة بين الكرد والأتراك، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، كما تركزت الدعوة حول إعادة احياء المفاوضات التي طرحه في نوورز 2013. 
ولعل مضامين هذه الرسالة تحمل في طياته الكثير من الأبعاد الجيوسياسية التي تتطلب منا تحليلها وتقييمها وذلك لقيمتها العملية في التأثير على الأحداث العسكرية والسياسية الجارية في تركيا وسوريا وما يتعلق بالإدارة الذاتية في روجآفا- شمال وشرق سوريا، لا سيما وإنها تخلف الكثير من الأحداث الدراماتيكية المتعلقة بالداخل التركي بعد صعود المعارضة الكردية والتركية ضد سلطة نظام حزبي أردوغان والحركة القومية المعادية للعملية السلمية، مقابل تصعيد النظام التركي وطأة قبضتها الأمنية ضد الحريات العامة والديمقراطية في تركيا لصالح مشروع عثماني قوموي يدخل بتركيا في النفق المظلم. إلى جانب المخاض الذي يعيشه الوضع السوري بعد مرور 8 سنوات على الثورة، والذي اخلف دماراً هائلاً، وأدت في المحصلة إلى تدخل دولي وتقسام النفوذ بين القوى الكبرى، وهو ما نتج مؤخراً عن بوادر تقارب النظام السوري مع النظام التركي برعاية روسية وتشكيل ثلاثي إقليمي بالإضافة إلى إيران يعادون تطلعات الإدارة الذاتية ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط. وأيضاً ما تتعرض لها الإدارة الذاتية من تهديدات التركية وخاصة بعد إحتلال عفرين، وهو ما يحاول أوجلان من إيجاد صيغة لوقف هذه التناحرات بشكل سلمي، يحافظ من خلالها الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية على مكتسباتها، مقابل تهدئة المخاوف التركية والنظام السوري، ووقف 

التناغم بين طرح أوجلان والسياسات الأمريكية

لا بد إن الأمريكيين ميالون في تحركاتهم الأخيرة إلى حل سلمي بين الأتراك والإدارة الذاتية، وهذا واضح من خلال الجولات الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين، وحوارهم مع قوات سوريا الديمقراطية حول إجراء التفاهم والحوار مع الطرف التركي لإنهاء النزاع، وهذا يتناغم أيضاً مع دعوة أوجلان الجديدة، وهو بالضبط ما تحدث عنه قائد قوات سوريا الديمقراطية " مظلوم عبدي " قبل ثلاث أيام في مؤتمر القبائل السورية بعين العيسى، حيث ربط أي حوار مع تركيا بعودة عفرين. أي بمعنى إن الحوار ممكن. وهذا يوضح لنا مسألة الرسالة التي تم نشرها، حيث إن هناك معلومات ورسائل أخرى قد يكون أرسلها أوجلان ولكنها لم تنشر بسبب ردة الفعل التركي العكسي، وإن القيادة الكردية تتحفظ عليها إلى حين تلائم الوضع. 
وما يتضح من قراءة للأحداث، إن هناك تحرك أمريكي غير معلن في التوسط بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام التركي، والظروف التي أحيطت بهذه الزيارة السريعة لمحامي أوجلان وهذه الدعوة للسلام والحوار له علاقة مباشرة بهذه التحركات الأمريكية، وإن الأمريكيين مقتنعين تماماً بأن الحل يكمن لدى عبد الله أوجلان، وأعتقد إن ترتيبات هذا اللقاء مع أوجلان هي جزأ من تلك التوجهات، وهذه الدعوة للسلام والحلول المطروحة والتوجه إلى إستخدام لغة التعقل والتحاور بدل العنف والتهديد والقتل.

اوجلان والدقة في التعامل مع العقل الجمعي التركي

عندما يؤكد أوجلان على مسألة ملاحظة ما يسببه هذا من حساسية لتركيا، أي أخذ المخاوف التركية بالحسبان في مسألة ما يروجه بعض الأطراف حول إن الكرد إنفصاليين، هو يقصد الفوبيا التي يعاني منها الأتراك حيال القضية الكردية وتطوراتها في سوريا، وإن العملية السلمية التي يطرحها إنما يضمن إبعاد المخاوف عن الذهنية الجمعية التركية، أي بمعنى توفير أرضية الحوار بالتزامن مع إبعاد المخاوف، لهذا يؤكد على مسألة الحل للمشاكل في سوريا ضمن إطار المحافظة على وحدة الأرض وعلى أساس الديمقراطية المحلية المنصوص عليها في الدستور الأساسي بعيدا عن ثقافة الإقتتال. والديمقراطية المحلية التي يركز عليها أوجلان يقصد به التناغم الإجتماعي الذي ينتج عن منظومة إدارية متمثلة بالإدارة الذاتية التي يبني عليها قواعد الأمة الديمقراطية.  وبذلك يخفف أوجلان من وطأت المخاوف التركية حيال بعبع الإنفصال الذي يدغدغ به القوميون الأتراك مشاعر الشارع التركي، ويوجهون حقدهم ضد الشعب الكوردي. ويفهم من هذه المسألة " الأرضية جاهزة للحوار والمفاوضات حينما تكون هناك نية تركية والسورية لإنهاء النزاع مع قوات سوريا الديمقراطية.

