ماذا يحصل في شمال شرقي سوريا؟ (السيناريوهات المحتملة)

آدمن الموقع
0
تحليل سياسي لـ إبراهيم مصطفى (كابان)
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
من المحتمل إذا توفرت الظروف الإقليمية والدولية، والضوء الأخضر الأمريكي – الأوروبي، سينفذ النظام التركي غزواً جديداً على شمال شرق سوريا، في نقطة بلدة عين العيسى الإستراتيجي، لا سيما قبيل إستقرار إدارة جو بايدن في البيت الابيض، وبغية فرض واقع جديد أمام الرأي العام حول الوضع السوري، ويجبر بذلك الادارة الأمريكية القادمة، وما ستفرز عنه من موقف أوروبي، في التعامل مع الواقع الجديد. وهي خطة روسية بطبيعة الحال لفرض واقع النظام السوري على تلك النقطة الحساسة من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن لم تقبل بذلك فإنها سوف تواجه الاحتلال التركي الذي بدروه يقف على تخوم المنطقة ويهدد بما معه من عتاد ومجاميع مسلحة للمعارضة السورية في إقتحام البلدة. 
"نظام الاسد والكتائب الطائفية الشيعية" إلى جانب " الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة ( الإئتلاف والقاعدة وبقايا الداعش والإخوان المسلمين )، جميع هذه الأطراف تتقاطع مصالحها في مسألة محاربة قوات سوريا الديمقراطية، ويتم توجيهها من الراعي الروسي، الذي يضمن المصالح التركية من طرف في عملية محاربة الكرد، والتضييق عليهم كي لا يشكلوا خطر على الأمن القومي التركي، بأعتبار إن الأتراك يجدون في أي وضع كردي خاص بالمنطقة خطر على أمنهم الإستراتيجي، ( كما البعبع الكردي يسهل عملية السيطرة الروسية على المشاعر التركية، وبالتالي يساعد في عملية اجراء الاتفاقيات معها على حساب العلاقات التركية الأمريكية، في ظل التراجع الأمريكي عن العلاقات العميقة مع الأتراك)، وبنفس السياق يساعد هذا التوجه ضمان عودة النظام السوري إلى المنطقة من خلال ممارسة النظام التركي للضغوطات والتهديد بعمليات غزو جديدة شرقي الفرات. 
عملياً تتفق هذه الأطراف في محاربة قوات سوريا الديمقراطية، إذ أن الأتراك يجدون ذلك هدفاً أساسياً لتدخلهم في سوريا (منع قيام دولة كردية ؟!!)، بينما يحاول نظام الاسد من خلال هذه المعطيات إعادة السيطرة على منطقة الجزيرة وشمال دير الزورالغنية بالنفط وسلة الزراعة والغذاء ( لطالما أستغلها النظام السوري خلال ستة عقود ماضية، بينما كان سكان المنطقة يعانون برامج التفقير والتهجير المنظمة)، والتي تعتبر إستراتيجية لإنعاش النظام المتهالك من الحرب الاهلية، (على الأقل يخفف ذلك من الاعباء الناتجة عن الضغوطات الروسية المستمرة، وعودة النفط إلى حاضنة النظام تعني تعويض الشركات الروسية عن الخسائر الباهتة، والناجمة عن تدخلها في المستنقع السوري ). ونفهم من ذلك حقيقة سقوط "شجرة التوت" التي غنت بها المعارضة السورية طيلة عقد كامل وهي تكذب على المجتمع السوري لنضالها وثورتها لإسقاط نظام الاسد، لأن الاحداث على الأرض تظهر تحويل هذه المعارضة إلى مجموعات مرتزقة تعمل لإعادة باقي مناطق سوريا إلى سيطرة النظام!. 
في إنتظار الموقف الأمريكي 
من المؤكد إن الجميع ينتظر الموقف الأمريكي حيال التطورات المتصارعة في الازمة السورية، لا سيما الشق المتعلق بالتحرك التركي وأتفاقياتها مع النظام التركي في الكثير من القضاية التي تمس العلاقة الأمريكية – التركية، هل سيكون داعماً لقوات سوريا الديمقراطية (حيث التواجد الأمريكي في الجزيرة يوحي بوجود إستراتيجية بعيدة المدى بالنسبة للمصالح الأمريكية في الشريط الحدودي بين العراق وسوريا)، وبالتالي سوف يمارس الضغوطات على الجميع لحماية قوات سوريا الديمقراطية، أو ربما لا تتحرك ساكناً في ظل المتغيرات السياسية والإدارية التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية سواءً على مستوى تفشي فيروس كورونا ونتائجها وتضافر الجهود كافة لإحتوائها، أو قضية تشبث دونالد ترامب بكرسي الرئاسة بالرغم من خسارته في الانتخابات، وبالتالي أزمة إنتقال السلطة التي ترهق المجتمع الأمريكي، ناهيك عن توجيه كافة الانظار إلى الداخل الأمريكي وما سوف تنتج عنها من علاقات دولية أو مصالح قد تكون متغايرة عن المشهد الحالي. 
