تحليل إستراتيجي لـ: إبراهيم كابان
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
خطورة عزل سوريا عربياً
معضلة إبعاد النظام السوري عن الحاضنة العربية تسبب بفتح المجال امام القوى الإقليمية والدولية في إستغلال عزلة سوريا عربياً، وتحول البلاد بعد ذلك إلى لقمة صائغة في فم النظامين الإيراني والتركي، اللذان يظهران الخلافات في الظاهر بينما يتفقان على إستحلال الأراضي والخيرات السورية في العمق، وتدخلا في شؤون سوريا السياسية والإقتصادية لدرجة لم تعد للجامعة العربية أي تأثير حقيقي على مجريات الحرب الأهلية السورية ومفاصلها، وهو ما دفع بالنظام نفسه إلى إستغلال البُعد المذهبي في تكريس المصالح الإيرانية مقابل إدارة الاستخبارت التركية للشريحة السنية التي لم تتحالف مع الاسد بينما ألتفت حول النظام التركي في إستحلال البلاد والعباد ووحدة الأراضي السورية، وضرب أمنها القومي لصالح حماية الأمن القومي التركي، والمصالح الإستراتيجية لإيران.
لقد توسعت إيران كثيراً على حساب الدول العربية الأربعة " العراق - سوريا - لبنان - اليمن " وأصبح أهم " دافع ومثير " للقلاقل السياسية والمذهبية في الشرق الأوسط، وأستطاعت تجنيد شرائح واسعة من هذه الدول عن طريق بث روح الخلافات المذهبية والتعبئة السياسية التي تكرس الهيمنة الفارسية - الشيعية.
بينما أستغلت الدولة التركية الحدث السوري، وعمدت إلى إستخدام العواطف والحمية المذهبية من خلال حركة اخوان المسلمين ، وتعبئة الجماعات المتطرفة التي حولت الشمال السوري إلى مراكز التدريب والتسليح والتخريب لصالح الأجندة والمشاريع التركية التوسعية، ولم تكتفي بذلك بل توسعت إلى عدة دول عربية من خلال أفراد هذه الجماعة المتطرفة، وإن كانت ضرب الوحدة الليبية ودعم المتطرفين هناك على رأس القائمة، إلا أن تدمير الشمال السوري ونهب طاقاتها الإقتصادية والصناعية، وجعلها أرضي خصبة لتهيئة وتجميع المتطرفين والإنتحارين، والتوسع جنوباً نحول الدول الخليجية التي شهدت قلاقل وإشكاليات ومواجهات مع الجماعات المتطرفة وقطر، والتمدد نحو مصر لدفع شبكة الأخوان والقاعدة. وكذا إستخدام السوريين في معارك ليبيا وأذربيجان ومؤخراً كشمير وشمال العراق / إقليم كردستان /، ولم يكتفي النظام التركي بذلك، بل أستخدمت ملف اللاجئين السوريين للضغط على المجتمع الدولي وترهيب الاتحاد الأوروبي بغية تضمين صمتها حيال الإجرام الذي يرتكبه هذا النظام في الشمال السوري بحق الدول السورية ومكوناتها في الشمال والشرق البلاد. مما تحولت محافظات كإدلب ومدن " إعزاز وجرابلس والباب " وكذلك المناطق التي تم احتلالها خلال العامين الماضيين " عفرين ورأس العين وتل أبيض " إلى مزرعة خلفية لتطوير منظومة الجماعات المتطرفة وإستخدامها وفق المصالح القومية التركية على حساب الأمن القومي العربي ووحدة الأراضي السورية.