نهج نوروز 2013 وتبعاتها الجيوسياسية 

بالنسبة للداخل التركي أشار أوجلان إلى طروحاته للحل في 2013، وعلى أساسها بدأت المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني والنظام التركي، وقد نجحت تلك المبادرة آنذاك في تطور كبير للحل داخل تركيا، قبل أن يتراجع عنها حزب العدالة والتنمية بعد إتفاقياتها مع الحركة القوموية التركية التي أعادت الصراع والمواجهات إلى سابق عهدها بعد 2015. 
ونفهم من تطرقه إلى تلك المفاوضات والعملية السلمية " طريق الحل " هو تاكيده على مسألة إستكمال تلك المفاوضات والحوارات وما نتج عنها وليس البدأ بحوار من نقطة الصفر. وبذلك لا يمكن العودة إلى مفاوضات جديدة من الصفر، ويجب أخذ ما وصل الطرفين إليه قاعدة اساسية لأي مفاوضات جديدة. وهنا يقود أوجلان أية محاولة تركية لنصف المفاوضات السابقة، حيث سيستفيد النظام التركي من عامل الوقت إن تم إعادة المفاوضات من الصفر، أو ربما يراوغ الأتراك وتتراوح المفاوضات مكانها بعد أن تصل إلى مستوى الذي توصل إليه سابقاً وتهرب من تطبيقها الطرف التركي. 
لذا يؤكد هنا أوجلان على اليقظة والدقة في حال بدأت أية مفاوضات وحوارات، وهو بطبيعة الحال درساً مهماً لقوات سوريا الديمقراطية في حال دخولهم في أية مفاوضات مع الطرف التركي.

خريطة الطريق بين قوات سوريا الديمقراطي والنظام السوري

الثقة التي أبداها أوجلان حيال قوات سوريا الديمقراطية يوضح لنا مدى نجاح هذه القوات في خلق الأجواء المناسبة لإدارة شوؤن روجآفا والشمال وشرق سوريا، وإن التركيز في المرحلة القادمة بعد القضاء على الداعش، يجب ان تنصب نحو الحلول السلمية والحوار بعيداً عن لغة الحرب والتهديد. وكلام أوجلان هنا دقيق جداً فهو يريد ان تحافظ قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على منجزاتها ومكاسبها بعيداً عن لغة الحرب، وأن يبادر إلى طرح السلام أمام الكم الهائل من الوعيد والتهديد الذي تبديه تركيا والنظامين السوري والإيراني برعاية روسية، وهذا واضح في تفسيره للحالة: نحن نؤمن بقدرات قوات سوريا الديمقراطية وأنه يجب حلّ المشاكل في سوريا ضمن إطار المحافظة على وحدة الأرض على أساس الديمقراطية المحلية المنصوص عليها في الدستور الأساسي بعيدا عن ثقافة الإقتتال.

أوجلان يزيد الخناق حول النظامين التركي والسوري بطرحه الحوار مجدداً

لا بد إن التعبئة التي قامت بها التيارات القوموية في تركيا وسوريا ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية نتج عن بث الكثير من الأكاذيب والتشويه والحقد، وتسبب ذلك في توجيه طاقاتهما ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما ينظر بوقوع مواجهات على المدى القريب. لذا ركز أوجلان على مسألة الحل من بوابة وحدة الأراضي السورية، وضرورة التوجه للحوار مع جميع الأطراف، وبذلك تفشل المشاريع المعادية التي تقودها التيارات القوموية التركية والسورية ضد الشعب الكردي.
ليتبين للشارع العام إن الكرد لا يطمحون إلى الإنفصال وإنهم جاهزون للحوار والسلام، وهذا ما ينتظره المجتمع الغربي ككل لا سيما التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وما يطالب به الأمريكيين من الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

تنويه: يمنع نسخ ونشر المادة دون ذكر المصدر ( الموقع الجيوستراتيجي للدراسات )

06.05.2019

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!