إدلب والسيناريو المتوقع
لن يضرب الروس من يحمون قصعتها، ويحققون لها مصالحها الاستراتيجية في سوريا، لذا لن يتم أي شيء في ادلب دون الموافقة التركية، أو على الاقل بعلم مسبق، وعمليات سحب القواعد التركية من بعض المواقع إلى جانب إعادة المجموعات المسلحة بضع أميال قبالة الحدود التركية السورية إنما تتم باتفاقيات ميدانية روسية – تركية، وبإشراف وإدارة غرفة العمليات العسكرية بين الطرفين، لأن الهدف الرئيسي من الاحتلال التركي في الشمال السوري ليست هذه المناطق التي لا تشكل خطراً على أمنها القومي ( وفق ما تدعيه .. ) ، بالرغم من وجود وترعرع منظمة القاعدة في إدلب ( وسيطرتها على المنطقة مقابل حالة أستياء شديدة من قبل الأهالي المدنيين الرافضين للنظام والمجموعات المسلحة المتطرفة)، إلا أن ذلك تتم برعاية الاستخبارات التركية، ولا تشكل معضلة لها، كما منظمة الداعش سابقاً، وبذلك الهم الأكبر بالنسبة للنظام التركي هو التوجه نحو شرق الفرات حيث منطقة الادارة الذاتية ونفوذ قوات سوريا الديمقراطية، ومحاولة إجهاض هذه التجربة من بوابة قطع المنطقتين " الجزيرة وكوباني " في نقطة عين العيسى، مقابل فرض الروس على قوات سوري الديمقراطية اجبارية القبول بواقع عودة النظام السوري إلى التمسك بزمام الأمور، ولسان حال الروس إتجاه قوات سوريا الديمقراطية " إما القبول بعودة النظام السوري إلى شرق الفرات أو الاحتلال التركي وتدمير المنطقة " وتهجير أهلها، ونموذج عفرين ورأس العين/ سري كانيه خير مثال على الغزوات التركية. من خلال هذه المفرزات ندرك حقيقة الهدف الروسي وعملية دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى التخلي عن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ( الحاضرة في منطقة النفط، وحاضنتها قوات سوريا الديمقراطية)، وبالتالي التخلي عن الحاضنة الأمريكية لصالح التوسع الروسي الذي يمثله عودة نظام الاسد، ويتحقق بذلك فقدان الطرف الأمريكي – الغربي الحاضنة الكردية لها في شمال شرق سوريا، وهذا يعني تستفيد روسيا من العودة إلى منابع النفط، ويعيد نظام الاسد سيطرته على المنطقة حيث يشاطرهم بتحقيق هذا الهدف الطرف التركي الذي يجاهد في سبيل إسقاط قوات سوريا الديمقراطية.
يعتقد النظام التركي إن عودة نظام الاسد إلى شرق الفرات يوفر لها حماية حدودها وأستقرار المنطقة، ومنع الكرد في إقامة أي منطقة خاصة بهم في شمال سوريا. 
الحديث حول عملية جديدة في ادلب وبمشاركة ايرانية مسألة غير واقعية، لطالما يحقق الأتراك والمجموعات المسلحة رغبات النظام السوري وبرعاية روسية في إخلاء مناطق جديدة دون مواجهات، ويبرز ذلك حجم التوافقات التركية - الروسية، ولعلَّ اللجنة العسكرية المشتركة التي تدير هذه الاحداث في الشمال السوري، تدرك تماماً إن الفائدة سوف تكون للطرفين في الشق المتعلق بمناطق قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي لم تعد لمناطق إدلب حاجة لمواجهات كبيرة.
مصير المجموعات المسلحة 
عملياً أصبحت هذه المجموعات أدوات تنفيذية للمشاريع التركية، وبالتنسيق العسكري التركي - الروسي يتم توجيه هذه المجاميع وأستخدامهم في معارك خاصة تتعلق بالمصالح التركية، إذ أن إرسال هذه المجموعات إلى ليبيا لإشركاهم في حرب أهلية، وكذلك إقحامهم في النزاع الاذربيجي الارميني، وإحتمالية إستخدامهم في معارك أخرى، أفقدت هذه المجموعات تمثيلها للثورة السورية، بل إن هذه المجموعات أصبحت أدوات تنفيذية روسية – إيرانية – تركية لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب النظام السوري، حيث تضغط تركيا بإتفاق مع الروس والنظام السوري على قوات سوريا الديمقراطية، وتحاول دفعها إلى حاضنة النظام السوري، وبذلك أصبحت هذه المجموعات جزء من مشاريع الروس في سوريا، وبالتالي تعمل على تحقيق مصالح النظام السوري والتركي في حماية الأمن القومي التركي من طرف، وإعادة نظام الاسد للسيطرة على باقي سوريا. 