التدارك العربي لحجم المخاطر التي تشكلها تركيا وإيران
أدركت الإمارات خطورة هذه التحولات الجيوسياسية في المنطقة، فتوجهت إلى اعادة احياء العلاقات مع النظام السوري بغية سحب البساط من تحت اقدام المشاريع الإيرانية، مقابل الفهم المصري لنتائج الأحداث السورية وحجم المخاطر الناجمة عن عزلة سوريا والاستحلال التركي للشمال، وهي أيضاً بدورها ستنضم إلى تبني الرؤية الإماراتية في ضرورة إعادة العلاقات مع سوريا. ولكن السؤال الذي يراود المتتبع للاحداث، أية سورية سوف تعيدها هذه الدول إلى الجامعة العربية؟
لا بد إن لعودة سوريا إلى الحاضنة العربية تطلب تفعيل عضويتها في الجامعة العربية، وهذا يعني الإعتراف بالنظام القائم الذي لا يتطور ولم يتغير بالرغم من كل المآسي التي شهدتها سوريا، وأدت إلى تدمير نصف البلاد وتخريب بنيتها التحتية، وكذلك تهجير ما لايقل عن 9 ملايين من المناطق الإسترايتجية السورية نحو أخرى صغيرة تسيطر عليها الاستخبارات التركية وتستخدمها ضد السوريين الكرد والعرب. وبنفس السياق تكمن هذه العودة إلى حلحلة بعض الاشكاليات الأساسية التي تهيئ سوريا لتكون مقبولة لدى الشارع العربي وحكوماتها، إذ أن التصفية العرقية التي مارسها النظام السوري بدافع إيراني وصمت روسي بحق العرب السنة ليست بالأمر السهل قبوله لدى الشارع العربي، لا سيما وإن الاحداث تكشفت حقيقة اتفاق بين النظامين التركي - سوريا، برعاية إيرانية في إجراء التغيير الديمغرافي الشامل في البلاد، بموجبها تم تهجير الشريحة العربية السنية إلى المنطقة الكردية مقابل تهجير الكرد إلى البادية وبعضاً منهم إلى خارج سوريا، وبنفس السياق توطين العلويين والشيعة في المناطق الداخلية السورية، وهذه المعضلة ليست بالأمر السهل تجاوزه في ظل إستمرار النظام السوري بنفس الوتير والعقلية إلى جانب الحضور الإيراني القوي في السيطرة على قرارات هذا النظام، وما يشكله النظام التركي من أستخدام لتلك الشريحة المهجرة في قيادة الحروب الهولامية للتخلص من السوريين الكرد وفتح المجال للسوريين العرب السنة في إفراغ مناطقهم الداخلية للنظام والنزوح إلى الداخل التركي بغية أستخدامهم لعدة قضايا ومنها تسفيرهم نحو أوروبا أو تجنيسهم في تركيا.
فّهمنا لما يحدث يظهر لنا مدى الصعوبات التي تقف عثرة امام أي تطور للوضع السوري، وبالتالي لا يمكن لسوريا العودة السلسة إلى الحاضنة والجامعة العربية ما لم تحلحل بعض القضايا الرئيسية التي يمكن حلها داخلياً وبرعاية عربية.
المعضلة الكردية والحوار بين دمشق وقامشلو
لايمكن التغاضي عن الواقع الميداني الذي يشهده سوريا من تقاسم للقوى والنفوذ والإمكانيات التي يملكها كل طرف، وحجم الدعم الدولي الذي يفرض ثقله على أي حلول داخلية، وكمية الخلافات والمظاليم التي تم تكريسها من قبل النظام السوري خلال العقود الماضية بحق المكون الكردي في البلاد، إلا أن مسار الحوار السوري - السوري في حلقة الطرفين الأساسيين، منطقة الادارة الذاتية ومنطقة الحكومة السورية، تشكلان قوة إرتكازية لعصبة سوريا الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إذ أن التكافئ موجود عملياً بين هذين القوتين، ومساحة السيطرة لا تختلف بحكم إن قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على الكمية العظمى لمنابع النفط والغاز والثروة الزراعية وكذلك السدود المائية، مقابل سيطرة الحكومة السورية على مساحات شاسعة من البلاد، والجمع بين القوتين وفق معيار الحوار المتكامل والاتفاق المناسب يرضى الجميع، سيضمن أيضاً وحدة الإرادة السورية من بوابة مواجهة المشاريع التركية الإيرانية على حد السواء.
وبما إن لإمارات ومصر والسعودية علاقات جيدة مع الادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وكذلك لإمارات علاقات ممتازة مع الحكومة السورية وهناك تقارب مصري لكلا الطرفين، مع إمكانية دخول السعودية على خط الحل، فإن رعاية الحوار بين الطرفين سينتج بطبعية الحال عن إتفاق سوري، وفق مبدأ وحدة الأراضي السورية وألا مركزية، وبالتالي سيسهل عملية تواجد سوريا كدولة في الجامعة العربية. وهذه العملية سيضمن للدول العربية عودة سوريا إلى حاضنتها وجامعتها وكذلك يقود المحاولات التركية الإيرانية في تقسيم سوريا والسيطرة على مقدراتها.