قوات سوريا الديمقراطية والمصير القادم
جميع الخيارات المتوفرة أمام قوات سوريا الديمقراطية قد تسير في نفق ضيق لطالما يستمر الموقف الأمريكي في ضبابية حالكة، وذلك يدعنا امام توقع أية سيناريوهات طارئة، ولن نشهد عملياً تحركاً امريكياً صارماً في ظل الاستغلال التركي وبدافع روسي المرحلة الإنتقالية في الادارة الامريكية.
إن كسب اكبر قدر من الوقت بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية سيكون مفيداً جداً إلى حين الاستقرار السياسي في الموقف الأمريكي، لأنه من المتوقع فك احجية السياسة الأمريكية الجديدة حيال سوريا مع استلام جو بادين الإدارة، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت، ولكن هل سوف ينتظر النظام التركي ذلك؟ ومعها روسيا ونظام الاسد، والمجموعات المسلحة للمعارضة السورية المدعومة من تركيا؟
جميع المعطيات تشير إلى تحضير النظام التركي وبدافع روسي لعملية عسكرية جديدة، وإن كانت في منطقة محدودة، وقد تكون بلدة " عين العيسى "، وبالرغم من صغر حجمها إلا أن وجودها الجغرافي يشكل خطراً جديداً ينذر بعملية توسع للنظام التركي في المنطقة، حيث يساعد ذلك في فرض واقع جديد على الأرض، سوف يتعامل معها الادارة الامريكية القادمة، إذا لم يقبل قوات سوريا الديمقراطية بالشروط الروسية، وعودة النظام بشكل شامل إلى هذه البلدة.
عملياً لا يمكن للجيش التركي والمجاميع المسلحة للمعارضة في التوسع جنوباً، لأن ذلك يشكل عملية الطلاق بين قوات سوريا الديمقراطية والروس، وهذا يعني قد يعطي الروس للأتراك الوقت الكافي لممارسة التهديدات والوعيد بغزو المنطقة، وفي اللحظة الاخيرة يتدخل الروس لإنقاذ الموقف، طبعاً هدف متفق عليه بين الروس والأتراك.
وقد يشهد التطورات موقفاً امريكياً مفاجئاً، في توجيه التهديدات للطرف التركي ( سيكون ذلك دافعاً قوياً لإعادة الأتراك حساباتهم قبل خوض أي غزو جديد )، والعلاقة بين الأمريكيين الأتراك في أسوء مراحلها، وأية تباعدات جديدة ستكون لها عواقب وخيمة سوف تنعكس على السياسات التركية وعلاقاتها، لا سيما وإن حجم الخلافات بين الطرفين في أعلى درجاتها بعد صفقة أس 400 الروسية، والتحركات التركية في شرق المتوسط وتهديد أمن الاتحاد الأوروبي.
بينما أرجح السيناريو الأكثر إمكانية لوقوعه في توجه الروس نحو وضع قدم للنظام السوري في ناحية عين العيسى، بحيث يتكون له مربع أمني شبيه لما هو موجود في مدينتي الحسكة وقامشلو، وهو ما يفور للنظام تواجداً عملياً ضمن مناطق محافظ الرقة- الريف الشمالي، ومنطقة الوصل بين اقليمي الجزيرة وكوباني، وعلى نقطة الوصل في طريق M4 الإستراتيجي، مقابل سحب قوات سوريا الديمقراطية إلى حدود البلدة الجنوبي، والابقاء على الادارة المدنية والأمن الداخلي التابع للإدارة الذاتية، وهو ما يمكن مقارنته بالوضع القائم في منطقة منبج مع عدم وجود أية مربع أمني للنظام السوري والجيش الروسي داخل المدينة. وبذلك يطمان الجيش التركي على إن النظام السوري موجود في تلك الانحاء ويتم تنفيذ المخطط التركي مع النظام السوري برعاية روسية، بينما المجموعات المسلحة هي مجرد أدوات تم أستخدامها لخلق الفوضى وممارسة القلاقل والإشكالية ضد قوات سوريا الديمقراطية، ومع تثبيت وجود المربع الامني للنظام في عين العيسى ينتهي مهمة هذه المجموعات، حيث تبقى على مسافة 5 كلم خارج البلدة من الناحية الشمالية. 
فالجيش التركي لن يقدم على غزو جديد دون الضوء أخضر أمريكي، وإن حصل الغزو فلا بد إن هناك موافقة من كلا الطرفين " الأمريكي - الروسي " وهو ما لم يحصل عليه حتى اللحظة من الجانب الأمريكي على الأقل، والتعامل مع الروس لن يكون كافياً في خوض أية غزوات جديدة، لطالما تحققت المخططات الروسي في تثبيت مربع أمني للنظام السوري في تلك النقطة الاستراتيجية، وبذلك الاحتمال الأرجح لن ينفذ الجيش التركي غزو جديد، أو ربما يتأجل إلى أجل مسمى.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!