المعارضة السورية بين انقرة وموسكو والقاهرة والخليج العربي ومنطقة الادارة الذاتية
لا يمكن جعل المعارضة السورية كلها بسلة واحدة في وجود معارضات مختلفة، بعضها تطرح رؤى سودوية لا يمكن فهمها بشكل يبني عليها أي تطور لإعادة سوريا إلى عافيتها، لا سيما المرتهنة بالحضن التركي، فقد حصمت هذه المجاميع امرها في خدمة المصالح التركية، ومشاريعها التوسيعية وعمليات التتريك في الشمال السوري، وضرب الآستقرار والوحدة المكوناتي التي تتمتع بها سوريا. وحتى حضور تلك المجاميع في أي أطر دولي حول سوريا لا تتم إلا بإستخدام ووفق مصالحها القومية.
بينما المعارضة التي تنطلق من المصلحة السورية، حتى اللحظة لا تملك مقومات ضغط وتأثير، لأن التماس المباشر بين المجاميع المدعومة من تركيا مع مناطق تواجد المخالفين مع النظام تتم برعاية تركية، ولا يمكن لأي شخص أو مجموعة تدين لقوى غير التي تفرضها تركيا، وبالتالي قضت الاستخبارات التركية على معظم المجاميع السياسية والمسلحة التي كانت تنتمي لقوى سياسية خارج تركيا.
وهذا يعني إن اي حوار برعاية مصرية - اماراتية - سعودية بين الأطراف السورية لا يتم دون الحضور التركي، وهذا غير ممكن في هذه الأجواء السياسية الغير متناسقة بين هذه الأطراف وتركيا، بينما المجموعات السياسية التي تنطلق من منصة القاهرة والمملكة العربية السعودية هي في الواقع يمكن دمجها مع الحراك السياسي والعسكري في شمال وشرق سوريا، وسيكون هناك تحرك عسكري سوري متوافق مع قوات سوريا الديمقراطية، وقد يكون بموافقة روسية أيضاً، ومباركة أمريكية - فرنسية، وبالتالي ينتج لدينا قوتين للحوار " مجلس سوريا الديمقراطية - النظام السوري "، بينما المرتهنين للمصالح التركية سوف يبقون منعزلين تماماً إلى حين يتحد الموقع السوريين برعاية عربية، ويتم طرح فكرة خروج تركيا من الشمال السوري.
الدور الأمريكي - الروسي
عملياً لا يمكن تجاوز النفوذ الروسية - الأمريكية في سوريا، إلا ان المزاج العام لدى القوتين تميلان إلى قيام الجامعة العربية بلعب دور مهم في هذا السياق، وقد أعربت روسيا في الكثير من المناسبات عن ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وكذا امريكا لن يمنع هذا التوجه لطالما لن ينقص من نفوذها في شمال وشرق سوريا، وكذلك سيدفع بدفة الوضع السوري إلى تخفيف أو إزالة رأس النظام مع الحفاظ على المؤسسات وهيكل الدولة، بحكم التجربة الأمريكية في العراق وأفغانستان فشلت في إجراء التغيير الشامل والتدمير الكامل لهيكل الدولة، بمعنى لن يكون هناك مانع أمريكي من هذا التطور لطالما يحفظ لها وجودها العسكري وحضورها السياسي في شمال وشرق سوريا، وهو بطبيعة الحال مطلب عربي لمنع إيران في التمدد وتركيا في التوسع.
في المحصلة
سيكون هناك تحرك إماراتي - مصري، وقد يكون سعودي أيضاً، وتفاهم روسي أمريكي إسرائيلي، لإعادة تفعيل عضوية سوريا بالجامعية العربية، وهذا التوجه له إيجابيات مهمة على الساحة السورية والعربية، إلى جانب منع النظامين التركي والإيراني في تقاسم سوريا بين الشيعة وأخوان المسلمين. وبذلك تتبلور إستراتيجية جديدة لمنع النظام التركي في تتريك المناطق المحتلة من سوريا، إذ أن الدولة التركية والمجاميع المسلحة والمتطرفة تنفذ عمليات التتريك للأراضي السورية، وما يحصل إنما هي عملية إلحاق جزء من الأراضي السورية بالدولة التركية وفق تصور العثمانية الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ( الراعي الرسمي لحركة الأخوان المسلمين ) وشريكها الحركة القوموية التركية.
وأعتقد إن المزاج السياسي العام في منطقة الادارة الذاتية وكذلك لدى شريحة واسعة في مناطق سيطرة الحكومة السورية تتجه نحو حلول جذرية وعاجلة لتفادي مشاكل وأزمات الفقر والإفلاس الذي بدأ ينخر بالمجتمع السوري ككل ومناطق الحكومة السورية على الشكل الخصوص.
أقرأ أيضاً للباحث الإستراتيجي إبراهيم م. كابان: